بمجرد المغادرة من الحدود الإدارية لمدينة عرعر باتجاه الحدود العراقية، يكفي أن يقطع المسافر مسافة لا تتجاوز 70 كيلومتراً، لتتغير جغرافية المكان والإنسان، ويدخل في ثقافة مغايرة تماماً لتلك التي كان يتناولها داخل المملكة، وكانت ولا تزال هذه المدينة المنزل الأخير للمسافرين للعراق، وشهدت تبادلاً تجارياً وثقافياً مهماً في فترة من الفترات، لوقوعها في تماس مع الحدود العراقية. ودخلت الأحساء وبالتحديد مينائها العقير على خريطة الحدود الشمالية من خلال احتضانها للمفاوضات التي أجريت بين الجانب السعودي والعراقي، بما بات يعرف بـ«اتفاق العقير»، وذلك في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) من العام 1922، تم خلاله تحديد معظم الحدود بين البلدين، ونتج من ذلك تكون المنطقة المحايدة. نص الاتفاق على ألا يسمح ببناء المنشآت العسكرية أو الدائمة في هذه المنطقة، وتترك الحرية للبدو القاطنين في كل من البلدين بالدخول للمنطقة للاستفادة من مراعيها وآبارها، وتوصلت الحكومتان في العام 1975 لاتفاق تقسيم إداري للمنطقة، ومعاهدة حدودية أبرمت ثنائياً في العام 1981، وألغى العراق كل الاتفاقات المبرمة مع المملكة، وذلك تزامناً مع قرب حرب الخليج عام 1991. وتعتبر عرعر العاصمة الإدارية للحدود الشمالية السعودية، والمركز الحضري والتجاري أيضاً، ويرجع تاريخ نشأتها إلى العام 1950، إلا أن إنشاء خط أنابيب الزيت المعروفة بـ«التابلاين»، كان بداية لإقامة محطة لضخ الزيت، وبني إلى جانب سكن العمال آنذاك مستشفى، ليبدأ تكون مجتمع عرعر من خلال المواطنين القادمين من نجد والوجه والجوف والأحساء. بدأت القروض والأراضي الممنوحة من الدولة بجذب البدو الرحل لهذه المدينة، ويحدد المؤرخون العام 1395 كبداية لتوافدهم عليها، وتمركزوا حول وادي عرعر، وسميت بذلك نسبة إلى وادي عرعر الذي يقطعها من الجنوب إلى الشمال الشرقي، والذي يكثر فيه شجر العرعر، وسميت قبل ذلك بـ«البدنة»، نسبة إلى وادٍ يحمل هذا الاسم ويخترقها من الغرب إلى الشرق. تكثر الأودية في هذه المدينة، وتعد بوابة المرور إلى العراق وسورية والأردن، إلى جانب كونها ملتقى للطرق البرية المهمة، والتي تربطها بمدن كبرى، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 220 ألف نسمة، وذلك مع المراكز والقرى التابعة لها. وشهدت هذه المدينة أحداثاً عدة، كان من أبرزها تماسها مع الحدود العراقية في الحرب العراقية على الكويت، وما شهدته من توتر كبير، وكانت مركزاً عسكرياً مهماً، إلى جانب سقوط طائرة الخطوط الجوية العراقية والتي تحمل رحلتها الرقم 163 بالقرب من مطار عرعر، وتحوي هذه المدينة المهمة أكثر من 14 هجرة من بينها هجرة روضة ابن هباس، والمركوز، وابن شريم، والخشيبي، ولينة، والكثير من القرى والهجر التابعة لها. وتعد منطقة الحدود الشمالية، والتي تتجاوز مساحتها أكثر من 127 ألف كيلومتر، وعدد سكانها 320 ألف نسمة، واحدة من أكثر المناطق عراقة وتاريخاً، وتسكنها قبائل الشمال المعروفة مثل شمر وعنزة والحازم وغيرهم، وتحوي الحدود ست مدن ومنها عرعر ورفحاء وطريف والعويقلية وجديدة عرعر وشعبة نصاب، إلى جانب 19 هجرة. ويعد اكتشاف الفوسفات والغاز في منطقة حزم الجلاميد، من أكثر الأمور التي حدثت في هذه المنطقة، التي تمتلك الآن أكبر احتياطات العالم في الفوسفات والغاز، ورصدت المملكة للاستثمار فيها أكثر من 26 بليون ريال، لإنشاء مدينة صناعية في حزم الجلاميد.
مشاركة :