توضّب رشا، التي لم تتجاوز السابعة من عمرها حقيبتها الزهرية اللون في الصباح، وتصعد إلى حافلة صغيرة تقلها من الأحياء الكردية في مدينة القامشلي إلى تلك الواقعة تحت سيطرة قوات النظام السوري. وتزدحم يومياً الشوارع المؤدية إلى ما يُعرف ب«المربع الأمني»، وهي تسمية تطلق على الأحياء الواقعة تحت سيطرة قوات النظام في مدينة القامشلي، بالسيارات والدراجات النارية والحافلات المُحملة بالتلاميذ. ويفضل الكثير من الأهالي، على غرار والد رشا، أن يتعلم أطفالهم في مدارس تعتمد المنهاج الحكومي، بدلاً من منهاج الإدارة الذاتية الكردية غير المعترف به رسمياً. ويقول والد رشا، وهو أستاذ خمسيني متقاعد، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، «كل صباح، اصطحب ابنتي مع أطفال الحي إلى المدرسة، إنها مسؤولية كبيرة، وتترتب عليها مصاريف إضافية». ونتيجة الإقبال الكبير، اضطرت المدارس الحكومية إلى اعتماد دوامين يومياً، حتى إنها حذفت «الكثير من المواد الترفيهية؛ مثل: الموسيقى والرياضة والرسم»، وفق والد رشا، الذي يرى أنّه «على الطرفين التوصل إلى حل، وعدم ترك أطفالنا لهذا المصير المجهول». وتصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا منذ عام 2012؛ بعدما ظلوا لعقود مهمشين مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية، وبعد تمكنهم لاحقاً من طرد تنظيم «داعش»، من مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا. وبعد انسحاب قوات النظام تدريجياً من هذه المناطق، محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لاسيما في مدينتي القامشلي والحسكة، أعلن الأكراد إقامة الإدارة الذاتية، التي اتخذت سلسلة إجراءات؛ أبرزها إدخال اللغة الكردية إلى المناهج الدراسية. وفرضت الإدارة الذاتية منذ مطلع عام 2016 وبشكل تدريجي، المنهاج الكردي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في شمال وشمال شرق سوريا. ويدرس المنهاج الكردي أكثر من 210 آلاف تلميذ في أكثر من 2200 مدرسة، وفق ما تقول مسؤولة هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية سميرة حاج علي ل«فرانس برس». ولا تعترف بهذه المناهج سوى الجامعات التابعة للإدارة الذاتية؛ كجامعتي «روجافا» و«كوباني» اللتين تمّ تأسيسهما خلال العامين الماضيين. لكن الأهالي يحلمون بمستقبل أفضل لأطفالهم، ولا يريدون الاكتفاء بالمناهج الكردية. وللحدّ من هذه الظاهرة، اتخذت الإدارة الذاتية سلسلة إجراءات مؤخراً؛ بينها إصدار تعميم تمنع فيه موظفيها من إرسال أولادهم إلى المدارس الحكومية.ويقول عزالدين أمين: «نحن لسنا ضد التعليم بالكردية، نريد أن يتعلم أطفالنا اللغة؛ لكن الشهادات، التي تقدمها الإدارة الذاتية غير معترف بها»، متسائلاً «حين ينال الأطفال الشهادات، إلى أين يذهبون؟».ولا يقتصر الأمر على سكان القامشلي؛ إذ يأتي الطلاب، من مدن أخرى؛ مثل: عامودا والدرباسية ورأس العين؛ «لأن المناهج الحكومية تدرس فقط في القامشلي والحسكة». ويضطر البعض إلى الانتقال والسكن في مدينتي القامشلي والحسكة؛ من أجل دراسة أبنائهم.(أ ف ب)
مشاركة :