القاهرة - أن تقرر فتاة مصرية الاتجاه إلى الرقص، فيعني أنها ستواجه صعوبات كبيرة على المستويين الأسري والمجتمعي، ما يؤدي في عديد من الحالات إلى إنهاء التجربة قبل أن تبدأ. لكن أن تقرر طالبة جامعية تجاوز تلك القيود مضافا إليها تحدّي الإعاقة التي تمنعها من الحركة، فإن ذلك يبرهن على عزيمة يصعب الوقوف أمامهما. وجدت منة الله عزمي، في حب الحياة والإقبال عليها طريقا للتغلب على الكثير من المعوقات التي واجهتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، لأن معاناتها من نقص في عدد فقرات الظهر، كاد ينهي حياتها، قبل أن تقرر أسرتها التركيز على الاعتناء بصحتها وإيجاد حلول لها، وتولت منة الله بعد ذلك مهمة الولوج بنفسها إلى الحياة الاجتماعية عازمة على الاندماج داخل المجتمع. واختارت الفتاة المصرية أن تتعامل مع الأزمات والمشكلات اليومية التي تواجهها بممارسة هوايات أصعب لتثبت أنها قادرة على تحدّي الصعاب، وبدأت في ممارسة أكثر الرياضات صعوبة وهي رفع الأثقال، وحصلت من خلالها على العديد من الميداليات المحلية، قبل أن تتجه إلى فنون استعراضية مختلفة، مثل التمثيل والغناء والرقص المعاصر. تقول عزمي الطالبة العشرينية، لـ”العرب” “منذ أن قررت أسرتي إلحاقي بإحدى المدارس الحكومية في وقت لم تكن هناك استعدادات لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة، كما هو الوضع الآن، شعرت بأنني إنسان وعليّ أن أمارس حياتي بشكل طبيعي، وبدأت في البحث عن الهوايات التي تثبت ذلك، لتبدأ رحلتي مع رياضة رفع الأثقال حينما كنت في الثانية عشرة من عمري واستمرّ نشاطي فيها لمدة تسع سنوات”. منة الله تريد من خلال الفن التأكيد على أن الأسوياء بإمكانهم أن يستمدوا قوتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة وتعاني منة الله من عيب خلقي تسبب لها في معاناة صحية ومنعها من الحركة بحرية وسلاسة وجعل وزنها في ذلك الوقت 36 كيلوغراما فقط، إلا أنها نجحت في رفع 50 كيلوغراما ما جعلها تحصد المركز الأول في مسابقة الناشئين على المستوى المحلي، والتحقت بأندية مصرية مختلفة، قبل أن تلحق بها إصابة في الظهر أجبرتها على ترك هذه الرياضة التي تحتاج إلى قوة عضلية. وأوضحت عزمي أنها التحقت بإحدى المؤسسات المجتمعية التي تعتني بمستخدمي الكراسي المتحركة ومصابي العمود الفقري فقط، وتدعم توظيف طاقات تلك الفئات من خلال الفنون المختلفة، وبدأت أولا بالتمثيل، ثم شاركت في أوبريت استعراضي عرض على أحد مسارح وزارة الثقافة بمصر لمدة شهرين متتاليين، إلى أن اختارت التدريب على الرقص المعاصر منذ ثلاثة أعوام. ويعد الرقص الحديث أو المعاصر أحد الفنون التي ظهرت في أوائل القرن العشرين ويرتكز على التعبيرات الجسدية كحركة مغايرة لفنون الرقص الكلاسيكي والباليه، وهو أحد الفنون التي لا تحظى بشعبية كبيرة في مصر، ومؤخرا انتشرت الكثير من المدارس التدريبية لتعليمه باعتباره نوعا من الرياضيات التي تساعد على استرخاء الجسم. ولم تجد الفتاة المصرية، التي زاد وزنها كثيرا، صعوبات في التعامل مع هذا النوع من الفنون، وساعدتها لياقتها البدنية على تحريك جسمها بمرونة وهي على الكرسي المتحرك، إلى الدرجة التي تخلت فيها في بعض العروض عنه. الإعاقة لا تمنع الاستمتاع بالحياةالإعاقة لا تمنع الاستمتاع بالحياة وقدمت عروضها على أرض المسرح، ما كان دافعا لاختيارها من قبل فنانة البالية الأيرلندية تارا براند للمشاركة في مهرجان “وسط البلد للرقص المعاصر”، الذي تنظمه منظمة “ديكاف” بشكل سنوي. وأكدت منة الله في حديثها لـ”العرب”، أنها تريد من خلال هذا الفن التأكيد على أن الأسوياء بإمكانهم أن يستمدوا قوتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان ذلك محور غالبية العروض التي قدمتها بمشاركة فنانين أسوياء، عبر استخدام قدراتها البدنية في التحكم بحركاتهم، بالإضافة إلى التحكم في حركتها الخاصة. وشاركت منة في العديد من مهرجانات الرقص المعاصر داخل مصر، غير أن شهرتها التي حققتها من وراء تلك المشاركات كانت سببا في تعرضها لانتقادات مجتمعية، وتلقت تعليقات مهينة طالبتها بترك الرقص بحجج رؤية محافظة ورجعية استندت على التحريم، ونصحها البعض بالبقاء في المنزل للحفاظ على صحتها بدلا من التمايل وسط الجمهور. لكن هذه التعليقات الجارحة لم تمنع منة من الاستمرار في تقديم الفنون المختلفة ومنها الرقص، غير أنها لا ترى في التعليقات الجارحة والمتشددة أحيانا عائقا يحول دونها والفن الذي يستهويها. وتعتبر أن المشكلة التي تعترضها تتمثل في أن الرقص المعاصر ليس له فرق فنية تمارسه باحتراف رغم وجود ورشات ومدارس للتدريب عليه، مؤكدة أن مدربتها الأيرلندية عرضت عليها السفر للخارج، وهي تبحث حاليا عن كيفية تكوين مشروع فني في مصر يمكن أن يصبح مقدمة لتقديم عروض جيدة. وتستعد الفتاة المصرية للمشاركة في الأوبريت الاستعراضي “أنتيكه” على أحد مسارح وزارة الثقافة المصرية، والمشاركة في عدد من المسرحيات التي يقوم ببطولتها ذوو الاحتياجات الخاصة، ويظل العائق الكبير أن تلك العروض لا تحظى بحضور جماهيري فائق إذ لا يتم التسويق لها بشكل جيد.
مشاركة :