«لشبونة»... إطلالة تاريخية تتناغم فيها الأناقة والجمال الأسطوري...

  • 10/26/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

... طوينا صفحة تصوير حلقة مدينة «كويمبرا»، لكن الجميل بأن التصوير في البرتغال لم ينته بعد، بل تبقت حلقة واحدة كانت وجهتنا الرئيسية فيها إلى مكتبة قصر «مافرا»، ويا لسعادة قلبي بذلك، فمن منا لا يرغب أن يعود به الزمن من خلال صرح جميل كقصر «مافرا»؟ ودعنا مدينة «كويمبرا» عائدين إلى لشبونة، في رحلة امتدت ساعتين، لنقرر بدء التصوير في اليوم التالي، وكان الجدول مزدحماً بحق وفي الوقت نفسه ممتعاً جداً.إطلالة خلابةبدأت رحلتنا في أقدم أحياء لشبونة «حي الفاما»، الممتد على منحدر. تخبرنا جدرانه ومبانيه عن تاريخ قديم جداً وتفضي بنا أزقته الضيقة إلى قلعة أخاذة اسمها «ساو جورج» تعود إلى العصور الوسطى من التاريخ البرتغالي، حينما كانت مقر السلطة الرئيسية القديمة للبرتغال لأكثر من 400 سنة، وتحولت بعد ذلك إلى مكان ترفيهي للعائلات الملكية البرتغالية، ومن ثم أصبحت مزاراً سياحياً مشهوراً، يضم متحفاً أثرياً. إلى جانب توافد الناس بكثرة إلى القلعة وساحاتها، لفتني جداً وجود الطواويس المنتشرة في كل أرجاء الحديقة لا سيما الطواويس التي تسلطت علينا أثناء التصوير، وتعاركت أمامنا ما دفعنا إلى إيقاف التصوير، اللافت أيضاً بأن صوت الطاووس - الذي سمعته للمرة الأولى يومها - كان عالياً جداً وغريبا، وكأنه صوت آدمي لا طير. كان المنظر في القلعة رائعاً، فمن فوق التل كان بإمكاننا الاستمتاع بإطلالة خلابة لكل جهات لشبونة ونهر تاغوس. لكن، لا وقت للتأمل في رحلة عمل. فسرعان ما أصبحنا أمام مبنى أنيق في وسط لشبونة، أوحى لنا في البداية بأنه قصر أو متحف بسبب تصميمه لكنه محطة قطارات «روسيو»، التي تعكس روعة فن العمارة البرتغالية منذ أواخر القرن التاسع عشر.إرث أدبيتقدمنا إلى الداخل قليلاً وأصبحنا في وسط «حي شيادو» الذي كان يسكنه الناس أيام الرومان، ثم تحوّل إلى منطقة تسوّق كانت في الماضي نقطة التقاء الارستقراطيين والفنانين والمفكرين، وفيه تقع «مكتبة برتراند»، التي تأسست سنة 1732 وهي أقدم متجر كتب في العالم مازال يستخدم حتى الآن ويحمل رقماً قياسياً ضمن موسوعة غينيس، كان حماسي لا يوصف بمجرد الوصول لمكانٍ شهد تواجد وتوافد العديد من المفكرين والأدباء على مر العقود. تقدمنا أكثر ووصلنا إلى الميدان وفيه أول مقهى يفكر أي سائح في زيارته - لاسيما المهتم بالشعر- وهو مقهى «برازيليرا»، الذي افتتح سنة 1907 وحتماً سيلفت نظره ثمتال برونزي لرجل متأنق يجلس فيه، وبمجرد الاقتراب منه سيعرف أنه تمثال للشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا، وهو واحد من أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، والذي كان يرتاد هذا المقهى. لفتتني معلومة أن طعم القهوة في «برازيليرا» لم يتغير منذ 100 سنة وتصميمه الداخلي بقي كما هو منذ افتتاحه.مكتبة القصرانقلب الجو فجأة عندما دخلنا إلى مدينة مافرا، كان مشمساً وحاراً فأصبح عاصفاً وبارداً، مما صعّب عملية التصوير الخارجي فألغيناها بعد محاولاتٍ غير ناجحة. لكن كيف سأصف روعة قصر «مافرا الكلاسيكي»، الذي يقف شامخاً وجلياً بين جميع مباني المدينة الذي هو أضخمها؟ فهو أحد أكبر المباني التي شيدت في أوروبا في القرن 18، وشيد بناء على نذر الملك جواو ببناء دير ضخم في حال رزقه الله بطفل سليم، فتحول الدير الذي يضم كاتدرائية ومكتبة إلى قصر في ما بعد لكنه لم يكن مقر إقامة ملكي، بل كان مزاراً للصيد ومختلف المناسبات. أنهينا لقطاتنا التصويرية في مختلف غرف وزوايا القصر، واتجهنا إلى أبهى وأروع غرفه؛ وهي مكتبة القصر التي صممت على شكل صليب، وتعد من أهم مكتبات أوروبا التنويرية، حيث تضم أكثر من 36 ألف مجلد وبعضها فقط متاح للباحثين والمؤرخين والطلبة. تصميم المكتبة الفخم يشعرك أنك في مكتبة قصر بحق، فكما قلت في أحداثيات الحلقة: «نظرة واحدة على ثراء هذه المكتبة، وستعرف أن الملوك فقط يمكنهم توفير غرفة كهذه لكتبهم». فخزائنها الخشبية المزخرفة، وكتبها المغلفة بالجلد المطلي بالذهب، وأرضيتها الملونة والمصنوعة من الحجر الجيري ونوافذها التي تمرر خيوط أشعة الشمس... جميعها تغمر الروح بالسلام وتغذي العين بجمالٍ أسطوري. وكمكتبة «كويمبرا»؛ تتكرر قصة «الخفافيش»، التي تعيش خلف الجدران، والتي تتغذى على الحشرات. ولم تكن تلك المفاجأة، فحينما سألت موظفي المكتبة عن مدى مصداقية الأمر، بدا لي بأن سؤالي أزعجهم واعتبروه تشكيكاً بهم، فأتوا بخفافيش محنطة كبرهان يُحتفظ به لكل من يشكك بالأمر. في حياتي لم أتصور بأن أرى خفافيش في وضح النهار، محنطة، وفي مكتبة أنيقة جداً! المحطات- حي الفاما- قلعة ساو جورج- محطة قطارات روسيو- حي شيادو- مكتبة برتراند- مقهى برازيليرا- قصر مافرا- مكتبة قصر مافرا

مشاركة :