ماذا يعني إغلاق القنصلية الأمريكية في القدس؟

  • 10/23/2018
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

استرعت وزارة الخارجية الأمريكية الاهتمام هذه المرة من خلال البيان الصحفي الذي أصدرته يوم 18 أكتوبر تحت عنوان «إدماج السفارة والقنصلية العامة الأمريكية في القدس الكبرى». لقد صدر البيان عن وزير الخارجية مايكل بومبيو الذي أعلن اتخاذ قرار بإغلاق القنصلية العامة الأمريكية في القدس ونقل مهامها إلى السفارة الأمريكية في القدس – وهو ما يمثل الجزء الأكثر خطورة، ذلك أن وزير الخارجية قد زعم على الملأ أن هذه الخطوة ليس لها أي معنى أو تبعات سياسية وأن الأمر يهدف فقط إلي ترشيد النفقات من خلال عملية الدمج. جاء في بداية البيان الصحفي ما يلي: «يسعدني أن أعلن تبعا لافتتاح السفارة الأمريكية في القدس يوم 14 مايو الماضي أننا نخطط لتحقيق مزيد من الكفاءة وذلك من خلال إدماج السفارة والقنصلية العامة الأمريكية في مدينة القدس في صلب بعثة دبلوماسية واحدة. لقد طلبنا من سفيرنا المعتمد لدى إسرائيل الإشراف على عملية الدمج». مضى وزير الخارجية يقول: «سنواصل القيام بالكثير من التغطيات والاتصال وإطلاق البرامج في الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك مع الفلسطينيين في القدس، وذلك من خلال وحدة للشؤون الفلسطينية في صلب السفارة الأمريكية في القدس. ستمارس هذه الوحدة مهماتها من خلال مقرنا الموجود في شارع أرغون». «يتنزل هذا القرار في إطار الجهود الرامية إلى تحسين جودة وكفاءة عملياتنا ولا تعكس أي تغيير في السياسة الأمريكية بشأن مسألة القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة. واتساقا مع ما أعلنه الرئيس ترامب في شهر ديسمبر من السنة الماضية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل سياستها المتمثلة في عدم اتخاذ أي قرار يتعلق بقضايا الحل النهائي، بما في ذلك الحدود، إذ إن حدود السيادة الإسرائيلية في القدس تظل رهن مفاوضات الحل النهائي بين الأطراف». ينطوي هذا البيان على كثير من المغالطات والتضليل حتى أنني لست أدري من أين أبدأ انتقاد ما قاله وزير الخارجية الأمريكية. دعوني أبدأ بما قاله عندما زعم أن هذه الخطوة ترمي فقط إلى «تحسين جودة وكفاءة عملياتنا». لا شك أن وزير الخارجية يدرك جيدا أن القنصلية الأمريكية ليست مجرد مكتب قنصلي. أما فيما يتعلق بـ«المهام» التي تحدث عنها في البيان الصحفي فقد غفلت عن الدور التاريخي الذي ظلت تلعبه القنصلية العامة كنقطة اتصال بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والإدارة الأمريكية. لقد ظلت السفارة الأمريكية في تل أبيب تتعامل مع إسرائيل والشؤون الإسرائيلية، فيما لعبت القنصلية العامة دورها باعتبارها «السفارة الفعلية التي تتعامل من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية مع الفلسطينيين». وحتى في الأوقات الصعبة فقد ظلت القنصلية العامة والقنصلية الأمريكية مفتوحة لاستقبال الفلسطينيين والاستماع لمشاغلهم ومشاكلهم. لقد كانت القنصلية نقطة الاتصال الوحيدة للفلسطينيين )والزوار الأمريكيين من أصل فلسطيني(، الذين يسعون إلى الحصول على المساعدة من الإدارة الأمريكية. لم يعد للفلسطينيين اليوم سوى التعامل مع السفارة الأمريكية في إسرائيل باعتبارها عنوان الأمريكيين في المنطقة. ظل الفلسطينيون يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على ترخيص من سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل الوصول إلى مبنى القنصلية العامة الأمريكية في موقعها الحالي في القدس الشرقية. لذلك فإن مسألة وصول الفلسطينيين إلى السفارة الأمريكية في القدس الغربية ستكون أكثر صعوبة. بمعنى أن الفلسطينيين العاديين، بصرف النظر عن نواياهم وأهدافهم، لن يكون بإمكانهم إقامة أي اتصال مع المندوبين الممثلين للإدارة الأمريكية. على ضوء هذه الحقائق فإن هذه الخطوة ستكون أكبر وأكثر خطورة من مجرد «العمل على تحسين الجودة والكفاءة». لو كان الأمر كذلك، لأغلق الأمريكيون أيضا قنصليتهم الموجودة في مدينة حيفا. إن إغلاق القنصلية العامة في القدس الشرقية ونقل «مهامها» إلى السفارة الأمريكية لدى إسرائيل يمثلان رسالة موجهة إلى الفلسطينيين مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تنظر إليهم كشعب منفصل، يستحق أن تكون له قناة للتواصل المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية. تضاف هذه الخطوة إلى جملة الخطوات السابقة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الراهنة، والتي ترمي إلى تجريد الفلسطينيين من وضعهم كشعب وحرمانهم من حق تقرير المصير وإقامة الدولة. تشمل هذه الخطوات الأمريكية التشكيك في «شرعية» اللاجئين الفلسطينيين وقطع المساعدات عنهم وإصدار أمر إغلاق المكتب الفلسطيني في واشنطن والموافقة على قانون «يهودية دولة إسرائيل»، والذي ينص على أن الشعب اليهودي هو وحده الذي يملك حق تقرير المصير في «أرض إسرائيل». إن إغلاق القنصلية في القدس الشرقية رسالة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تنظر إلى الفلسطينيين كشعب وإنما بمثابة «أقلية» ذات مصالح ثانوية مقارنة بمصالح إسرائيل. لا يمكن تصديق كلام وزير الخارجية الأمريكية عندما يزعم أن هذه الخطوة «لا تمثل أي تغيير في السياسة الأمريكية بشأن القدس.. أو ترسم أي حدود للسيادة الإسرائيلية في القدس». فقد ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تزعم على مدى عقود كاملة أن إبقاءها للقنصلية في القدس الشرقية يعني أن الولايات المتحدة تعترف بأن هذا الجزء من المدينة يخضع للاحتلال. يجب أن ننوه هنا إلى أن السفير فريدمان هو الذي يرسم السياسة الأمريكية بشأن هذه المسألة وذلك مند توليه منصبه الدبلوماسي. فقد أصدر أمرا بألا يشار إلى الأراضي الفلسطينية باعتبارها «محتلة» وهو ما انعكس في المنشورات الصادرة مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية. لم يشر هذا البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى «القدس الشرقية» وكأن القدس قد أصبحت في عرف وزيرة الخارجية والسفير فريدمان «موحدة وخاضعة بالكامل للسيادة الإسرائيلية». إن وزير الخارجية إنما يخادع عندما يزعم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخذ أي موقف بشأن الحدود. فقد ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية من الآثام ما سمح لإسرائيل بالتحكم في رسم خريطة القدس وبقية الأراضي المحتلة. لقد قطعت الإدارة الأمريكية المساعدة عن المستشفيات والمؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية ووافقت على الموقف الإسرائيلي الذي يعترض على أي اجتماعات بين المسؤولين الأمريكيين والفلسطينيين في القدس الشرقية، من دون أن ننسى الصمت الأمريكي على السياسات التوسعية الإسرائيلية في القدس والمناطق المحيطة بها )تشييد الجدار الذي يحول دون وصول الفلسطينيين إلى مدينة القدس(، فضلا عن تدمير منازل الفلسطينيين وبناء المستوطنات الإسرائيلية في مواقع معينة لخنق حياة الفلسطينيين في القدس. لقد أسهم هذا كله في إعطاء إسرائيل على بياض من أجل التحكم في رسم الحدود المستقبلية في المدينة وفق الشروط الإسرائيلية وعلى حساب الشعب الفلسطيني. على مدى أعوام، ظل أنصار حل الدولتين كتسوية للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين يحذرون من أننا «بتنا على بعد خمس دقائق من منتصف الليل» غير أن ما قامت به إدارة دونالد ترامب مؤخرا أكد أننا قد تجاوزنا منتصف الليل بكثير. يجدر بالولايات المتحدة الأمريكية أن تكون في منتهى النزاهة وتضع على مبنى سفارتها في القدس لوحة يكتب عليها: «مرحبا بكم إلى حل الدولة الواحدة» لأن ذلك هو واقع الحال الآن. بالمناسبة، ستكون هذه الدولة الواحدة دولة تمييز عنصري وقد أسهمت الولايات المتحدة الأمريكية في إقامتها. ‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :