المشهد الشعري العربي: كَثُرَ الشعراء، وقَلّ الشعر!

  • 10/26/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في السنوات الأخیرة ظهر على الساحة الأدبية مئات الأسماء الشعریة وعدد كبير من المجموعات الشعریة التي من الصعب إحصاؤها، ومع ذلك فإنه من الصعب الإشارة من بينها إلى نسبة معقولة من الشعر الجید، ربما حدث ذلك بسبب زوال القیود الشعریة واللغویة، مع توافر إمكانیة الطباعة المتیسرة للكثير من الكتب دون النظر إلى مستواها الإبداعي. فهل المشهد الشعري العربي أصبح يعاني كثرة الشعراء وقلة الشعر؟، وهل حقاً الجوائز والمسابقات الشعرية التي غزت الفضائيات، يمكنها أن تصنع شعراء أفذاذاً أم هي مجرد تلميع لمواهب مؤقتة؟، «ثقافة اليمامة» تفتح هذا الملف، وتسلط مزيداً من الضوء عليه، حيث تستطلع آراء عدد من الشعراء والنقاد حول الأمر. ليست ظاهرة سلبية! في البداية يخبرنا الشاعر السعودي «إبراهيم الجريفاني» حول رؤيته للمشهد الشعري العربي، فيقول: «لعلي دوماً أحاول رؤية النصف الممتلئ من الكأس الأدبي، فخلال جولات بين صالونات الشعر في المدن العربية ومن خلال ما يطرح في أروقة التواصل الاجتماعي، يمكنني القول إن المشهد العربي للشعر بخير، وحركة الشعر أشبهها بالبحر الكثير من الخيرات الحية، ولكل مشربه، وهناك اللؤلؤ وهو نادر الوجود واستخراجه له طقوس هكذا الشعر الخالص، لنخض في بحر الشعر ونستخرج اللؤلؤ والمرجان من طيب الكلم. وحقيقة هناك من يستحق التصفيق له تقديراً لعمق كلمته ورسالته الفكرية، وكثرة الشعراء وقلة الشعر لا تعني ظاهرة سلبية، فمن يكتب الشعر إما يتطور ويستشعر ضعفه أو ينسحب بهدوء، فالمتلقي لديه ذائقته الأدبية وليس بمعرض المجاملة والرياح تعري الفكر، وإن كان هناك وعلينا أن نعترف بذلك شللية في الوسط الأدبي تحاول الإيهام بشاعرية مبدع للشعر، فلا يلبث أن ينكشف، فهو أشبه بزبد البحر، غير مؤثر. وعلي أن أذكر نفسي ومن هو مهموم بالكتابة مثلي بأن التحدي مع الذات والعمل على هويتك الخاصة والرسالة الفكرية هي أسس لا بد من وضعها في الاعتبار، فالشعر متى كان نظماً صار صناعة، فيما الفطرة توجب الإحساس اللإرادي والسير نحو اللوعي إبداعاً، كما أن الشعراء أيضاً عليهم الخروج من جلباب الموروث نحو تأصيل الموروث ومحاكاته للواقع، وميادين الشعر تبدأ بالمحلية فالإقليمية ليتجاوزها لآفاق أخرى»، ويضيف الجريفاني: «اليوم هنا واقع عصري يتيح للشاعر العالمية متى آمن وعمل على إنضاج تجربته ومسؤولية نتاجه، فالكون الآن يقرأ خلال ثوان، وهنا تكمن المسؤولية، حقيقة لا أخاف على الشعر من كثرة الشعراء، فالقليل من الشعر هو ما يُخلد الشاعر». وحول رأيه في الجوائز والمسابقات الشعرية التي غزت الفضائيات، وإذا ما كانت حقاً يمكنها أن تصنع شعراء أفذاذاً، أم هي مجرد تلميع لمواهب مؤقتة، يقول: «مكمن الجُرح ليس في الفضائيات، بل في فضاء المؤسسات الثقافية وغيرها ممن ينتسبون لهيئات رسمية ثقافية، ومثلها الجوائز التي أخذت وهجاً غير مضيء، والسبب أن هناك الكثير من الأعمال العربية الأكثر أحقية في الفوز، إلا أن وصول بعض الأعمال مما لا يرتقي لمقومات الفوز، يجعل مصداقية اللجان أو الأهداف تنحى مناحي أخرى أبعد ما هي لرصد الأكثر تميزاً، وهذا أضر بالأدب العربي عموماً، شعراً كان أوعملاً روائياً، ولعل هذا الجانب هو ما يُقلق الكاتب، أن يرى أعمالاً أقل جودة لأسباب ومسببات حققت جوائز، وهنا اللوم يقع على معايير الجائزة ومصداقية اللجنة، فالجوائز تدعو لتقديم الأعمال الأدبية وهنا مكمن الخطأ، ففي رأيي على الأدباء أو الباحثين في الأدب ممن يتعاملون ويتعاونون مع الهيئات والجوائز ترشيح الأعمال بعد متابعة للمنتج الفكري والقراءات النقدية المحققة، ومدى انتشار العمل الأدبي وجهد الكاتب، والأهم هو أن تُقدم الأعمال دون اسم الكاتب أو عنوان العمل الأدبي، وبالتالي يمكن مصداقية اللون الأدبي وحرفيته، أما ما يُوسم بالقائمة الطويلة والقصيرة ما هي إلا لأسباب تسويقية بحتة، حقيقة الوضع أن الجوائز فقدت قيمتها الأدبية كجنس أدبي، ومن يود التأكد يقرأ ما كتب عن الأعمال التي حققت جوائز، وما صدر من تصريحات وتلميحات من أعضاء اللجان في بعض الهيئات، وما يدور في الصالونات من أعضاء شاركوا لجان تحكيم استجابوا لتيار المنظم». بين الماضي والراهن! «د. محمد بن حمود حبيبي»، أستاذ النقد والأدب بجامعة جازان، يقول: «الشعر لا يمكن أن يمر بأزمة انعدام الجيد المتميز منه، فهناك عدد من الشعراء المتميزين الذين يوجدون في كل زمان ومكان، برغم ما يشير له المحور المطروح من كثرة الشعراء وقلة الشعر الحقيقي في وقتنا الراهن، إلا أن هذا كان موجوداً منذ عصور الشعر الأولى، لكن الجديد من وجهة نظري هو تفاقم أزمة تلقي الشعر في عصرنا الحديث التي تتضاعف مع مرور الوقت، والتي تحوله إلى فن نخبوي، وخاصة مع ظهور الكثير من وسائل العرض والنشر وتشعب الأعمال الفنية والبصرية وكثرة المعروض، مما يجتذب فئات المتلقين التي كانت قديماً محصورة في الكتاب الورقي والصحف الورقية وقنوات التلفزيون الرسمية والإذاعات المحدودة. لذلك فالشرائح الأكبر هي التي كانت تصنف جمهوراً للشعر؛ وهذا يقودنا للجزء الآخر من المحور عن أثر الجوائز الشعرية في الفضائيات التي سهلت من نجومية الشعراء في مستهل حياتهم؛ فقديماً أيام وسائل النشر والظهور التقليدية المحدودة كان ظهور الشاعر ونشره لأول محاولاته الشعرية يستغرق وقتاً وجهداً كبيراً وطويلًا إلى أن يصبح معروفاً ويصدر أول دواوينه. أما في عصرنا الحاضر وفي ظل وسائل التواصل الاجتماعي وكثرة الفضائيات؛ بات نشر الشاعر وظهور كتاباته أمراً لا أسهل منه، فالأمر لا يستغرق بضع دقائق وبضغطة زر يصبح النص منشوراً. على أن الإيجابية التي يمكن أن تتحقق من مسابقات الفضائيات الشعرية هي تكريس حضور الشعر الفصيح في ظل انتشار الكثير من البرامج الخالية من الطروحات الثقافية العميقة التي تتنافس على اجتذاب المتلقين». الشعر في ازدهار دائم! الشاعرة السورية مروة حلاوة تقول: «لا أعتقد أنّ الموازنة صحيحة. نعم كثر الأشخاص تحت مسمّى شاعر لكنّ بينهم شعراء أفذاذ ومواهب شابّة لاتقلّ إبداعاً عن الكبار، والشعر في ازدهار أكثر من أيّ وقت مضى»، وبالنسبة للجوائز والمسابقات على الفضائيّات فتقول: «لا أراها تصنع شاعراً حقيقيّاً لكنّها مفيدة في تقديمه للجمهور، وجعله نجماً إعلاميّا إضافة إلى شاعريّته، وبالطبع تلمّع البعض من مدّعي الموهبة الشعريّة لمرحلة قصيرة، جاعلة منهم فقاعة لامعة تنطفئ مع نهاية البرنامج، ولا يبقى لها أثر، فالجمهور في شرائح كثيرة منه صار ذوّاقاً في حال لم يكن عارفاً، ولم يعد ينخدع بالبريق المزيّف».

مشاركة :