تتعدد الفعاليات والندوات المنادي أو الساعية إلى ربط حركة الصحافة والإعلام في مصر والدول العربية بتطورات المهنة على المستوى الدولي، غير أن أغلبها يزول أثره تدريجياً بختام النشاط، وفي القاهرة انطلقت، أمس، أعمال «منتدى إعلام مصر» في نسخته الأولى، فيما يقول القائمون على أعمال المنتدى إنهم يستهدفون أن تصبح فعاليتهم منصة تلاقٍ سنوية مستدامة لمناقشة أحدث التطورات المهنية من قبل العاملين فيها، مع مقابلة نظرائهم من مختلف وسائل الإعلام ذائعة الصيت. وتحت عنوان «عصر ما بعد المعلومات» جاء جدول أعمال المنتدى الذي ينظمه النادي الإعلامي بالمعهد الدنماركي المصري للحوار، وسط حضور 500 صحافي وإعلامي مصري وعربي ودولي، وتمكَّن المنتدى من إبرام شراكات لافتة مع عدد من وسائل الإعلام المصرية والدولية الكبرى، ومن أبرزها «بي بي سي»، ودويته فيله»، فضلاً عن صحيفتي «الشروق» و«الوطن» اليوميتين، وموقع «مصراوي» الإخباري الإلكتروني. تقول نهى النحاس، مديرة النادي الإعلامي بالمعهد الدنماركي المصري للحوار لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة منتدى إعلام مصر «ترتكز على إقامة فعالية مهنية ووجهة معرفية سنوية للصحافيين المصريين بشكل خاص والعرب بشكل عام، وتتيح لهم الاطلاع على تطورات صناعة الإعلام في العالم والتعرف على أحدث طرق إنتاج المحتوى وعرضه في وسائل الإعلام، وأن يعمل (المنتدى) كنقطة التقاء بين الصحافة والإعلام في عالمنا مع نظرائها في الغرب». وتشرح النحاس أنه في سبيل تحقيق مستهدفات المنتدى، فإنه يجري «عرض تجارب ناجحة لمؤسسات إنتاج المحتوى المصرية والعربية التي تعاملت مع التطورات الرقمية». وبشأن الضمانات التي وضعها القائمون على المنتدى، لاستدامة تأثيره، توضح مديرة النادي الإعلامي: «نعتقد أن تحقيق التنمية الإعلامية يحدث عبر المعرفة المتراكمة، وفي سبيل ذلك تمكنا من إعلان شراكات المنتدى مع مؤسسات راسخة ومتطورة، ومن بينها هيئة الإذاعة البريطانية بقيمتها، ونهدف في النسخة الأولى للمنتدى لخلق هذه المساحة من التلاقي والتشارك بين الصحافيين المصريين والعرب والدوليين؛ فالنقاش وتبادل الخبرات والاطلاع على التجارب المتميزة في إنتاج المحتوى تثري المشهد الإعلامي المصري والعربي، ونستهدف أن يستمر التواصل وخلق شبكات للتعاون لتحقيق أقصى استفادة من تجربة المنتدى». وارتكز جدول أعمال اليوم على تمكين المشاركين من الاطلاع على حركة المهنة حول العالم، وذلك عبر جلسة نقاشية بعنوان «الخطاب الإعلامي الدولي... نظرة مُعمقة»، ولقاءات تعريفية بتجارب عربية لافتة تمكنت من دمج التقنيات الحديثة في المحتوى الصحافي، مثل صحيفة «الغد» الأردنية، وموقع «مصراوي». ووفق نظرة إلى قائمة المتحدثين في المنتدى، يظهر على نحو واضح تنوع الخبرات التي يسعى «منتدى إعلام مصر» إلى بثِّها للمشاركين؛ فمن جهة تحدث ديفيد ماكيلسون المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع Snopes.com المتخصص في فحص حقائق الأخبار على الإنترنت، الذي تأسس عام 1994، وكذلك يبرز اسم ديكلن وولش مدير «نيويورك تايمز» بالقاهرة، مستعرضاً تجربته في تغطية المواقع الملتهبة في ليبيا وسوريا، وكيفية استخدام الأشكال الرقمية الجديدة في كتابة القصص الصحافية. وفي سياق الاطلاع على التجارب المهنية البارزة، تحدث كذلك الإعلامي البريطاني بول فيليبس، الذي يمتلك عقوداً من الخبرة بمجال الأخبار التلفزيونية وذلك في مؤسسات كبيرة مثل «سكاي نيوز»، ومحرراً في قناة «بي بي سي» الإخبارية، قبل أن يتفرَّغ للتدريب والاستشارات. وخلال جلسة «تجارب مؤسسات الإعلام الدولي الناطقة بالعربية في مواجهة تغيرات صناعة المحتوى» تحدث مدير تحرير «الشرق الأوسط»، محمد هاني، عن التحوُّل الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت أشبه بـ«ترمومتر» لمعرفة اهتمامات القارئ، فضلاً عن استخدامها في تحقيق الانتشار في قطاعات أوسع من القطاع المستهدف للوسيلة الإعلامية. واعتبر هاني أن اقتصادات الصحافة المطبوعة والرقمية تفتقر إلى آلية مستدامة لتحقيق أهدافها، حتى باتت فكرة وجود النموذج الاقتصادي الإعلامي المحقق للربح هدفاً لكل وسائل الإعلام. وكذلك قال محمد يحيى، رئيس قسم الوسائط في «بي بي سي العربية»، إن وسائل التواصل باتت فرصة يتوجب استغلاها إعلامياً وتطويعها وفق القواعد التحريرية والمهنية الراسخة. من جهتها، رأت الصحافية بجريدة الحياة أمينة خيري، أن «الصحافة المطبوعة سواء كان إقليمية أو دولية باتت تواجه تحدي البقاء، خصوصاً أنها تأخَّرت كثيراً عن استيعاب التغيرات التكنولوجية». ولفتت خيري كذلك إلى أزمة مضاعفة باتت مرصودة بأوساط طلاب كليات الصحافة والإعلام، وتتمثل في «عزوف كبير من الطلاب عن متابعة الأخبار من مصادرها، والارتكان إلى ما يصل إليهم من مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تجنب إجراء المقارنات بين أكثر من مصدر لخبر واحد للتحقق منه». ووفق مدير مكتب قناة «سكاي نيوز عربية» بالقاهرة، سمير عمر، فإن معضلة العمل الصحافي تتمثل في العنصر البشري المؤهَّل والمدرَّب بشكل جديد، ودعا إلى تخصيص جزء أكبر من ميزانيات المؤسسات الإعلامية للاستثمار في اكتشاف تلك العناصر التي تثري المهنة وتضمن فعاليتها واستمرارها وتأثيرها. أما الجوانب التنظيمية للصحافة والإعلام، فكان لها نصيب من الاهتمام في جدول أعمال المنتدى الذي طرح جلسة بعنوان «هيئات الإعلام... تنظيم أم سيطرة؟»، وفي ذلك الإطار ضمت قائمة المتحدثين، وكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، عبد الفتاح الجبالي، وكذلك آدم باكستر، عضو هيئة تنظيم الإعلام البريطاني «أوفكوم»، كما شارك عضو نقابة الصحافيين المصريين محمد سعد عبد الحفيظ في أعمال المنتدى وجلساته متحدثاً رئيسياً. وتلفت نهى النحاس إلى أن اختيار مسألة التنظيم لهيئات الصحافة والإعلام على ما فيها من مساحة للجدل أو الخلاف تعود إلى أن «تجارب التنظيم في عالمنا العربي (دون تعميم) ما زالت في مراحلها الأولى، وتحتاج إلى مزيد من التطوير والرؤية الواضحة للأدوار التي يجب أن تلعبها لدعم صناعة الصحافة والإعلام أولاً». وبحسب إدارة منتدى إعلام مصر، فقد تقدم ما يزيد على 1700 صحافي وإعلامي وطالب بالأقسام والكليات ذات الصلة بالمجال للمشاركة في أعمال المنتدى، فيما تم اختيار 500 شخص فقط لحضور الفعاليات. ويبدو التركيز على قطاع الشباب ممن هم في بداية أو منتصف مسيرتهم المهنية لافتاً، سواء على مستوى حضور الجلسات أو المشاركة كمتحدثين، وفي هذا الصدد تقول النحاس: «بالطبع كان الشباب خيارنا منذ البداية فلا بد أن يأخذوا أدوارهم، ويتم تقديمهم بوصفهم مستقبل العمل الإعلامي خاصة، وأنهم سيكونون الأقدر والأجدر في المستقبل القريب لإدارة المؤسسات الإعلامية في ظل التطورات السريعة في تكنولوجيا الصناعة، وبعضهم سجّل حضوراً قوياً في المهنة وتطوير العمل الصحافي والإعلامي، وبالضرورة نعتقد أن المجتمعات تتطور برؤاهم وجهدهم بالإضافة إلى خبرات الأجيال الأكبر في المجال الإعلامي». ورغم ضيق الوقت الزمني لجدول أعمال المنتدى الذي يستمر ليومين، غير أنه جدول الأعمال لم يخلُ من 3 جلسات مدخلية لفنون عتيقة وأخرى حديثة نسبياً فيما يتعلق بالصحافة والإعلام، ومنها جلسة لمؤسس موقع «إنفو تايمز» لصحافة البيانات، عمر العراقي، وأخرى للمدرب والصحافي ياسر الزيات عن الصحافة الاستقصائية، فضلاً عن التحول الرقمي في مجال الراديو. أما الصحافيون المعنيون بأن يكونوا محررين علميين، فانصب اهتمامهم على جلسة لرئيس التحرير التنفيذي للطبعة العربية من مجلة «نيتشر» العلمية، محمد يحيى، فيما ركز محررو وسائط الإعلام الاجتماعي على جلسة تحدث فيها مؤسس منصة «صورلي» هيثم أبو عقرب، عن تجربة التخصص في البث الاحترافي عبر الإنترنت للفعاليات والمهرجان المختلفة، وذلك باستخدام تقنيات متطورة على مستوى الصوت والصورة، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
مشاركة :