هناك الآن فرصة امام "حماس" لتصحيح الأخطاء الضخمة التي ارتكبتها في غزّة.يعكس ما يجري في قطاع غزّة بوضوح ليس بعده وضوح عمق الازمة الفلسطينية وعقم معظم الذين لديهم أي تأثير في اوساط السلطتين الفلسطينيتين القائمتين في القطاع والضفّة غربية. هناك عجز ليس بعده عجز عن القدرة على الاقدام على أي خطوة تصبّ في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني في اتجاه تحويله الى واقع. أسوأ ما في الامر ان إسرائيل راضية بذلك، بل ان الجمود القائم الذي يمكن ان يتحول الى حرب جديدة هو اكبر خدمة يمكن تقديمها لها. ما الذي يخدم إسرائيل اكثر من حرب جديدة تسمح لها بالقول ان لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه وان لا همّ للفلسطينيين سوى اثارة المشاكل والقلاقل ورفع شعارات ابعد ما تكون عن الواقع؟ ان يستمر تقديم ضحايا من شبان فلسطينيين يطلق عليهم القناصون الإسرائيليون النار لمجرد اقترابهم من الحدود الدولية في غزّة لن يفيد في شيء. هناك شبان يموتون كلّ يوم تقريبا من اجل قضيّة خاسرة سلفا. هناك طائرات ورقية تسير في الجو وتسبب حرائق لحقول زراعية في الجانب الإسرائيلي من الحدود. حسنا، تلحق هذه الطائرات الورقية خسائر بالاسرائيليين، لكن السؤال المطروح في نهاية المطاف هل يمكن لشبان يعرضون حياتهم للموت ولحرائق في حقول إسرائيلية تحقيق أي انجاز من ايّ نوع بدءا بفك الحصار الظالم عن غزّة. بعض الصراحة ضروري بين وقت وآخر. لو كانت حركة "حماس" قادرة على تحقيق أي انتصار على إسرائيل لما كان الحصار الذي يتعرّض له القطاع مستمرا منذ العام 2007 ولما كانت منازل دمرت في حرب أواخر 2008 واوائل 2009 لا تزال ركاما. هناك مواطنون كانوا في هذه المنازل ما زالوا يعيشون تحت خيام منذ عشر سنوات. اذا وضعنا جانبا المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي يصعب تحقيقها في الوقت الراهن لأسباب مختلفة، بعضها عائد الى عدم رغبة السلطة الوطنية في الدخول في لعبة غير قادرة على التحكم بها ولا تدري ما النتائج التي ستسفر عنها، نجد ان لا رغبة لدى "حماس" في شكل عام في حسم موقفها. لا تزال في "حماس" اجنحة عدة ينادي كل منها على ليلاه. هناك جناح يرغب في التوصل فعلا الى صفقة مع إسرائيل، وهي الصفقة نفسها التي منعت الحركة السلطة الوطنية من التوصل اليها في الماضي. وهناك جناح آخر يعتقد ان مستقبل "حماس" مرتبط بدور الأداة الذي تلعبه في خدمة المشروع الايراني في المنطقة ومشاريع أخرى وراءها اطراف عربية معروفة لا همّ لها سوى معاداة مصر وخلق مشاكل لها وذلك عقابا للشعب المصري على تخلصّه من الاخوان المسلمين وتخلّفهم في حزيران – يونيو من العام 2013. لم يكن سرّا في يوم من الايّام ان دولا عربية عدّة ساعدت مصر في تلك المرحلة الدقيقة التي مرّت فيها. كانت المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتّحدة والكويت على رأس هذه الدول التي قررت الحؤول دون انهيار مصر. ساعدت الشعب المصري بكلّ الوسائل، غصبا عن رغبة الادارة الاميركية، في التخلص من نظام الاخوان المسلمين الذي لم يكن خطرا على مصر وحدها بمقدار ما كان تهديدا للمنطقة العربية كلّها. من يتذكّر كيف تسللت ايران الى الداخل المصري في الفترة التي كان فيها محمد مرسي رئيسا؟ من المفيد بين الحين والآخر العودة الى الماضي قليلا والاستفادة من تجاربه. ففي السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك وفي المرحلة التي كان فيها محمد مرسي رئيسا، تحولت غزّة التي أصبحت "امارة إسلامية" على الطريقة الطالبانية منذ منتصف العام 2007 الى النموذج الذي تحتذي به مصر. صارت غزّة تؤثر في القاهرة والإسكندرية وليس العكس. ما نشهده اليوم من افتعال لتصعيد في غزّة يستهدف مصر اوّلا وأخيرا. يستهدف هذا التصعيد التي يقف خلفه أعداء مصر ومعرقلو استعادة دورها في غزّة وعلى الصعيد الفلسطيني عموما افشال أي مشروع مصالحة فلسطينية. اكثر من ذلك، يبدو الهدف من التصعيد وضع العراقيل في طريق فكّ الحصار عن غزّة من جهة وإظهار مصر في مظهر الدولة العاجزة من جهة أخرى. معروف من يرعى الاخوان المسلمين في هذه المرحلة من عرب وغير عرب. ومعروف ان ايران تستخدمهم لتحقيق مصالح خاصة بها من بينها الإساءة الى مصر. لذلك، يبدو مطلوبا اكثر من ايّ وقت استيعاب ان التصعيد في غزّة والحرب الجديدة التي تبدو إسرائيل وكأنّها تحضّر لها لن يخدما الفلسطينيين في شيء. على العكس من ذلك، هناك رغبة واضحة لدى غير طرف في استخدام الغزاويين وقودا في حرب جديدة تظهر ايران من خلالها انّها لا تزال تمتلك ورقة اسمها القطاع. من يحرّض اهل غزّة على حرب جديدة يريد لهم الموت والدمار والبؤس ولا شيء آخر غير ذلك. من لديه بعض الضمير يتذكّر ان مطارا افتتح في غزّة في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1998. بقي هذا المطار الذي افتتحه ياسر عرفات والرئيس بيل كلينتون يعمل حتّى مطلع السنة 2000 حين وجد من يعتقد ان "عسكرة" الانتفاضة الفلسطينية يخدم القضية الفلسطينية في شيء. دمرت إسرائيل "مطار ياسر عرفات" وفرضت في السنة 2007 حصارا على غزّة لا يزال مستمرّا الى اليوم. لا عيب في توصل "حماس" الى اتفاق ما مع إسرائيل برعاية مصرية. لا عيب في وقف المتاجرة بغزّة واهل غزّة من جانب ايران وغير ايران. لا عيب في منع بعض العرب الحاقدين على مصر من تصفية حساباتهم معها عبر غزّة وعبر التضحية باهل غزّة. هناك لعبة وحيدة في المدينة، كما يقول الاميركيون. هذه اللعبة اسمها الدور المصري في غزّة. لا بديل من الوساطة المصرية القادرة وحدها على فكّ الحصار تمهيدا الى قيام وضع طبيعي، قدر الإمكان في القطاع. عندما انسحبت إسرائيل من غزّة كلّها في آب – أغسطس من العام 2005، كان هدفها جعل اهل غزة يتقاتلون في ما بينهم. هذا ما حصل بالفعل بسبب فوضى السلاح. فوتت "حماس" الطامحة الى تولّي السلطة قيام كيان فلسطيني يكون نموذجا لما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مستقلة مستقبلا. قدمّت "حماس" كلّ الخدمات المطلوبة منها إسرائيليا، بل اكثر من المطلوب منها. يكفي انّها كرست وجود كيانين فلسطينيين لا علاقة لايّ منهما بالآخر هما الضفّة الغربية وغزّة. هناك الآن فرصة امام "حماس" لتصحيح الأخطاء الضخمة التي ارتكبتها في غزّة. هل هناك قياديون في الحركة يعون ما الذي على المحكّ في هذه المرحلة، ام تبقى الامور على حالها، أي حركة ذات اجنحة عدّة لكلّ منها اجندة خاصة به. احد هذه الاجنحة، وهو جناح نافذ جدا متخصص في محاربة مصر ودورها ووساطتها!
مشاركة :