حينما تنطلق كلمة مؤامرة في جوف الآذان، ينصت البعض على حذر، ينتفض البعض مستنكرا من هذه الكلمة لفظا واصطلاحا. والحقيقة أن كلا الجانبين على حق. فالأول ينصت ليتبين، والثاني يستنكر كونه مواطنا صالحا ومصدقا أن العالم جله محب للسلام، وأيضا يثق في نفسه وفي عروبته ألا شيء يؤثر في صميم الشخصية العربية المدربة على حمي الحمى. وكل ذلك مقبول ومسلم به، إلا أن هناك ترتيبات في جوف الأرض لسيادة فصيل على فصيل، ولإلهاب جذوة الحروب في العالم وليس في بلادنا وحدها. وإنما في العالم أجمع! فإذا كان ذلك صحيحا: فأين ومن ومتى وكيف.. ولماذا كل ذلك؟ لم نكن نستحسن كلمة مؤامرة، ولا تستسيغها عقولنا، وإنما علينا البحث والتقصي ثم التدبر في هدأة وأناة، فلعل الله يجعل لنا فرجا ومخرجا وينير عقولنا بما فيه خير البشرية على هذه الأرض. فما معنى مؤامرة إذا، كي نتبين جوانبها إن تيسر لنا ذلك؟ في معجم المعاني هي: "مكيدة للقيام بعملٍ معاد إزاء حكم أو بلد أو شخص ما، يدبرها أشخاص خفيةً ويصممون على تنفيذها ضد شخص أو مؤسسة أو أمن دولة ومصدرها آمر". إذا أردنا الوقوف على جوانب هذا الأمر وجب علينا أن نعرف من تآمر على من في سياق الأسئلة السابق ذكرها؟ لأن ما يحدث في أرجاء الوطن العربي، يستحيل أن نطلق عليه معنى الصدفة، أو الوعي الذي هبط من السماء فجأة ودون مقدمات! والإعلام يرتع هنا وهناك فرحا تواقا بما حبته يد الرحمن من أخبار، تزيد من التحديق والتثبث واللهفة للخبر، بعدما أوشك جمهوره على الانصراف عنه؛ فتخلو خزانته من عدد ساعات المشاهدة، فكما أسلفنا في مقالنا السابق أن رأس المال أصبح يلعب دورا كبيرا في التلاعب بعقول البشر ودون دراية أيضا، وإنما حسب نظريات رسمت له مسبقا على أنها علم من علوم الإعلام والتلقي! لنقف هنيهة على أطراف صفحات كتاب قيم ومؤثر حصدت نسخه ملايين الأرقام في العالم مترجما إلى لغات عديدة؛ وهو كتاب (أحجار على رقعة الشطرنج) للكاتب الأدميرال الأميركي (وليام غاي كار)، واستغرق منه هذا الكتاب ما يزيد على 40 عاما كي يصل إلى جواب عن سؤاله اللحوح: لماذا لا تعيش البشرية في سلام وفي كل مكان؟ بعد 40 عاما من البحث وصل إلى كنه الأسرار وإلى جوهر ما وصل إليه العالم من حروب ودمار حينها، فهو رجل محارب وشارك في الحرب العالمية وذاق ويلات الحروب، والغريب أن ما وصل إليه منذ ما يقرب من 65 عاما - منذ 1950 حتى 2015 - لا يزال يدور في العالم وفي الوطن العربي بشكل أوضح وأدق. وكأنه يفتح فوهة بركان الحقيقة التي لم تنطفئ نارها حتى الآن. فيقول: "سأكشف الستار فيما يثير الدهشة والاستغراب لمن سيقرأ هذه الأسطر، أعلن بصراحة أنني شرعت في العمل منذ 1911 مستهدفا الوصول إلى كنه السر الخفي الذي يمنع الجنس البشري من أن يعيش في سلام، ولم أستطع النفاذ إلى قلب هذا السر أخيرا حتى عام 1950". إن ما وصل إليه هو التنظيم المستتر لجماعة "النورانيين" الذين أسموا أنفسهم بالنظام العالمي الجديد! والذي أسسه آدم وايزهاوبت Adam Weishaupt ذلك الرجل الذي خرج من كل ملة ومن كل دين بحسب رأي المؤلف، لينضم إليه علية القوم بهدف أن يظل العالم مشتعلا بالحروب وبلا توقف إلى الأبد. وأول خطوة هي "أن يقوم المخطط على تدمير الحكومات والأديان الموجودة، ثم التقسيم إلى معسكرات متنابذة تتصارع إلى الأبد حول عدد من المشاكل التي تتولد دونما توقف، اقتصادية وسياسية، واجتماعية، وعنصرية، ويقتضي تسليح هذه المعسكرات بعد خلقها، ثم يجري تدبير حادث في كل مرة يكون من شأنه أن تنقض هذه المعسكرات على بعضها فيضعفون أنفسهم، ويحطمونها ويحطمون الحكومات الوطنية والمؤسسات والقواعد الدينية". كان ذلك قرار وايزهاوبت ومن انضم إليه عام 1776. سياسة النفس الطويل تنظيم محكم يمتد حتى يومنا هذا تحت مسمى النظام العالمي الجديد! ويقول الكاتب إن كلمة النورانيين هي تعبير شيطاني معناه الحقيقي: حملة النور. وكان يلجأ إلى الدعاية العالمية فانضم إليه 2000 آنذاك، مدعيا الوصول إلى حكومة عالمية واحدة تتكون من ذوي القدرات الفكرية الكبرى، وحينها أنشأ محفل الشرق الأكبر - وهو المركز الرئيسي للماسونية أو الفرماسونية - وحينها وضعت بروتوكولات حكماء صهيون! ومن أهم بنودها سيادة: 1- الرشوة بكل أشكالها من المال والجنس للوصول إلى الهدف المبتغى. 2- على أساتذة الجامعات استقطابهم نحو الأممية العالمية. 3- استقطاب من ينضم إليهم للتدريب على استخدامهم كعملاء. 4- السيطرة على الصحافة وكل أجهزة الإعلام كي يتم حمل الجماهير بالاعتقاد أن تكوين حكومة أممية واحدة هو الطريق الوحيد لحل المشاكل. ويقول كار: "ولم تلبث أن انضمت إليهم جماعة "الفوضويين" التي كانت تسمي نفسها "الهلنسية" عام 1929، وبما أنها تكونت من عباقرة وفلاسفة فقد قامت فلسفات أذعن لها عقل العالم آنذاك بأقلام فلاسفة عظام أمثال (فريدريك) مؤسس مذهب الفلسفة (النيتسبيزم) أي فلسفة نيتشة الذي تفرع منه المبدأ النازي. وكانت هذه المذاهب من أشعل الحربين العالميتين". ولم يخل هذا الكتاب من أدق التفاصيل للمؤامرة في كل شيء وكيف تسربت إلى العالم وقلوب الأبرياء الطامحين إلى العيش في هدأة وسلام. إن الأغلبية العظمى من أهل بلادنا العربية وحتى العالم الخارجي، ليدركون أن مخططا أعد منذ ثلاثة قرون! وكيف تكون كل شخصية في هذا العالم تحمل أفكارهم دون أن تعي ودون أن تعلم. ولقد أسميت بعض النظريات الإعلامية بالحقن تحت الجلد، فيتسرب السم دون وعي أو دراية ونحن مبهورون بكل فكر أو فلسفة أو مدرسة قادمة من وراء البحار. وها نحن نسبح في محيط هذه الأفكار وتلك البنود، وكأنهم يعيشون بيننا في يومنا هذا ويديرون عجلة القطار العالمي بأطراف أصابعهم، فإلى أين نحن ذاهبون؟
مشاركة :