«الضبطية القضائية» تشعل حرباً ضروساً في جامعات مصر

  • 9/23/2013
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

خطوتان إلى الوراء؟ عود على بدء؟ الحل الأمثل أم فوضى عارمة؟ المؤكد أن الصورة ليست واضحة. والواضح أن كلاًّ من صاحب الفعل والمتلقي له في حيرة من أمرهما. والمذهل أن السنة الدراسية التي انطلقت أخيراً تعاني «لخبطة معلوماتية» شبه كاملة وتناقضاً رسمياً شبه مكتمل. نحو أربعة عقود ونصف أمضتها الجامعات المصرية خاضعة لما عرف بـ «حرس الجامعة» الذي كان دوره الحراسة بالفعل، لكنه تحول من حراسة منشآت وتأمين طلاب وحماية أساتذة وعاملين إلى قوة ضاربة هدفها الأول والأخير منع استقلال الجامعات فكرياً، ومراقبة الطلاب سياسياً، وتتبع الأساتذة أيديولوجياً، وإبلاغ الجهات الأمنية بأي ميول قد تزعزع الاستقرار أو تهدد النظام أو تزعج السلطات. صحيح أن المادة 317 في دستور 1971 نصت على إنشاء وحدة للأمن الجامعي في كل جامعة بهدف حماية منشآتها، على أن تكون تبعيتها لرئيس الجامعة مباشرة، وأن يكون لأفرادها زي خاص بهم، وصحيح أن هذا الدستور نص صراحة على استقلال الجامعات، مع عدم جواز فرض أي قيود على شؤونها بشكل يؤدي إلى الانتقاص من استقلالها، بقي المنصوص عليه دستورياً في واد والمعمول به في الجامعات في واد آخر. ومن مطالبات بين وقت وآخر بإلغاء حرس الجامعة، وحركات من قبل الأساتذة لاستقلال الجامعات أبرزها «حركة 9 مارس» التي أسسها عدد من الأستاذة تحت شعار «مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعة» والتي بُحَّ صوتها طوال سنوات للمطالبة بإلغاء حرس الجامعة وتحقيق استقلاليتها الكاملة، إلى تظاهرات طلابية وهتافات حماسية كانت تنطلق من وقت لآخر مجلجلة «حرس الجامعة بره بره» و «أول مطلب للطلاب أمن الدولة بره الباب»، قضت محكمة القضاء الإداري في عام 2009 بقبول الدعوى المرفوعة من عدد من الأساتذة وإلزام جامعة القاهرة بإنشاء وحدة للأمن الجامعي بدلاً من حرس الجامعة، وهو ما لم يحدث وإن ظل حكماً تاريخياً. وكان أحد إنجازات «ثورة يناير» تفعيل القرار، إذ ظهر الحرس المدني للمرة الأولى على أبواب الجامعات ما اعتبره الطلاب نصراً مبيناً وفتحاً أكيداً. لكن سرعان ما نجح بعض البلطجية في التسلل إلى عدد من الجامعات، أبرزها جامعة عين شمس العريقة التي شهدت العام الدراسي الماضي أعمال عنف وبلطجة وصلت إلى حد استخدام الأسلحة البيضاء داخل الحرم الجامعي، وهو ما دفع البعض للترحم على أيام حرس الجامعة! ويبدو أن السماء أوشكت على الاستجابة لهذا الشوق للحرس، إذ تزامن التجهيز لبدء العام الدراسي بالتأكيد على منح الضبطية القضائية لأمن الجامعة «المدني»، وهو ما فجر براكين غضب طلابية وزلزل أرجاء الحركات الثورية والاشتراكية وتعاملت معه الجماعات الإخوانية بنظام «خذ وهات» موزعة جهودها بين التنديد بعودة «الانقلابيين للتعامل الأمني للسيطرة على الجامعات» والالتزام بالصمت التام!! صخب هائل وصياح عال سمعا في أرجاء الجامعات على مدى عشرة أيام سبقت بدء الدراسة أول من أمس. الجماعات الثورية والاشتراكية والحقوقية والاتحادات الطلابية الجامعية أعلنت رفضها التام لمسألة الضبطية القضائية، في حين عمت مشاعر الفرحة «المكتومة» والاطمئنان «الحذر» نفوس أولياء الأمور وقطاعات مختلفة من الطلاب الذين يعرفون في قرارة أنفسهم أن «مدنية» الأمن الجامعي في ظل التسلح المطرد الذي تواجهه مصر من قبل جماعات وأفراد يؤيدون الرئيس المعزول محمد مرسي هي عين الخطر وعنوان الفوضى العارمة. لكن يظل هذا الاطمئنان وتلك الفرحة حبيسي الصدور خوفاً من المجاهرة بمشاعر قد تفسر بأن «ثورة يناير» لم تسفر إلا عن فشل ذريع لمطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولم تؤد إلا إلى حكم ديني عمل على تفتيت الدولة وأشاع البلطجة والعنف ما جعل القبضة الحديدية على أبواب الجامعات حلاًّ وحيداً. وأبواب الجامعات التي فتحت بحذر شديد تتحدث عن نفسها. قلق وترقب وتوتر. والأهم من ذلك عدم وضوح الرؤية في ما يختص بالضبطية القضائية. فردُّ الفعل الأول لوزير التعليم العالي الدكتور حسام عيسى –أحد أعتى المدافعين عن استقلال الجامعات– جاء يؤكد أن الهدف من منح الضبطية القضائية لإداريي الأمن في الجامعات هو مواجهة أي أعمال تخريبية. إلا أن الهجوم الضاري على القرار أدى إلى تسارع وتيرة ردود الفعل وتضاربها حيناً وتبرُّئها دائماً من قرار الضبطية القضائية الذي تحول إلى قرار «لقيط»، فوزير التعليم العالي الذي ظل طيلة تاريخه المهني يحارب قمع نظام الرئيس السابق مبارك للجامعات، أكد أنه لا يملك قرار إلغاء قرار الضبطية القضائية، بل الأمر في يد المجلس الأعلى للجامعات. وبينما يدخل الطلاب ويخرجون من جامعاتهم، تحوم مسالة الضبطية القضائية في عوالم الغموض والضباب، فرئيس جامعة المنصورة يؤكد أن الضبطية سيتم تطبيقها بما يسمح بممارسة السياسة. ورئيس جامعة سوهاج يقرر عدم تطبيق الضبطية. ورئيس جامعة المنوفية قال إنه لن يلجأ اليها أصلاً. وجامعة الأزهر ألغتها. وجامعة طنطا أعلنت رفضها لها. ورئيس جامعة الإسكندرية قال إن منح الضبطية القضائية للأمن مشروط بموافقة مجلس الجامعة. لكن المفاجآت هي سمة المرحلة، وليست هناك مفاجأة أكثر إثارة من نفي وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد إصداره قرار الضبطية القضائية إلا تأكيد الدكتور حسام عيسى بالحجة والوثائق أن «الضبطية القضائية» هي الابنة الشرعية لنظام جماعة الإخوان المسلمين أثناء عام من حكم محمد مرسي. وعلى أرض الواقع يصول طلاب الإخوان ويجولون في الدوائر مرددين إن «حكومة الانقلاب تطبق الضبطية القضائية للسيطرة على الطلاب من أنصار الشريعة»، فإذا أعلنت الحكومة عدم تطبيق الضبطية القضائية في الجامعات يهتفون بأن «حكومة الانقلاب تلغي الضبطية القضائية خوفاً من الإخوان»!

مشاركة :