الشارقة: عثمان حسن انحيازه إلى الهم الثقافي، وسعيه الدؤوب لكي تحتل الثقافة مكانتها في المجتمعات العربية، هو من الميزات التي تتصف بها شخصية الكاتب والمبدع الجزائري عز الدين ميهوبي، وزير الثقافة الجزائري، الذي استحق تكريمه في معرض الشارقة الدولي للكتاب، كشخصية العام الثقافية، وميهوبي من أبرز المثقفين العرب والذي له دور مشهود في الحراك الثقافي والإعلامي العربي، وسيرته المهنية حافلة بالإنجازات فقد ترأس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، كما ترأس اتحاد الكتّاب الجزائريين، والاتحاد العام للأدباء العرب، وبموازاة ذلك لم يتخل عن مشروعه الإبداعي فأصدر عدة دواوين شعرية، تميزت بخصوصيتها في مسيرة الشعرين الجزائري والعربي على حد سواء، وقد قدم ميهوبي سلسلة من الأوبريتات التي عالجت موضوعات ثقافية ووطنية وعربية، كما أصدر عدداً من الأعمال الروائية والمسرحية.يؤمن عز الدين ميهوبي بالثقافة، كسلاح قوي يواجه التطرف، وقد عبر عن ذلك أثناء مشاركته في ندوة تجديد الخطاب الديني والثقافي، في مكتبة الإسكندرية..كما يدعو إلى ثورة رقمية، تمتص منابع الخطاب الديني المتطرف، من خلال خطاب تنويري متسامح، ويرى أن ذلك يمكن تحقيقه بإعادة النظر في الاستراتيجيات الثقافية، والبحث عن آليات جديدة تستفيد من التكنولوجيا الرقمية.يعنى ميهوبي بالموضوع الثقافي العربي، في صلته بالراهن، وتحديات المرحلة في أبعادها الاجتماعية والسياسية والفكرية، ويتبنى العديد من الطروحات التي تؤسس لثقافة عربية ناجزة، في بعديها العربي والعالمي، كما يؤكد، بحسب ما أشار في حوارات عديدة معه، على دور التعليم في المجتمعات العربية، ويقترح آليات عمل منهجية، ما بين المثقفين والمفكرين وبيئتهم العربية الحاضنة، مع التركيز على دور الدوائر والمؤسسات الثقافية الرسمية، في صلتها بتبني الطروحات الثقافية العربية والأخذ بيد المفكرين وتحفيزهم على تحويل نتاجاتهم الإبداعية إلى مشاريع تسهم في النهضة والتنوير.يركز ميهوبي على أهمية المؤسسات الثقافية العربية، ودورها في محاربة الأفكار المتطرفة التي تعانيها الدول العربية الآن، وهو ما يصفه بحالة الفراغ التي أنتجت حالة منفلتة في المجتمعات العربية ويقول «الأفكار المنفلتة تنشأ دائماً داخل الفراغ، وهذه فكرة يجب ألا نستهين بها، فمع الوقت تتحول إلى بيئة حاضنة يصعب مواجهتها»، وهو يرى أن السبيل للخروج من مثل هذه الأزمة، يلقى في جزء كبير منها على المؤسسات الثقافية العربية التي بإمكانها أن تشكل حلقة وصل حقيقية للمفكرين والمثقفين العرب، بألا تترك مشاريعهم الثقافية في الأدراج، وهو يذهب بعيداً في هذا الاتجاه، ليشير إلى ما يشبه القطيعة الثقافية ما بين الدول العربية مجتمعة فيما يتعلق بهذه المشاريع، ويذكر بالمقومات المشتركة التي تجمع العرب كاللغة والدين والتاريخ، حيث لم تستثمر هذه المشتركات كما ينبغي لها، لتتحوّل إلى منظومة واحدة. تشخيص الحالة الثقافية وفي سبيل ذلك، يعتقد أن المؤسسة الثقافية العربية، مطلوب منها تشخيص الحالة الثقافية والفكرية في الواقع العربي، وينطلق من ذلك كله ليشخص علاقتنا مع الآخر، الذي فشلنا في الوصول إليه، لأسباب عدة، أولها ضعف علاقتنا بالمعرفة، والكتاب، وتنمية عادة القراءة، بين الأجيال، وهنا، يشير إلى واقع الإحصاءات العربية في هذا المجال، وهي مؤشرات بائسة تشير إلى خلل في تعاطينا مع المعرفة، ويطرح سؤالاً مهماً في هذا الاتجاه، حول كيفية الوصول إلى الآخر، فيركز على موضوع الترجمة ومراكز الترجمة العربية، التي لحد الآن، لم تترجم ما يتواءم مع عقل الآخر، فالآخر كما يؤكد عز الدين ميهوبي لا يقبل على كتاب يتحدث بحساسية عاطفية عن المجتمع العربي أو التاريخ العربي، وهنا، يشير مجدداً إلى التعليم، ويضرب مثلاً بدولة مثل سنغافورة التي لا يتجاوز عدد سكانها الستة ملايين، ولكنها مع ذلك تنفق ما يقدر بنحو ستة مليارات دولار على التعليم.والإشارة إلى سنغافورة، تعيد ميهوبي إلى موضوع اقتصاد المعرفة، الذي استثمرته دول آسيا كالصين والهند وماليزيا وغيرها، هذه الدول التي راهنت على دور التعليم والثقافة في بلدانها، ونجحت في استثمار ذلك في مشاريع اقتصادية وتنموية وتقنية ناجحة، حسنت من مشاركتها في المحتوى الثقافي والفكري العالمي، فيما ظل العرب يعيشون في مربع الفراغ، من دون أية مشاريع حقيقية تسهم في بث روح الأمل، ونبذ الخوف والإحباط، وصناعة السعادة المنشودة للفرد أو الإنسان العربي.المنطقة العربية كما يشير إليها عز الدين ميهوبي، تعيش في ظل ما تعانيه من حالات إحباط وفشل متكرر، وفي عدم قدرتها على استثمار ما لديها من مقدرات في مشاريع ثقافية وفكرية وتنموية، كما يقول، «وهي التي تمتد من الماء إلى الماء، فشلت في فك شيفرة المستقبل، وفي أن تتخلص من حالة الإحباط والدخول في عالم التطور والعصرنة والحضارة الجديدة».رهان عز الدين ميهوبي على الثقافة، والاستثمار في الثقافة، هو أحد الخيارات التي يتبناها بقوة، وفي هذا الإطار يتحدث عن الجزائر التي تتمتع بمناخ طبيعي يمتد بين البحر والصحراء، يؤهلها -إذا ما تضافرت الجهود - لتلعب دوراً مهماً في صناعة السينما، وإنشاء بنية تحتية، تشجع رجال الأعمال على الاستثمار في هذا الميدان وتحقيق ربح مادي معقول، فقد سبق له القول «الثقافة هي العروة الوثقى والقاعدة الصلبة لأي مشروع ناجح».وهو هنا، يشير إلى النخب العربية التي فشلت في تطبيق الأفكار والنظريات على أرض الواقع، هذه النخب التي وقعت أحياناً في مطب حالة ملتبسة روجت لخطاب فضفاض، وللخروج من هذه الأزمة يقترح أن نصرّ على بلورة خطاب ثقافي يجدد مفاهيمه، ويعمل على تطوير أدواته بمراجعة شاملة من قبل المثقفين والمفكرين، والمؤسسات الثقافية العربية مجتمعة، بما يوائم طموحات شعوبها، وبما يلامس المشكلات التي تعانيها الهوامش، وألا يكتفى بتمركز الثقافة في المدن الكبرى، والنخب الثقافية العربية كما يؤكد عز الدين ميهوبي، عليها أن تبدأ حالة مراجعة شاملة لكل هذه الإخفاقات وأن ترصد مكامن الداء وأسباب الفشل، ومنطلقه في هذا التوجه يبدأ من المثقف ذاته، الذي عليه أن يبدأ حالة من النقد الذاتي، ويقول، «إن النخب في أغلب البلدان العربية لم تنجح في تحويل الأفكار والنظريات والخطابات إلى ممارسات تتجسد في الواقع، وتحقق التحوّل المرغوب، إذ كانت هناك دائماً قطيعة بين النظرية والممارسة، وهذا ربما بفعل تراكمات تاريخية، واستعمارات طويلة، وسيادة البنية التقليدية، عموماً والخوف من الجديد، مما جعل طروحات الحداثة والعصرنة، تفشل أمام جيوش التخلف المنادية بالتقوقع في ماض مقطوع عن سياقه ومحصور في تصورات بالية لا يمكن أن تشكل أسساً لانطلاقة حقيقية، ربما نختزلها في عجز أجيال متتالية، منذ سقوط غرناطة وما بعدها، عن فك شيفرة المستقبل، فانكفأت في الماضي تبحث عن حلول مستحيلة في عالم متغير».يدافع عز الدين ميهوبي عن الثقافة الجزائرية، وهو يرى أن مساهمتها في رصيد الثقافة العربية، محل تقدير من كثير من المثقفين والمفكرين وكذلك المؤسسات الثقافية العربية، التي تستضيفهم في الملتقيات والمؤتمرات، بما أحرزه هؤلاء المثقفون من سمعة أدبية وإبداعية، فحصلوا على الكثير من الجوائز الأدبية العربية، في الإمارات ومصر ودول الخليج العربي، ويذكر بالاسم الروائي المعروف واسيني الأعرج، وكذلك الكاتبة أحلام مستغانمي، وهو يرى «أن الثقافة في الجزائر تتمتع بهامش من الحريات والمبدع يتحمل مسؤوليته أمام القارئ».من جهة أخرى، فهو يقف في وجه كل من يتهمون الثقافة الجزائرية بالتغريب، (في إشارة إلى الفرانكفونية) وتلك الصورة النمطية التي تكونت عنها في الخمسين سنة الأخيرة، ويؤكد أن هذه الصورة قد تغيرت، حتى في منتجها اللغوي، الذي يعتمد اللغة العربية إلى جانب الفرنسية وبعض اللغات المحلية أو القومية كالأمازيغية.وقد باشرت وزارة الثقافة الجزائرية في عهد عز الدين ميهوبي باتباع حزمة من الإجراءات، التي تسهم في تأمين انتشار ثقافي، بتبنيها لعدد من التشريعات الداعمة لتطوير بنيتها التحتية، يترافق ذلك مع هامش من الحريات التي تدعم آليات الثقافة بمختلف تجلياتها، ومن هذه الإجراءات إلغاء لجان رقابة، حيث يتحمّل الكاتب مسؤولية منتجه أمام القارئ والمتلقي على حد سواء.. وهو يشير إلى التعديل الدستوري الذي يختص بالثقافة في المادة 38 مكرر، ويتحدث عن الثقافة بوصفها حقاً مضموناً لكل مواطن، وهو ما يفرض تبعات، أهمها البحث عن العمل الثقافي الجيد، فالمواطن له الحق في المطالبة بمنتوج ثقافي دائم ومستمر في كل مكان. التحوّلات اللغوية الحماس الذي يبديه عز الدين ميهوبي نحو الثقافة العربية، لا يقل حماسة عنده في التركيز على اللغة، فقد استضافته أبوظبي قبل سنتين في محاضرة بعنوان «التحوّلات اللغوية في العالم ومستقبل العربية» بدعوة من الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، انطلق فيها من مقولة نعوم تشومسكي، «اللغة تولد في الإنسان مع ولادته، ومن ثم لاحقاً تختلف وتتنوع من جراء تعرّضه لمنبهات لغوية مختلفة».اعتبر ميهوبي حينها أن اللغات مخيّرة ما بين الاقتراض من اللغات الأخرى لكي تتطور وتحافظ على وجودها، ثم تطرق إلى «صدام اللغات» استناداً إلى مقولة للمفكر الأمريكي صاموئيل هنتنجتون يقول فيها «إن العالم يتوجّه نحو حرب حضارية تكون فيها القيم الثقافية والرمزية هي الحدود القتالية»، وقال ميهوبي «إن أفضل طريقة لقتل لغة هي بتعلم لغة أخرى، ومع النفي المتواصل للغات المحلية من النظم التعليمية، فإن هذه «الإبادة اللغوية» ستتسارع» مضيفاً: إنه لا يمكن الحديث عن اللغة العربية خارج نطاق ما يحدث في العالم من تحوّلات واضطرابات، وأن كل بلدان العالم تعيش حالة معينة من الجدل بشأن موضوع اللغة، وأن التحوّلات هذه تفرض علينا بذل المزيد من الجهود لحماية اللغة العربية، منوّها بضرورات القيام بعمل جاد واستثنائي لحماية اللغة العربية من أية مؤثرات، تحقيقاً للأمن اللغوي، وهو أمر تتداخل فيه الجوانب السياسية، مع الجهات الأكاديمية والإعلام والثقافة، بالإضافة إلى جهود وحرص الأفراد في المجتمعات العربية على تنشئة أبنائهم للحفاظ على لغتهم العربية التي تعدّ جزءاً من هويتهم. أصوات أسطورية كتبت عن ميهوبي الكثير من الدراسات والأبحاث التي تتناول شعريته، وتسلط الضوء على البنى الفاعلة في تشكل القصيدة عنده، ومن تلك دراسة لمليكة بورحلة، تناولت فيها تشكلات الرمز والأسطورة في القصيدة الجزائرية باختيار نماذج من قصائد ميهوبي.. وخلصت الدراسة إلى أن عز الدين ميهوبي، وظّف من الرمز ذكره للأوراس كرمز للبطولة والقوّة والنضال الشموخ الدّائم، إضافة إلى رموز أخرى كاللّيل الذي يرمز إلى السّواد، والخوف، والقبر الذي يوحي بالوحدة والموت، و«أيّوب» رمز الصبر والمعاناة، أما ما وظّفه من أسطورة، فيكمن في «العنقاء» التي تمثّل الخوف، و«البوم» التي توحي بالتشاؤم، حيث الأوساط الشعبية التي تفسر المواقف المفجعة، برؤية هذا الطائر، وهنا، يلجأ ميهوبي إلى إفراد ديوان كامل بعنوان «طاسيليا» في شكل أسطورة، على منوال الإغريق وميثولوجياتهم، فتتشكل أصوات أسطورية في النص، بحيث تظهر «طاسيليا» وهي المرأة التي يتصارع عليها «غيلاس» الرّاعي، و«أترار» إله المطر الذي أرادها كقربان ليجود على نوميديا بالماء، وفي النّهاية ينتصر الحب، باعتبار أنّه مثل الماء أهميّة كما يتّضح، وتجسّد قصيدة «طاسيليا» صراعاً بين الحبّ والكراهية، والموت والحياة، والقوة والضعف. إصدارات وجوائز في البدء كان أوراس (ديوان شعر)، الرباعيات (ديوان شعر)، اللعنة والغفران (ديوان شعر)، النخلة والمجداف (ديوان شعر)، ملصقات (ديوان شعر)، خالدات (نصوص تمثيلية)، كاليجولا يرسم غرنيكا الرايس (شعر) مترجم إلى الفرنسية والإنجليزية، عولمة الحب عولمة النار (شعر)، مع ترجمة إلى الفرنسية، التوابيت «رواية»، قرابين لميلاد الفجر، ومع ذلك فإنها تدور (مقالات)، طاسيليا (شعر)، منافي الروح (شعر)، اعترافات تام سيتي (رواية من جزأين)، لا إكراه في الحرية (مقالات)، أسفار الملائكة (شعر)، (اعترافات أسكرام) مترجم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، (جابولاني). وأصدر ميهوبي عدداً من الأوبريتات والمسرحيات الفنية ومنها: أوبريتات: «مواويل الوطن»، «قال الشهيد»، أوبريت «ملحمة الجزائر» عمل مشترك إنتاج مركز الثقافة والإعلام، «حيزية»، «ملحمة سيتيفيس». ومسرحيات: «الدالية»، «ماسينيسا»، «الفوارة» وغيرها.وقد حصل عز الدين ميهوبي على العديد من الجوائز الأدبية والإبداعية المحلية والعربية والعالمية منها:الجائزة الوطنية الأولى للشعر «قصيدة الوطن»، الجائزة الوطنية الأولى للأوبريت «قال الشهيد»، الجائزة الأولى للشعر، شهادة تشجيعية من رئيس الجمهورية، وسام مدينة بيتشيليا الإيطالية (مهرجان البحر الأبيض المتوسط)، ميدالية ذهبية باسم الجزائر، جائزة الأدب الرفيع، رجل العام الثقافي، اختير من بين أفضل 60 شخصية جزائرية لعامي 2003 و2004 في استفتاء جريدة «جزائر نيوز» حول أفضل 100 شخصية، كما اختير من بين أفضل 500 شخصية عالمية في موسوعة «who is who» الأمريكية للعام 2004، وقد تم تكريمه من قبل المعهد الأمريكي للبيوجرافيا 2006، وقد تولى رئاسة عدد من لجان التحكيم الأدبية والمسرحية، كما نحتت قصيدته «وطني» على لوحة رخامية على خط جرينيتش (إنجلترا) بمناسبة الألفية الجديدة 2000 إلى جانب 21 شاعراً عالمياً. عولمة النار يقول ميهوبي في قصيدته «عولمة الحب.. عولمة النار»:أتنفس من رئة الكلماتوتخنقني هدأة الصمتأقتات منيومني يكون الفتاتأنا طائر من ألقولي بينكم وطن من ورق.ومن قصيدته «فراشة بيضاء لربيع أسود»:يا راهبة العينينأنا الرجل الأبهىومقامك في الملأ الأشهىمن ثقب الحرف أطلوانصت للعصفور الخارج من كلمات الشمسهل يكفي العاشق حين يحب رحيق الهمس؟
مشاركة :