الفلسفة.. ضرورة تعليمية أم ترف نخبوي؟

  • 10/26/2018
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

ويستمر الجدال في ثقافتنا حول الفلسفة، هل هي ضرورة تعليمية أم ترف نخبوي؟ المؤيدون حول ضرورة إدراجها ضمن المنهج التعليمي - وأنا منهم - يرون أننا تأخرنا كثيرا حول ضرورة إقحام المنهج الفلسفي ضمن المناهج التعليمية، بينما الفئة غير المؤيدة ترى أن الفلسفة تعج في بعض المناهج التعليمية العربية، ولم نر فيها ذلك الأثر المنشود، وبهذا تظل في دائرة الترف النخبوي كفرض كفاية على المجتمع التعليمي. يردد بعض المفكرين أن الأطر الفلسفية في وطننا العربي تظل مقيدة بأسوار كلياتها، وأن سلوكيتها تبقى كممارسة خارج المنظومة الثقافية العربية، كما هو الحال في الأنموذج الغربي، فما زالت المنهجية التعليمية لدينا تفتقد إلى الحوارية الحرة للتلميذ مع المعلم أو الطفل مع الوالدين نتيجة للثقافة السلطوية المتعمقة بيننا، وكذلك الحساسية المفرطة لدينا تجاه مهنية النقد الذي ظل بدائيا في ظل انعدامية الثقافة الفردية أو ثقافة التجرد الإيجابي مقابل ثقافة الجماعة الكلية، فيظل الثناء مثلا باتجاه الانتماء القبلي أو المذهبي دون تفكيك المضمون أو عرضه على العقل أو الذوق، والأمر نفسه يقال في القدح والهجاء! العاجية النخبوية عند بعض المفكرين والمثقفين العرب وبعدهم عن الواقع الاجتماعي جعلا مثاليتهم المفرطة بالمسافات الضوئية تبتعد عن إيجاد الحلول المثمرة لواقع المجتمعات العربية، ولذا فإن إثارة التفكير في منظومة المنهجية التعليمية منذ المراحل المبكرة الأولى حتى الدراسات العليا ستسهم في إخراج الفلسفة من أطر الأسوار الجامعية إلى ثقافة متأصلة في بنيوية العقل العربي، وعندها ستتلاشى الخرافات والغيبيات في المجتمع من تلقاء ذاتها وتتوحد النظرة العامة باتجاه المستقبل وآفاقه الرحبة. النظرة التقليدية الممتدة زمنيا مع ثقافتنا بأن الفلسفة مجرد هرطقات فكرية تتسم بالنظرية فحسب وتظل بعيدة عن العلوم التطبيقية والتجريبية أسهمت في جعل الفلسفة عصية على الهضم الثقافي العربي، ولذا ظلت على أطراف بنيوية الثقافة العربية وبعيدة عن المركز، ولعل مأساة ابن رشد خير برهان على ذلك. الفكر الفلسفي يمثل في الحياة البشرية مثلما يمثل الوقود في الآلات والمركبات، فبدون عملية الاحتراق التي يحدثها الوقود تظل الآلة مجردة من الفائدة، وهكذا فإن استمرارية التطور والنمو في العلوم التطبيقية والتجريبية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وفروعها يحدث بفضل الحراك الفلسفي بين الباحثين والعلماء في هذه المجالات، ولعل كثيرين يجهلون أن رسالة الدكتوراه للعالم النوبلي الأشهر أحمد زويل كانت في فلسفة الفيزياء الحديثة! وأخيرا، إن معضلتنا تكمن في بعض المفكرين العرب الذين اكتفوا بنقل التوجيهات الفكرية الغربية، وأقحموها في الثقافة العربية، فكان مآلها الفشل لأننا في الحقيقة بأمس الحاجة لمفكرين ينبثقون من عمق الثقافة العربية والإسلامية، ويعالجون مآسيها ومفاجعها، ولسنا في حاجة إلى وكلاء للفكر الغربي في مجتمعاتنا العربية. binbakry1@gmail.com

مشاركة :