تتعدد الآراء والحلول والعلاجات أمام ما يشهده معدل الادخار في الأسر السعودية الذي يعد متدنيا جدا، إذ يبلغ حوالي 2.4% من الدخل السنوي المتاح، وهذه النسبة أقل بكثير من المعدل العالمي البالغ 10% والمعترف به عالميا كحد أدنى لضمان الاستقلالية المالية على المدى الطويل، وذلك حسب وثيقة برنامج تطور القطاع المالي 2020، واستنادا إلى بيانات الهيئة العامة للإحصاء، يبلغ المعدل السعودي 6%.ومن أبرز الحلول تأتي رؤية المملكة 2030، باستهدافها رفع نسبة ادخار الأسر السعودية من إجمالي الدخل من 6% إلى المعدل العالمي 10%، بغرس ثقافة الادخار في داخل المجتمع وعلى المستوى الفردي أولا.واقع الحالوفي توضيح لواقع الحال بالنسبة للادخار، قالت المواطنة الهنوف الدوسري، إنها تقوم بالادخار من مصروفها الشهري بنسبة 25%، ولكنها في الأغلب لا تقوم بالادخار؛ وذلك بسبب أن المصروف أقل من أن يغطي كافة احتياجاتها من متطلبات الحياة.وأوضحت هياء السعيد أنها تحرص على الادخار بنسبة 20%، وذلك بالإدارة الجيدة من خلال تحديد قائمة للاحتياجات الشهرية وقائمة للكماليات تُقسم على عدة شهور حسب الفائض الشهري من الدخل.وأبدى محمد الصالح اهتمامه بمحاولة ادخار 20% من الراتب، بسبب تفكيره بالمستقبل وضمانه، وإبقاء جزء خاص بالحالات الطارئة.أدوات العلاجوأوضحت المصرفية فاتن قريش، أن للبنوك دورا كبيرا في الترويج لثقافة الادخار، وذلك من خلال نسبة الوديعة على الحسابات الجارية وبعض أنواع حسابات التوفير والجاري بفوائد، وكذلك صناديق الاستثمار وبرامج الادخار المتعددة، ومن خلال الكتيبات في الفروع وشاشات الصراف الآلي ومواقع البنوك على الإنترنت.وأشارت إلى أنه على الفرد الموازنة بين الادخار والاستثمار، بحيث يكون معدل الاستثمار مساويا في البداية مع معدل الادخار ثم مع ارتفاع دخل الاستثمار يقوم بزيادة معدل الادخار، كما أن الادخار يجب أن يكون عادة مالية مستمرة من خلال استقطاع نسبة معينة من الراتب، وذلك لأن الادخار يساعد على مواجهة الأزمات والطوارئ، وليتمكن الشخص المدخر من البداية بمشروع أو استثمار المبلغ الذي تم ادخاره في أصول تساعد على إنتاج دخل إضافي للشخص.أسباب تدني الادخاروبين أستاذ المحاسبة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الدكتور عمرو كردي، أن انخفاض مستوى الادخار يعود في العادة لأسباب عدة، يتقدمها غلاء المعيشة أو السلع الأساسية كأسعار البنزين والطاقة الكهربائية، فذلك من شأنه تقليل نسبة المبلغ المتاح لأغراض الادخار على مستوى الفرد، ويكون للادخار بغرض كنز المال فقط في حسابات البنوك عادة نتائج سلبية على الاقتصاد بشكل عام.وقال: إن الادخار بهذه الطريقة يؤدي إلى احتباس السيولة وضعف الدورة النقدية في الدولة عموما وضعف الحركة التجارية تباعا، فالأجدر هو استثمار المال المدخر بطريقة علمية مدروسة من خلال قنوات الاستثمار المتاحة من خلال بنوك الاستثمار أو بيوت الخبرة، كما يمكن استثمار جزء في المشاريع الصغيرة أو العقار، وهذا من شأنه بكل الأحوال تحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق الطموح المادي للمدخرين.وتابع الدكتور كردي، من المفترض على الفرد أن تكون له ميزانية محدودة ومحسوبة للمصروفات الشهرية المعتادة مع هامش بسيط للمتغيرات العابرة، ومن ثم يجدر به أن يدخر كامل المبلغ المتبقي أيا كان، مع مراعاة ألا يكون الادخار فقط لكنز الأموال وإنما لتنميتها من خلال الاستثمار حين تكون مبلغا مجزيا.البداية من المنزلمن ناحية أخرى، قال الاستشاري الأسري والنفسي الدكتور فهد الماجد، إن ثقافة الادخار تبدأ من المنزل أولا؛ وذلك لاكتساب عادة الادخار مبكرا، وتكون بالتدرج مع الطفل، حيث يتعلم كيف يوفر مصروفه لأموره الشخصية، حيث يجب ألا تلبي الأسرة احتياجات أطفالها الثانوية دائمًا، كما أن ثقافة الادخار في المجتمع تُعد ضعيفة، وعلى صعيد الأسر فهناك العديد من المشاكل بسبب ضعف ثقافة الادخار وسوء إدارة المال وميزانية الأسرة، كما أن آخر دراسة على مستوى الخليج توضح أن ثاني أكبر سبب من أسباب الطلاق هو سوء الإدارة المالية.وأضاف الدكتور الماجد، إن السلوك المنتشر في المجتمع السعودي، وبين فئة الشباب خاصة، هو سلوك استهلاكي وليس استثماريا أو ادخاريا، وهذا السلوك هو انعكاس للفكر، فهو يفكر كيف يصرف المال وليس كيف يُنميه أو يوفره، ولا يتغير السلوك ما لم يغير الفرد كيف يفكر، وعلى المجتمع كافة بذل جهد كبير للتوعية على الادخار والاستثمار والإدارة المالية الجيدة، التي تساعد على توازن الحياة واستقرار الأسر، وأيضا الشعور بالاطمئنان من ناحية المستقبل، مشيرا إلى أنه في الفترة الأخيرة كانت هناك محاولات لنشر ثقافة الادخار من قبل الجمعيات ومن خلال الذكاء المالي والفكر الاستثماري، لكنها لا تحقق الهدف المأمول تماما، وقد جاءت متأخرة، وبحاجة لمزيد من التطوير والانتشار.
مشاركة :