انسحاب واشنطن من المعاهدة النووية

  • 10/28/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

محمد خليفة اتسمت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا عبر التاريخ بالتنافس لامتلاك العالم، وهناك قواسم مشتركة عديدة بين الدولتين، فهما حديثتا النشأة على مسرح الأحداث الدولية. فقد ظهرت روسيا في مطلع القرن السادس عشر، ولم تكن قبل ذلك شيئاً مذكوراً، لأنها كانت من ضمن امبراطورية المغول، أما الولايات المتحدة فقد ظهرت كنتيجة للاستيطان الأوروبي في أمريكا الشمالية، حيث أعلن المستوطنون الاستقلال عن بريطانيا عام 1775، وراحوا يتوسعون في تلك القارة حتى بنوا دولة ضخمة تمتد من المحيط الأطلسي شرقاً حتى المحيط الهادي غرباً ولها امتداد في كندا شمالاً حتى ألاسكا في منطقة القطب. وتتميز روسيا والولايات المتحدة في أن كلتيهما دولتان شماليتان قريبتان من القطب. وقد ظهر التنافس بينهما بعد قيام الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد رفضت، آنذاك، الدولة الأمريكية الاعتراف بحكومة البلاشفة التي استولت على السلطة في روسيا، وقدمت الدعم إلى الجيش الأبيض الذي حارب السلطة الجديدة وزودته بالمال والمواد الغذائية. وفي عام 1918، شاركت القوات الأمريكية سوية مع قوات بريطانيا وفرنسا واليابان في التدخل العسكري في شرق وشمال روسيا. لكن الجيش الأحمر تمكن من فرض الأمر الواقع وقضى على التمرد الأبيض بشكل حاسم.. ومع عودة ألمانيا إلى التحدي في الثلاثينات من القرن الماضي، بدأت نذر الحرب تلوح من جديد. ولكي تضمن ألمانيا حياد الاتحاد السوفييتي في أي مواجهة قد تقع بينها وبين فرنسا، أرسل الزعيم الألماني أدولف هتلر وزير خارجيته بنيامين روبنتروب إلى موسكو عام 1939 حيث وقّع هناك مع نظيره السوفييتي معاهدة عرفت رسمياً باسم معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي. وقد نصت المعاهدة على بقاء كل من ألمانيا والاتحاد السوفييتي على الحياد في حالة تعرض أحد الطرفين لهجوم من طرف ثالث. وقد تضمنت المعاهدة بروتوكولاً سرياً يقسم شمال وشرق أوروبا إلى مناطق نفوذ سوفييتي وألماني ترقباً لإعادة الترتيب السياسي والحدودي لهذه الدول. وعلى إثر ذلك قامت ألمانيا في 1 سبتمبر والاتحاد السوفييتي في 17 سبتمبر بمهاجمة بولندا واقتسامها بينهما. وتلا ذلك قيام الاتحاد السوفييتي بضم أستونيا ولاتفيا وليتوانيا، كما هاجم فنلندا وأجبرها على التنازل عن جزء من أراضيها. ولم تلبث ألمانيا نفسها أن انتابها الشك من تصرفات الاتحاد السوفييتي، فبادرت إلى إعلان الحرب عليه في 2 يونيو 1941. وبدأت التحولات الكبرى في الحرب، حيث تحول الهجوم الألماني الشامل على الاتحاد السوفييتي إلى هزيمة أمام الجيوش السوفييتية التي تابعت طريقها حتى دخلت إلى برلين وأعلنت نهاية الرايخ الثالث في 28 مايو 1945. واشترك الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة في بناء الأمم المتحدة ومؤسساتها، لكن لم يلبث التحالف المرحلي بين الدولتين أن تحول إلى عداء عندما فشلت المحادثات حول مستقبل وضع ألمانيا، فاتفقت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على توحيد مناطق نفوذها، فأثار ذلك غضب الاتحاد السوفييتي الذي قرر ضرب حصار على برلين الغربية، لإجبار القوات الغربية على الرحيل، إلا أن هذه القوات تمسكت بمواقعها. وعلى إثر ذلك، قامت الولايات المتحدة بإرسال مساعدات لسكان برلين حتى قام السوفييت بفك حصارهم بالتزامن مع إعلان الحلفاء قيام جمهورية ألمانيا الغربية في 5 أغسطس 1949. وقد اعتبرت الولايات المتحدة ذلك الحصار، انتصاراً حققته ضد السوفييت في إطار الحرب الباردة. وتشكل الأزمة الكوبية أخطر الأزمات التي نشبت بين الدولتين، وكادت تؤدي إلى حدوث مواجهة نووية، وذلك عندما اكتشفت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفييتي وضع بالتعاون منصات صواريخ نووية على الأرض الكوبية قادرة على ضرب معظم الأراضي الأمريكية. فأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بذلك وطالبت السوفييت بتفكيك أي قواعد الصواريخ في كوبا . وأظهر السوفييت قدراً كبيراً من المسؤولية، حيث استجاب الزعيم الشيوعي نيكيتا خروتشوف لنداء السلام، وقرر سحب الصواريخ من كوبا، منعاً لوقوع كارثة نووية قد تؤدي إلى فناء العالم. ومنذ ذلك الوقت، ظلت الدولتان تعملان سوية على منع تهديد استقرار العالم من خلال الاتفاق فيما بينهما على تخفيض ما لديهما من ترسانة نووية، وصولاً إلى التخلص من هذه الأسلحة بشكل تام. ويوم الثلاثاء الماضي أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وأشار إلى أن روسيا لم تحترم المعاهدة، وبالتالي «فإننا سننهي الاتفاقية». في حين حذرت موسكو الرئيس ترامب من نيته الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى المبرمة خلال الحرب الباردة. . وبرغم خطورة قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من المعاهدة النووية، لكن من المستبعد أن تندلع مواجهة نووية بين القطبين، بل سوف تنتصر إرادة الحكمة، ليبقى التنافس في حدود الحرب بالوكالة والدبلوماسية العنيفة. med_khalifaa@hotmail.com

مشاركة :