افتتح أمير منطقة المدينة المنورة فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، مساء أمس الأحد، مؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته "23" الذي ينظمه المجمع بالتعاون مع الجامعة الإسلامية خلال المدة من 19-23 صفر الحالي، وذلك بحضور الأمير سعود بن خالد الفيصل نائب أمير منطقة المدينة المنورة وعدد من الأمراء والوزراء والمسؤولين ونخبة كبيرة من العلماء والفقهاء حول العالم. وبدأ حفل الافتتاح، الذي شهد حضورًا كثيفًا، بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، لتتوالى بعدها الكلمات المؤكدة على أهمية هذا المؤتمر وتوقيته، والمشيدة بحسن تنظيم الجامعة الإسلامية وجهود المجمع. وثمّن المشاركون جهود الشيخ صالح بن حميد رئيس المجمع، والدكتور حاتم المرزوقي مدير الجامعة الإسلامية والفرق المشاركة، لإنجاح هذا المؤتمر الدولي بالغ الأهمية، الذي يأتي في وقت حاسم من تاريخ الأمة الإسلامية ويشارك فيه علماء وفقهاء الأمة من 46 دولة إسلامية. التحذير من حالة التشدد الديني والتنطع والتعصب المذهبي ورفع المستشار بالديوان الملكي رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد الشكر والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين على موافقته باستضافة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للدورة "23" للمجمع، والموافقة الكريمة على رعايته المباركة لأعمال الدورة الحالية. وأكد أن ذلك يأتي امتدادًا لدعم الملك ودعم القيادة الرشيدة بالمملكة لأعمال وأنشطة وبرامج المجمع. وقال "بن حميد": المملكة العربية السعودية تستضيف هذا العام دورة المجمع للمرة التاسعة، بعد أن سبق استضافة مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة لدورات سابقة، مما يعكس اهتمام هذه البلاد المباركة وحكامها باجتماع الكلمة وتوحيد الجهود بما يعود بالنفع على الإسلام والمسلمين في مختلف أرجاء العالم. وأضاف: الدورة الحالية تعقد في زمن حرج للأمة وهي تشهد الفرقة والتنازع والاختلاف بجانب حالة التشدد الديني والتنطع والجهل والتعصب المذهبي الذي يضعف الأمة ويجعلها في خطر وفريسة سهلة أمام الأعداء، ونؤكد أهمية دور العلماء والفقهاء في معالجة هذه المشكلات وحل المعضلات متسلحين بالعلم الشرعي مستعينين بتوفيق الله. وأردف: لا طريق يعيد إلى الأمة نصرها وقوتها وعزتها إلا الالتزام بقول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). وتابع: موضوعات المجمع تتنوع بين موضوعات السياسة الشرعية والأسرية والطبية والاقتصادية والفكرية، وهي موضوعات تهم الأمة وكتب فيها بحوث قيمة يناقشها المؤتمر والجميع ينتظر ما تخرج عنه المناقشات من توصيات وقرارات تنتهي بإصدار وثيقة المدينة المنورة، مشيدًا بدور الجامعة الإسلامية في تنظيم المؤتمر. الأمة تواجه تحديات خارجية من جهته، قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين: الأمة الإسلامية تواجه تحديات ويحيط بها مخاطر ومشكلات، أبرزها فكر متطرف يولد إرهاباً أعمى وعنفاً مدمراً وتجييشاً طائفياً يقوده تعصب مذهبي غايته تقسيم الأمة فرقًًا وطوائف، وإن بقاء هذا الأمر خطر على وحدة الأمة وتهديد لوجودها وبقائها وطمس لهويتها. وأضاف: الأمة أيضًا تواجه تحديات خارجية لا تقل خطرًا عن التحديات الداخلية وهي تحديات تحركها أحقاد تعمل على مسخ هوية الأمة وعقيدتها وتقودها أطماع تهدف للسيطرة على مقدرات الأمة وتعطيل مسيرتها وتفلتها، والتحديات الخارجية تتغذى على النزاعات المطرفة والأفكار المنحرفة، كما أن الثورة التقنية الحديثة فتحت المجال أمام بعض الجهال لكي يتحدث عن قضايا الأمة والمسلمين بل ويتجرؤون على الفتوى وهو ما جر نكبة التطرف والإرهاب. وأردف: موجة الانفتاح الإعلامي دفعت إلى إثارة حماسة العديد من المتربصين بالدين الإسلامي لإثارة بعض القضايا الفقهية القديمة وتوظيفها في أجندتهم الفكرية والسياسة، ومن هنا يبرز دور مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي تعتبره منظمة التعاون الإسلامي إحدى أجهزتها المهمة في التصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف وصياغة مفاهيم أصيلة ومستجدة وقابلة للتطبيق على أن تتماشى هذه المفاهيم والتأصيلات مع ثقافة العصر الحديثة وتضرب في الوقت نفسه بجذورها في عمق التراث الإسلامي ومقاصد الشرع الحكيم. ودعا أعضاء المجمع إلى تكثيف الجهود في هذا المضمار بالموازنة مع جهود مركز صوت الحكمة للحوار والسلام والتفاهم الذي تأسس في مقر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي للتصدي لخطاب الكراهية وتصحيح المفاهيم المغلوطة والمتطرفة وإشاعة مبادئ وقيم التعايش والتعارف بين الأمم والحضارات على اختلافها. موضوعات معاصرة تستكمل مسيرة المجمع بدوره، استعرض أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور عبدالسلام بن داود العبادي، أبرز إنجازات المجمع خلال السنوات الماضية. وقال: الدورة الحالية تأتي في مرحلة حاسمة من تاريخ الأمة يقدم فيها المجمع المثال تلو المثال على الاجتهاد الجماعي في القضايا الحادثة والمستجدة التي تتعرض لها الأمة في مسيرتها المعاصرة، تحقيقًا لأهداف ورسالة المجمع. وأضاف: الدورة "23" تتناول موضوعات معاصرة تشمل زواج الصغيرات وختان الإناث وأثر عقد الزوجية على ملكية الزوجين واستكمال أحكام المفطرات في مجال التداوي وأحكام الحلال والإعسار والإفلاس في الشريعة الإسلامية وأحكام الغلبة والتبعية في المعاملات المالية وأحكام التحوط فيها، ومعالجة بعض أحكام الصكوك الإسلامية، بالإضافة إلى استعراض لدراسة الوسائل الفكرية والعلمية التي يواجه بها ما يسمى به الإرهاب في هذه الأيام والتي تندد به الشريعة أيما تنديد وتعمل على محاربته والوقوف في وجهة بكل وسيلة ممكنة. وأردف: المجمع أصدر 178 قرارًا شارك فيها أكثر من ألف بحث نشرت في مجلة المجمع حتى دورته "22" وفي الدورة الحالية ستبلغ مجلة المجمع 76 مجلدًا تتضمن البحوث والنقاشات والقرارات المتخذة مما يمثل موسوعة فقهية معاصرة تتناول أبرز قضايا الأمة وأهم أمورها بكافة النواحي من منطلق فقهي علمي. تكريم ضيوف الشرف وفي ختام الحفل، كرّم الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز ضيوف الشرف في الدورة الحالية وهم "الشيخ عبدالله المنيع المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء وعضو المجمع، معالي الشيح عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإفتاء بدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبدالله المطلق المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، الدكتور عبدالرحمن السند رئيس الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشيخ محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الازهر، الشيخ يوسف الشيخ وزير الشؤون الدينية بدولة فلسطين، الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، الدكتور محمد الخلايلة مفتي مملكة الأردن الهاشمية، الدكتور وائل عربيات وزير الأوقاف والشؤون بالأردن سابقًا، الشيخ أحمد يوسف الدريوش مدير الجامعة الإسلامية بإسلام أباد، الدكتور حمد بن الشيخ الشيباني الأمين العام لدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بإمارة دبي، الدكتور محمد معصوم ياسين راعي الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد، والدكتور عبدالسلام العبادي أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي. أهمية توقيت المؤتمر في سياق متصل، رفع "المرزوقي" خالص الشكر لمقام خادم الحرمين الشريفين على دعمه وموافقته على استضافة الجامعة لهذا المؤتمر، مرحباً فيه بضيوف المملكة من العلماء الأجلاء المشاركين في هذا المؤتمر. وقال: المؤتمر يأتي في وقت دقيق للغاية، لعرض الشريعة الإسلامية عرضًا صحيحًا وإبراز مزاياها، وبيان قدرتها الفذة على معالجة المشكلات الإنسانية المعاصرة، وعلى تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وفق تصور شامل للإسلام بأصوله ومصادره وقواعده وأحكامه، على أساس أن الفقه الإسلامي هو ثمرة تحكيم شريعة الله تعالى في الواقع الإنساني بكل أبعاده.
مشاركة :