ابتعدت السينما المصرية منذ مطلع الألفية الجديدة عن التنوع في الأفلام وحصرت نفسها في قوالب محددة، ويأتي فيلم الرعب المصري الذي اتخذ عنوانا لافتا له هو “122” ليعيد ترتيب المشهد السينمائي طارحا العديد من الفرضيات حول مدى قدرة فئة أفلام الرعب على إعادة الصناعة السينمائية إلى سابق عهدها. القاهرة - يطرح فيلم الرعب المصري “122” الذي يعرض حاليا بدور العرض، ومأخوذ عنوانه من الرقم الشهير عند الحاجة لاستدعاء الإسعاف في مصر، جملة من التساؤلات حول أسباب غياب فئة سينما الرعب، والاقتصار على الأفلام الاجتماعية والكوميدية أو الحركة، والتي حصرت قدرات بعض الفنانين في أنماط معينة، فقد اعتادت السينما على تقديم أشكال ثابتة غلب عليها الثالوث الشهير “المجرم والراقصة والمطرب أو كوميديان من الدرجة الثانية” بجانب أعمال قليلة خاضت تجربة “الأكشن”. دفع تدهور العمل السينمائي وفقره في الإبداع والتنوع إلى لجوء الأجيال الجديدة من المشاهدين إلى السينما العالمية لما وجدوه فيها من متعة وتنوع في المحتوى المقدم بين الكوميديا والرعب والرومانسية والأكشن، ما عزز اهتمام الجمهور المصري مؤخرا بسينما “الرعب” بشكل عام عبر مشاهداته من خلال الإنترنت ودور العرض السينمائية مع تزايد أعداد القاعات المؤهلة لعرض هذه النوعية من الأفلام في الكثير من المتاجر الكبرى. طرح ذلك فرضية استثمار الاهتمام العام في مصر بتلك النوعية من الأفلام، وظل المنتجون المصريون يحافظون على رتابة ونمطية الأفلام المقدمة، تارة بسبب الخوف من المجازفة بتقديم عمل يتعرض لخسارة تجارية كبيرة، وأخرى جراء ارتفاع تكلفة إنتاج فيلم رعب متقن. عززت تلك المخاوف فشل بعض التجارب السابقة خلال العقد الماضي، وكان أبرزها فيلم “كامب” عام 2009، ولعب بطولته عدد من الوجوه الفنية الجديدة، ولم يحقق نجاحا. ويحمل فيلم “122” دخولا مفاجئا للنقاد والمتابعين بعد أن أعلن عن عرضه بخاصية 4DX الجديدة بدور العرض في مصر، وأضفى اختيار نجوم كبار لتقديم العمل، وأبرزهم الفنان طارق لطفي وأمينة خليل وأحمد داوود وأحمد الفيشاوي، اهتماما خاصا به. ويرجع التأخير في تقديم سينما الرعب بمصر إلى العديد من الأسباب، بعضها يتعلق بالكيانات الإنتاجية التي تخشى الخسارة أو عدم وجود فريق عمل يتحمس لهذه المغامرة. ويقول سيف عريبي منتج فيلم “122” إنه تأخر في خوض تجربة إنتاج فيلم رعب بسبب فقر دور العرض المصرية في إمكانات الصوت والشاشات المميزة القادرة على جذب أعين المشاهدين، وهو الأساس الذي تعتمد عليه أفلام الرعب في العالم. ثقافة التنوع أخرت بروز سينما الرعب في مصر، إضافة إلى عدم توفر كوادر مدربة تستطيع العمل في هذا المجال ويوضح لـ”العرب” أن عرض الفيلم بتقنية 4DX، والذي ظهر لأول مرة في الولايات المتحدة عام 2003، يمثل نقلة نوعية كبيرة في تاريخ السينما المصرية. ويتحدث عريبي عن هذه التقنية، مؤكدا أنها تتيح للمشاهد الإحساس بتفاصيل الفيلم بشكل أكثر واقعية، فعند تقديم مشهد قتل مثلا يستنشق المشاهد رائحة دم أو في مشهد آخر يشعر بسقوط شخص ما أمامه، وأن فيلمه يتناول قضية هامة وشائكة، وهي تجارة الأعضاء. ويلفت إلى أن سبب تأخير طرح الفيلم بدور العرض السينمائية، هو الحرص على تقديم جودة عالية للصوت داخل الأحداث، والذي أعاد هيكلته بإحدى الشركات العالمية المتخصصة في ذلك، وسبق أن قدمت أفلاما عالمية مثل “أفاتار”، و”باتمان”، الأمر الذي جعله يعرض الفيلم بعد موسم عيد الأضحى السينمائي. ويرى في تصريحاته لـ”العرب” أن سينما الرعب ليست متاحة بالسوق المصرية، لأنه لا يوجد من يحاول المجازفة في هذا المجال بسبب التكلفة الباهظة، وكان لا بد من إعلان حالة التمرد والتحدي لخوض هذه المغامرة، خصوصا أن مصر متأخرة في تلك الفئة، ولم تستعن بتقنية 4DX في أفلام مصرية من قبل، متوقعا أن تثير تجربة فيلم “122” حماس عدد من المنتجين لتقديم أعمال مماثلة بالسوق السينمائي. وتدور أحداث فيلم “122” حول ليلة دموية داخل أحد المستشفيات، ويحاول شاب (الفنان أحمد داوود)، وحبيبته (الفنانة أمينة خليل) الهروب والنجاة من المستشفى بدلا من الوصول إليها. ورغم ندرة أفلام الرعب المصرية، لكن قدمت السينما أول فيلم رعب عربي بعنوان “سفير جهنم” عام 1945 بطولة يوسف وهبي ليقطع بذلك أولى خطوات السينما المصرية في هذا الطريق، لكنه أيضا أسّس أولى خطوات الارتباك في صناعة فيلم رعب جيد يحقّق جماهيرية. وأعقبت تجربة يوسف وهبي أفلام أخرى أبرزها، فيلم “الإنس والجن” بطولة عادل إمام عام 1985، و”التعويذة” بطولة محمود ياسين عام 1987، لكن ظلت تجارب أفلام الرعب خافتة أمام الأفلام الرومانسية والكوميدية التي حققت نجاحا ضخما. ويفسر الناقد المصري وليد سيف أسباب تأخر سينما الرعب إلى غياب ثقافة التنوع لسنوات طويلة وعدم توفر كوادر مدربة تستطيع العمل في هذا المجال، وأن هذا النوع السينمائي يحتاج إمكانيات مميزة من الصعب مجاراة ما تمتلكه السينما الأميركية التي سوف يظل المشاهد المصري يقارن بينها وبين ما يمكن تقديمه في بلاده. كمال رمزي: ينظر إلى أفلام الرعب في مصر على أنها تجارية أكثر من كونها فنيةكمال رمزي: ينظر إلى أفلام الرعب في مصر على أنها تجارية أكثر من كونها فنية وشدّد سيف في تصريحات لـ”العرب” على أن معظم المحاولات المصرية لم يحالفها النجاح التجاري والفني، وفي حال نجاح تجربة فيلم جديد ينتمي إلى هذا النوع سوف يطرق الباب ويفتح شهية المنتجين للإقبال عليها، لأن الإمكانيات الإنتاجية والتقنية لم تصبح مشكلة مع ارتفاع معدل الإيرادات بوجه عام، وهو ما يشجع المنتج على الإنفاق مادام العائد المتوقع كبيرا. ويُنظر إلى أفلام الرعب على أنها أفلام تجارية أكثر من كونها فنية، هكذا يفسر الناقد كمال رمزي أسباب قلة هذا النمط السينمائي، ومثلها عادة لا يقدم مضمونا جادا كتلك الأفلام التي قدمها المخرج العالمي ألفريد هيتشكوك، والذي يعتبره الكثير من المخرجين “مخرج إثارة” أكثر من كونه مخرجا ينتمي إلى الواقع والقصص الإنسانية، وإن كان علماء النفس يصفون هذه الأنواع على أنها تخلص المشاهد من درجات كبيرة من المشاعر السلبية. ويعود رمزي بذاكرته إلى الماضي في حديثه مع “العرب”، وسرد بعض الأفلام المصرية التي احتوت على هذا المضمون، وأن معظمها مال ناحية الطابع الكوميدي، مثل “إسماعيل يس في الأشباح”، مؤكدا أن السينما المصرية بحاجة إلى تقديم الكثير من الأنماط السينمائية، لأنها توسع من ثقافة المشاهد وتكسبه متعة أكبر. وتأتي تجربة فيلم “122”، لتحمل أملا كبيرا كي تكون حافزا للكثير من المنتجين لخوض المغامرة، في وقت تحاول فيه السينما المصرية التعافي من أزمة تراجعها أمام صناعة الدراما وتقديم أعمال مختلفة ومميزة تحتوي على ربط العمل بالتفكير الفلسفي والتشويق، وأبرزها فيلم “الأصليين”، و”هروب اضطراري” و”حرب كرموز”. وتضع محاولات تقديم أفلام تحت تصنيف “الرعب” المنتجين أمام تحدي تقديم عمل مميز بقصة مقترنة بحبكة درامية جيدة وقدرة على فهم دواخل النفس البشرية وحبكها بالخيال، ما يزيد من صعوبة الأمر، مع تراجع مستوى الكتابة الدرامية للسينما إلى حد كبير.
مشاركة :