يسعى الباحثون للتوصل إلى طرائق أفضل لعلاج أورام السرطان التي لا تتفاعل مع العلاجات التقليدية. لذلك يقومون اليوم بتجارب على سلالات بكتيرية معدلة تستهدف الخلايا السرطانية من دون أن تسيء إلى الخلايا السليمة. وتكشف تجربة سريرية لا تزال في المرحلة الأولى أن هذا العلاج البكتيري يؤدي إلى نتائج واعدة. يقيّم راهناً فريق من مركز آم. دي. أندرسون للسرطان في هيوستن التابع لجامعة تكساس مدى سلامة وفاعلية علاج بكتيري يستهدف الأورام السرطانية التي لا تتفاعل مع أنواع العلاج الأخرى. تشير حتى اليوم الاكتشافات، التي عُرضت أخيراً في مؤتمر CRI-CIMT-EATI-AACR الدولي لعلاجات السرطان المناعية في مدينة نيويورك، إلى أن لهذا العلاج معدلات سمية يمكن التحكم فيها وقد تسهم في تقليص بعض الأورام السرطانية العنيدة. يوضح الدكتور فيليب يانكو، باحث شارك في إعداد تقرير الدراسة: «حتى بعد تلقي حقنة واحدة من العلاج البكتيري، لاحظنا نشاطاً بيولوجياً يُعتبر في حالة بعض المرضى مهماً سريرياً». ويضيف: «هذه الإستراتيجية ممكنة، لها تأثيرات جانبية نستطيع ضبطها، وقد تكون مهمة سريرياً في حالة المرضى الذين لا يملكون خيارات علاجية كثيرة». ماذا يجعل البكتيريا أداة واعدة؟ استعمال البكتيريا لعلاج السرطان ليس فكرة جديدة. ولكن حتى وقت ليس ببعيد، ما كان تطبيق العلاجات البكتيرية ممكناً بسبب عقبات كثيرة تشمل العدوى وغيرها من تأثيرات جانبية سلبية. في تجربة سريرية جديدة، استخدم الباحثون أبواغ سلالة بكتيرية تُدعىClostridium novyi-NT معدلة خصوصاً منClostridium novyi لتُستخدم في علاج السرطان. تتمتع بكتيريا C. novyi-NT بالقدرة على علاج السرطان لأنها تزدهر في بيئة منقوصة الأوكسجين (تفتقر إلى الأوكسجين)، علماً بأن هذا تحديداً نوع البيئات الذي نُلاحظه في الآفات السرطانية. لذلك تستطيع C. novyi-NT التفاعل مع الخلايا السرطانية من دون التأثير في الخلايا السليمة. يذكر الدكتور يانكو: «باستغلال الاختلافات المتأصلة بين الأنسجة السليمة والسرطانية، تمثل C. novyi-NT علاجاً مضاداً للسرطان دقيقاً جداً يستطيع أن يهاجم سرطان المريض تحديداً». كانت هذه تجربة «غير معمية»، أي أن كل المشاركين فيها عرفوا نوع العلاج الذي كانوا يتلقونه. عمل الباحثون عموماً مع 34 مشاركاً استعانوا بهم بين عامَي 2013 و2017. عانى المشاركون أورام سرطان صلبة تقاوم العلاج. أُصيب 15 منهم تحديداً بالساركومة، و17 بالسرطانة، واثنان بالميلانوما. حقنة تقلِّص الورم أعطى الباحثون المرضى حقناً من أبواغ C.novyi-NT مباشرةً في الأورام السرطانية، شكّلت جرعات منفردة تحتوي على 10 آلاف إلى 3 ملايين بوغ بكتيريا. عانى المريضان اللذان تلقيا الجرعة القصوى، التي ضمت 3 ملايين بوغ، الإنتان وغنغرينا غازية. لذلك أدرك الباحثون أن الجرعة القصوى التي يتحملها المرضى تبلغ مليون بوغ C. novyi-NT. استعان الدكتور بانكو وفريقه باختبار RECIST (وهو فحص يقيس ما إذا كانت الأورام السرطانية تقلصت نتيجة تفاعلها مع العلاج أو لا) بغية تقييم تأثير العلاج البكتيري. من بين 22 مريضاً استوفوا المعايير اللازمة للتقييم، سجّل 21 نتيجة «مستقر» في تقييم RECIST، ما يعني أن حدة المرض لم ترتفع ولم تتراجع. في حالة هؤلاء المرضى، تقلصت الأورام بأكثر من %10 بعد الحقنة التجريبية. وعند أخذ في الاعتبار الأورام التي حُقنت بأبواغ C. novyi-NT وتلك التي لم تُحقن بالبكتيريا على حد سواء، يكون معدل المرض المستقر، وفق RECIST، 68%. لكن الدكتور بانكو يشير إلى أن اختبارات RECIST قد لا تتمكن من تقديم فهم دقيق بالكامل لفاعلية العلاج البكتيري قيد التجربة هذا. يوضح: «عندما نحقن الورم، تموت الخلايا داخله وتصبح نخرية، فيما تصاب الأنسجة المتبقية بالالتهاب، ما يجعل الآفة أكبر حجماً من الورم الأساسي». يتابع مضيفاً: «نتيجة لذلك، لا يعكس التقييم بواسطة RECIST بدقة مدى تراجع عبء الورم في حالة المريض». علاجات بكتيرية عندما تأمل الباحثون معدلات إنبات أبواغ C. novyi-NT، لاحظوا أن %46 من عدد المشاركين الإجمالي حظوا بإنبات أبواغ وأعربوا عن إشارات إلى تفكك خلايا الأورام. لكن الفريق أشار أيضاً إلى اكتشاف آخر مثير للاهتمام: يبدو أن العلاج البكتيري يعزز رد فعل الجهاز المناعي تجاه الأورام السرطانية. يوضح الدكتور بانكو: «رغم غياب الإشارات السريرية إلى الإنبات في حالة بعض المرضى، لاحظنا تحسناً في ردود الفعل المناعية تجاه الأورام بالتحديد من خلال تعزيز إنتاج سيتوكينات الخلايا التائية [نوع من الخلايا المناعية] وزيادة انتشار الخلايا اللمفاوية [نوع آخر من الخلايا المناعية] المخترقة للأورام في الأورام التي حُقنت». لذلك يؤكد هذا الباحث: «انطلاقاً من هذه النتائج الأولية، يبدو أن C. novyi-NT تستطيع تنشيط رد فعل مناعي، فضلاً عن تسببها بتلف الورم». إذاً، تشير هذه الاكتشافات، وفق الباحثين، إلى أن العلاج البكتيري قد يُستخدم ذات يوم لتعزيز تأثيرات العلاج المناعي في محاربة السرطان. يذكر الدكتور يانكو: «شجعتنا نتائج هذه التجربة كثيراً، خصوصاً النتائج التي لاحظناها في حالة مرضى الساركومة الذين لم يعد عليهم العلاج المناعي بفائدة تُذكر». يختم: «من الممكن لهذه الإستراتيجية القائمة على البكتيريا أن تحقق نتائج سريرية مهمة، خصوصاً إذا ترافقت مع مثبطات ضابطة [نوع من أدوية العلاج المناعي]، في حالة المرضى المصابين بأورام صلبة متقدمة».
مشاركة :