د.محمد فتحي عبد العالكاتب وباحث مصري مع رحلتنا في التاريخ القديم لنتعقب أثار الفترة الزمنية التي عاصرها يوسف عليه السلام في مصر نرجح أن عصر يوسف عليه السلام كان حتما سابقا على عصر الهكسوس ،وتحديدا في زمن الأسرة الثانية عشر الفرعونية (1991-1786 ) ق.م وأن الفترة التي شهدت فترات عمره الاولى بمصر قبل دخول السجن كانت ابان حكم الملك أمنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشر والذي أشرك معه في الحكم ابنه سنوسرت الأول لمدة 21 عاما وأن الملك الذي اخرجه من السجن وجعله على خزائن الأرض هو سنوسرت الأول ،ونستهل أدلتنا بقوله تعالى : (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فلابد وأننا بعصر يفرض سياجا أمنيا على دخول الاجانب الى الدرجة التي خشي النبي يعقوب عليه السلام على أبناءه فنصحهم بعدم دخول مصر من بوابة واحدة ولكن من أبواب متفرقة وهو ما يتفق مع فلسفة امنمحات الأول الذي نظر إلى الهجرات الواسعة بالقرب من الحدود مع مصر، مما دفعه إلى بناء تحصينات قوية و قلاع ونقاط للمراقبة والحراسة كما لم يسبق من قبل على الحدود بين مصر وفلسطين .نتوقف عند دليل أخر وهو قوله تعالي: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ) وقوله تعالي : (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ) ..فنجد متهمين مرافقين ليوسف عليه السلام في السجن أحدهما ساقي الملك والآخر خبازه وهو ما يعني أننا أمام مؤامرة قد حدثت وزجت بمقربين من الملك الي السجن ثم شمل العفو ساقي الملك بعد ذلك وحينما نبحث بين جنبات التاريخ الفرعوني عن قضية اغتيال علي هذا المنوال فلابد وأن نسبر أغوار واحدة من قضايا الاغتيال شديدة الغموض في التاريخ الفرعوني وكان بطلها امنمحات الأول والذي لقي مصرعة جراء مؤامرة باغتته في القصر،نفّذها حرسه وخدمه وذلك في غياب ابنه سنوسرت الأول في إحدى غزواته ضد الليبيين وحتي نتخيل مقدار بطش سنوسرت الذي ربما طال المقربين من الملك الراحل والحالة المزاجية التي ربما سيطرت عليه والتي دفعت الطبيب الملكي سنوحي الي الهروب الي الشام والتخفي دون أن يكون موجها اليه أي اتهام!!!!!!..غير أن تحولا طرأ علي الملك دفعه للعفو علي سنوحي وربما هو نفس العفو الذي شمل ساقي الملك في القصة القرانيه.السؤال المهم للغاية والمحوري في هذه القضية أين المجاعة التي تحدث عنها القران في طرحنا هذا ؟ يتحدث مخطوط عثر عليه في منطقة التود عن مجاعة وقحط في عهد سنوسرت الأول للدرجة التي دفعت الناس للهجوم على المعبد والاستيلاء علي ما فيه من مخزون الطعام. غير أن أثر يوسف في الحد من هذه المجاعة قد ظهر جليا في الطريقة التي اتبعها امنمحات حاكم اقليم الغزال و كانت بمثابة تنفيذ لخطة محكمة وتوجيهات متزنة تراعي توفير الغذاء والعدالة في العطاء وليست مجرد اجتهادات فردية .أضافة لذلك يمكننا قراءة النقش الخاص بوصول وفد آسيوى رفيع المستوى لمصر في عهد سنوسرت الاول مكونا من سبعة وثلاثين شخصاً من البدو على أحد جدران مقابر بنى حسن بالمنيا بشكل مختلف فربما ” أبشا “ زعيم هذا الوفد هو يعقوب عليه السلام والمرافقون له هم ابنائه (الاسباط الاثنا عشر ) وأسرهم خاصة أن (أبشا ) تعني الزعيم ويعقوب هو قائد أو أب ليوسف وأخوته واليه ينتسب بني اسرائيل . يعتبر دخول يوسف واخوته الي مصر تمهيدا لحكم الهكسوس وهو في حقيقته حكما ذاتيا لبني اسرائيل بمناطق من مصر تحقق مع فترة الأضطراب التي صاحبت نهاية الأسرة الفرعونية الثانية عشر وهو ما يتفق مع فرضية أن الهكسوس لم يدخلوا مصر بالغزو، ولكن بالتسلل وعاشوا في أرض مصر قبل الاستيلاء على العرش في شمال مصر . الي هنا ينتهي بحثنا والذي حاولنا من خلاله أن نخرج من شتات التاريخ القديم روافد الي حقيقة الفترة الزمنية التي عاصرها سيدنا يوسف عليه السلام .
مشاركة :