يشهد شرق الفرات تطورات متسارعة وغير مفهومة، ففي الوقت الذي صعدت فيه تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية، عاد داعش بقوة ليشن هجمات نوعية على الأخيرة أفقدتها السيطرة على المناطق التي استعادتها من التنظيم خلال الفترة الماضية. دمشق – قصف الجيش التركي مواقع لوحدات حماية الشعب الكردي المدعومة من الولايات المتحدة في محيط مدينة عين العرب (كوباني) الواقعة شرقي الفرات. ويأتي القصف بالتزامن مع انشغال قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها الوحدات الكردية بمعارك شرسة مع تنظيم الدولة الإسلامية، فقدت خلالها جميع المناطق التي سيطرت عليها في الفترة الماضية بمحافظة دير الزور. وأفادت وكالة الأناضول الرسمية التركية بأن القصف استهدف مواقع وخنادق تابعة لوحدات حماية الشعب على تلة قرب الضفة الشرقية للفرات، مقابل مدينة جرابلس. وفيما اِلْتَزمت وحدات حماية الشعب الصمت وعدم التعليق، أكدت مواقع كردية الهجوم، مشيرة إلى أنه لم يسفر عن ضحايا حيث اقتصرت الخسائر على أضرار ببعض المنازل. ويعتبر الهجوم التركي الأول من نوعه منذ فترة طويلة، ويأتي بعد يومين من تهديدات وجهها الرئيس رجب طيب أردوغان بأن تركيز بلاده سينصب على شرق الفرات، بدلا عن الالتهاء بمنبج. وتشعر تركيا بأنه تم خداعها من قبل الولايات المتحدة عبر إلهائها بمنبج وقضية تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن تلك المنطقة في يونيو الماضي، والذي يشهد تعثرا وسط اتهام أنقرة لواشنطن بالمماطلة، حيث أن وحدات الشعب الكردي لا تزال موجودة في المدينة. وقال أردوغان “تركيا مهددة من قبل منظمة إرهابية في شرق الفرات، وكما لا نُهدد أحداً فلن نسمح لأحد بتهديدنا قرب حدودنا”، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردي. تزامن القصف التركي مع استعادة داعش لكافة المناطق التي فقدها في دير الزور على يد قسد يثير أكثر من تساؤل وسبق أن ألمح الرئيس التركي مطلع الشهر الجاري إلى قرب بدء عملية عسكرية لبلاده شمال سوريا، وعلى وجه التحديد في مناطق شرق الفرات. وأكد آنذاك في كلمة له خلال مشاركته بمراسم تخرج دفعة من العسكريين، في محافظة إسبرطة جنوب غربي البلاد، أن “بلاده عازمة على القضاء قريباً على أوكار الإرهاب شرقي نهر الفرات في سوريا” قائلاً “قريبًا إن شاء الله سنقضي على أوكار الإرهاب شرقي الفرات”. وتعد وحدات حماية الشعب الكردي العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذي تشكل في العام 2014 بدعم من التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية من طرد داعش من أبرز معاقله في شمال سوريا وشرقها أبرزها الرقة التي سبق أن أعلنها عاصمة لـ”خلافته” المزعومة، ومناطق واسعة في محافظة دير الزور، نجح التنظيم في استرجاع معظمها في الهجوم المعاكس الذي بدأه قبل أسبوعين. ويثير دعم قوات سوريا الديمقراطية توترا بين أنقرة وواشنطن التي ترأس التحالف الدولي، فالولايات المتحدة تعتبر الأكراد حليفا استراتيجيا لها في سوريا، فيما تنظر تركيا إليهم على أنهم تهديد لأمنها القومي، حيث تتهمهم بأنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني. ويرى مراقبون أن القصف التركي الأخير لعين العرب هو رسالة تركية تفيد بأنها جادة في المضي قدما في محاربة الوحدات الكردية بالقرب من حدودها، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو هل أن أنقرة قادرة فعلا على الذهاب بعيدا في هذه المواجهة في ظل وجود دعم أميركي مباشر للتنظيم الكردي شرق الفرات؟ وكانت الولايات المتحدة قد أقدمت في أبريل العام الماضي على نشر قوات من المارينز على الحدود السورية التركية ردا على هجوم تركي على مواقع للوحدات، فيما بدا أنه رسالة تحذيرية لأنقرة من مغبة اللعب بالنار. ويقول خبراء عسكريون إن تزامن القصف التركي مع استعادة تنظيم الدولة الإسلامية، الأحد، لكافة المناطق التي فقدها في دير الزور على يد قوات سوريا الديمقراطية يثير أكثر من تساؤل. ويشير هؤلاء إلى وجود احتمالين: الأول أن تركيا أرادت استغلال انشغال قسد ببحث سبل استعادة زخم المعركة التي أطلقتها في سبتمبر الماضي ضد داعش، في ظل صدمة تعانيها من القوة التي أظهرها الأخير في مواجهتها والتي تمكن خلالها في الأيام الأخيرة من تكبيدها خسائر مادية ومعنوية. مقتل 72 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطيةمقتل 72 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية والاحتمال الثاني أن هجوم داعش نفسه تم بتنسيق مع الأتراك. ولطالما واجهت أنقرة اتهامات بنسج علاقات مع التنظيم الجهادي، الذي مر جل عناصره الأجانب الذين يقاتلون اليوم في دير الزور من الأراضي التركية. ويلفت هؤلاء إلى أن تركيا تدرك أنه ليس باستطاعتها تكرار عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” وقد ترى أن من صالحها التعاون مع داعش لاستنزاف قوات سوريا الديمقراطية، وهذا أمرا ليس غريبا فهي تتعاون مع جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) المصنفة إرهابية في محافظة إدلب وريف حلب. واستعاد تنظيم الدولة الإسلامية كافة المناطق التي خسرها في محافظة دير الزور أمام قوات سوريا الديمقراطية، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد. وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن “خلال هجمات واسعة استمرت منذ يوم الجمعة حتى فجر الأحد، تمكن التنظيم من استعادة كافة المناطق التي تقدمت فيها قوات سوريا الديمقراطية”، وهي بلدتا السوسة والباغوز الفوقاني. وتدور أنباء على أن التنظيم نجح أيضا في السيطرة على حقل العمر النفطي، أكبر حقول دير الزور، بعد عام من خسارته، الأمر الذي في حال تحقق سيشكل ضربة موجعة لقوات سوريا الديمقراطية. وأكد قيادي في قوات سوريا الديمقراطية -رفض الكشف عن اسمه- استعادة التنظيم المتطرف كافة المناطق التي خسرها خلال الأسابيع السبعة الماضية. وأعاد الأمر إلى “العاصفة الرملية ومعرفته بالمنطقة أكثر من قواتنا”. وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أطلقت في العاشر من سبتمبر بدعم من التحالف الدولي عملية عسكرية ضد التنظيم في منطقة هجين في أقصى ريف دير الزور الشرقي قرب الحدود العراقية. وتمكنت تلك القوات من التقدم والسيطرة على بلدات وقرى عدة، إلا أن داعش -ومنذ أكثر من أسبوعين- بدأ بشن هجمات مضادة واسعة مستفيداً من عاصفة رملية في تلك المنطقة الصحراوية، وفق المرصد. وأسفرت هجمات تنظيم الدولة الإسلامية منذ يوم الجمعة، حسب المرصد، عن مقتل 72 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية. وفي محاولة لاستعادة زمام المبادرة عمدت قوات سوريا الديمقراطية، وفق المرصد والقيادي، إلى إرسال تعزيزات عسكرية. وأوضح القيادي أنه “تم إرسال تعزيزات عسكرية وأسلحة ثقيلة إلى الجبهة، وسيتم تبديل بعض الوحدات بأخرى أكثر خبرة وأكثر قدرة على القيام بالمهمة”، مؤكدا “ستنطلق حملة عسكرية جديدة فور وصول تلك التعزيزات”. ويُقدر التحالف الدولي وجود ألفي عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية في هذا الجيب. وأكد قائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل، في وقت لاحق أن الولايات المتحدة ستستمر في الضغط على داعش، في العراق وسوريا، لمنعه من إعادة تنظيم صفوفه. ويسيطر مقاتلو داعش ومعظمهم من الأجانب على جيوب محدودة في أقصى محافظة دير الزور وفي البادية السورية شرق حمص. وبالهجوم الأخير برهن التنظيم على أنه قادر على استعادة المبادرة وتوجيه ضربات قاسية لخصومه. ويلفت المراقبون إلى أن تصريحات المسؤولين الغربيين بشأن إعلان نهاية الحرب على التنظيم قبل موفى هذا العام تحتاج إلى مراجعة.
مشاركة :