في صدمة غير متوقعة لحكومة دولة الاحتلال، ومفاجأة أربكت حساباتها، وأثارت في نفس الوقت اهتمام ومتابعات الدوائر السياسية الغربية، والتي بدأت تطرح التوقعات المحتملة لتداعيات القرار الملكي الأردني المتعلق بوقف العمل بملحق اتفاقية السلام مع إسرائيل «اتفاقية وادي عربة 1994»، واسترداد أراضي الباقورة والغمر، المؤجرة للحكومة الإسرائيلية، يؤكد الشارع السياسي الأردني، أن قرار الملك عبد الله الثاني، جاء تصويبا لحطأ تاريخي ارتكبه المفاوض الأردني عند توقيع معاهدة السلام قبل 24 عاما -بحسب تعبير المحلل السياسي الأردني فهد الخيطان- لأن المناخ الدولي والعربي، وقتئذ، لم يكن ليسمح للأردن بهامش مناورة واسع مع إسرائيل، خاصة بعد صفقة «أوسلو» المفاجئة التي أضعفت موقف الأردن. كان الملك عبد الله الثاني، أعلن يوم الأحد الماضي، 21 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عبر صفحته على موقع تويتر عدم تجديد اتفاقية تأجير أراضي الباقورة والغمّر لإسرائيل، بعدما خرجت احتجاجات ومسيرات في يوم الجُمُعة السابق 19 أكتوبر/ تشرين الأول، تطالب بإنهاء هذه الاتفاقية بعدما انتهت المدة القانونية، حسب اتفاقية السلام، كما شهدت المحاكم الأُردُنيَّة، تسجيل مجموعة من الإنذارات العدليَّة ضد الحكومة، للمطالبة بعدم تمديد تأجير أراضي المنطقتين لإسرائيل. دولة الاحتلال تلوح بضغوط .. والأردن يرفض القرار الأردني باغت إسرائيل، فمن ردود الفعل الأولية، يبدو أن ساسة إسرائيل كانوا على قناعة بأن الأردن سيمرر فترة الإخطار، بما يسمح بتجديد التعاقد تلقائيا، ولأنها أصبحت تدرك بأن الأردن لن يقبل بأقل مما أعلنه الملك عبد الله الثاني، بدأت ماكينتها الإعلامية تشير إلى أدوات الضغط، التي بحوزتها لإرغام الأردن على التراجع عن قراره أو القبول بترتيبات تكرس الوضع القائم.. بدأنا نسمع عن حصة الأردن بالمياه والتلويح بقطعها، وتعطيل مشروع قناة البحرين، المعطل أصلا بقرار إسرائيلي. ومن غير المستبعد أن تستخدم إسرائيل ورقة الوصاية على المقدسات خلال مرحلة المشاورات المتوقعة في الفترة المقبلة، وكل ما تلوح به إسرائيل من أوراق ضغط -كما يقول المحلل السياسي فهد الحيطان- هي قضايا منصوص عليها في معاهدة وادي عربة، وسيغدو سلوكها في حال أقدمت على ذلك خرقا لنصوص المعاهدة التي تدعي التمسك بها، وموقف الأردن في هذه الحالة لن يكون ضعيفا.مفهوم إسرائيل للسلام .. «مخادع» ومن الواضح أن الباقورة والغمر مهمتان لإسرائيل من الناحية الاقتصادية والزراعية، وفي تاريخها الاحتلالي لم تتعود إسرائيل على التخلي عن أراض احتلتها، إلا إذا كان ذلك يخدم مصالحها على المدى البعيد، وكما أن فهم إسرائيل للسلام مع جيرانها، ينطوي على مفهوم مخادع عنوانه مكاسب دائمة للكيان المحتل، بدون أن يرتب ذلك التزامات عليها.. وما كانت تخطط له حكومة إسرائيل هو تجديد اتفاق الباقورة والغمر لتكريس أمر واقع، تنتفي معه السيادة الأردنية الكاملة بعد خمسين عاما على المنطقتين. والباقورة منطقة حدودية أردنية تقع شرق نهر الأردن في محافظة إربد (شمال المملكة) تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي ستة آلاف دونم.. أما الغمر فمنطقة حدودية أردنية تقع ضمن محافظة العقبة (جنوب) وتبلغ مساحتها حوالي أربعة كيلومترات مربعة. منطقة الباقورة الباقورة أو «نهاريم» كما يسميها الإسرائيليون، بلدة أردنية حدودية تقع شرق نهر الأردن، وعندما تم تعيين الحدود بين شرق الأردن وفلسطين إبان الإنتداب البريطاني، تم إعتبار نهر الأردن حدا فاصلًا بين القطرين، ونهر اليرموك فاصلا بين الأردن وسوريا، وأصبحت «الباقورة» وفقا لهذه الحدود جزءًا من الأردن، وبعد حرب 1948، نزح العديد من الفلسطينيين إلى شرق نهر الأردن ومنهم من سكن الباقورة، وهؤلاء في معظمهم العاملين بالزراعة وتربية المواشي. إلاّ أن إسرائيل احتلت المنطقة الواقعة على الجانب الأردني عند ملتقى نهري اليرموك والأردن في غرب الباقورة عام 1950، وما زالت مسجلة على واقع الحال باسم اليهودي العراقي «بنحاس روتنبرج»، الذي منحته بريطانيا في عام 1921 حق امتياز استغلال مياه نهري اليرموك والأردن لتوليد الطاقة الكهربائية لإنارة المدن الفلسطينية ولواء عجلون الأردني، ضمن ما كان يُسمى «مشروع روتنبيرغ» إلا أن السكان العرب رفضوا التعامل مع شركته. وظل النزاع حول «الباقورة» بين دولة الاحتلال والأردن، حتى تم إبرام اتفاق وادى عربة بين الجانبين عام 1994، حيث تمسكت إسرائيل بوجود أنشطة زراعية وتجارية عديدة لها بالباقورة من الصعب الاستغناء عنها، فتم الاتفاق فى الملحق 1 (ب) من المعاهدة على تطبيق نظام خاص على منطقة الباقورة تعترف إسرائيل من خلاله بالسيادة الأردنية على هذه المنطقة، لكن مع الوضع فى الاعتبار أن المنطقة يوجد بها حقوق ملكية أراضٍ خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلية (المتصرفون بالأرض)، وبالتالى يتعهد الأردن بأن يمنح، دون استيفاء رسوم، حرية غير مقيدة للمتصرفين بالأرض وضيوفهم أو مستخدميهم، بالدخول إليها والخروج منها واستعمالها، وألا يطبق تشريعاته الجمركية أو المتعلقة بالهجرة على المتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين يعبرون من إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض لغرض الزراعة أو السياحة أو أى غرض آخر يتفق عليه. وبمقتضى ملحق باتفاقية السلام استأجرت إسرائيل نحو ألف فدان من الأراضي الزراعية في القطاع الجنوبي من حدودها مع الأردن، وكذلك منطقة صغيرة تعرف باسم «جزيرة السلام» قرب بحيرة طبرية. منطقة الغمر أما منطقة الغمر، فهي منطقة حدودية أيضا تقع ضمن صحراء وادي عربة التابعة لمحافظة العقبة جنوب الأردن، وتبلغ مساحة الغمر، حوالي 4 آلاف دونم، أغلبها أراضٍ زراعية، وتمتد لمسافة 5 كيلو مترات داخل الأراضي الأردنية. واحتلت إسرائيل أراضي أردنية خلال حرب العام 1967، من بينها الغمر، التي أصرّت دولة الاحتلال على عدم الانسحاب منها بذريعة أنها امتداد لمستوطنة «سوفار» المقابلة لـ «الغمر» على الجانب الآخر من الحدود. مفاوضات جديدة ويتوقع سياسيون أردنيون، أن إسرائيل ستبدأ على الفور مفاوضات جديدة مع الأردن لمحاولة استمرار تطبيق نظام التأجير الخاص بالمنطقتين، خاصة أن لديها مصالح عديدة فيهما من الصعب التنازل عنها، وهناك أراض مملوكة لإسرائيليين ملكية خاصة، عوضا عن أن إعادة المنطقتين للأردن يعد خفضا للمستوى السياسى لاتفاقية وادى عربة، الأمر الذى يمكن أن يؤثر على العلاقات الأردنية الإسرائيلية بشكل عام.
مشاركة :