إن السينما هي أكثر الفنون قدرة على التغيير، حيث تشكل المادة الموجهة للجميع، وتكشف الخبايا وتسائل الزمن والواقع والأفكار، فلئن تقف الكلمة أحيانا عاجزة عن الوصول برسالتها إلى المتلقي فإن السينما بما تمتلكه من مزيج سحري بين الكلمة والصورة قادرة على النفاذ إلى أي متلق أيا كانت ثقافته. وإيمانا بقدرة السينما الكبيرة على التغيير والتأثير احتضنت مدينة السليمانية العاصمة الثقافية لإقليم كردستان العراق مهرجان السليمانية السينمائي الدولي في نسخته الثالثة، في محاولة لترسيخ السينما فعلا إبداعيا وفعلا إصلاحيا لأجل المستقبل المجتمعي والفكري والثقافي وحتى السياسي. منصور جهاني السليمانية (العراق) - اُختتمت مؤخرا فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان السليمانية السينمائي الدولي، حيث وزعت جوائزه في صنفي مسابقاته “سينما العالم” و”السينما الكردية”، على نخبة من الأفلام، كما اقتنص كلٌّ من المخرجين جعفر بناهي ومجيد مجيدي ونويد محمد زاده الجوائز الأصلية من المهرجان. يقول ملا بختيار مدير مهرجان السليمانية السينمائي الدولي “وضعنا أفكارنا الخلاّقة إلى جانب الأفكار الجميلة للمناطق المجاورة لنا، وفي نهاية المطاف غدونا جميعنا روضة للإبداع في المنطقة”. ويعرّج بختيار الذي يعد واحدا من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية في إقليم كردستان العراق على أهمية انعقاد هذا المهرجان. كما تقدم مدير هذا الحدث السينمائي بجزيل الشكر إلى السينمائيين الذين أثروا بحضورهم في إقليم كردستان العراق مصير هذه الدورة الثالثة من المهرجان، من دول؛ العراق، إيران، تركيا، سوريا، ودول الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا، ومن إقليم كردستان العراق، والعديد من الدول الأخرى، مؤكدا أن التظاهرة وفرت فرصة “لمواكبة العصر الراهن في مجال الحضارة السينمائية، ولنمتلك هويتنا الحقيقية، هويتنا الكردية والمدنية والفكرية”. السينما والهوية يؤكد ملا بختيار أن السينمائيين الذين شاركوا في المهرجان، أثروا من خلال حضورهم الشغوف في قاعات السينما والورشات التخصصية والحوارات حول الأفلام المشاركة فعاليات هذا الحفل السينمائي، قائلا “هذه فرصة لنا حتى نرسم نحن أيضا ملامح السينما الخاصة بنا، وأنا على يقين أن هذا النوع من المهرجانات أرضية جيدة من أجل بناء سينمانا الخاصة في المستقبل”. في المستقبل، سيكون لصناع الأفلام دور بارز في إحداث تغييرات ملفتة على الساحة السياسية والاجتماعية والفنية والثقافية ويتابع بختيار في سياق آخر من حديثه “لقد بدأنا متأخرين جدا في الساحة السينمائية، ولكن كما تشاهدون في مهرجان السليمانية للأفلام، قد حققنا التميز بشكل جيد وبأسلوب جميل. وبالتأكيد سيكون في المستقبل لصنّاع الأفلام دور بارز في إحداث تغييرات ملفتة على الساحة السياسية والاجتماعية والفنية والثقافية، ومن خلال آثارهم سيعزّزون هويتنا الوطنية أمام العالم أجمع”. ويضيف بختيار “السينما والفلسفة، السينما والفكر، السينما والديمقراطية، السينما وإيجاد رأي شعبي واقعي ونقدي، إن هذه المجالات جميعها لا يمكن أن تنفصل عن بعضها البعض، ومن دون السينما لا تنمو الفلسفة الاجتماعية ولا الديمقراطية ولا التعليم الاجتماعي، ولا يمكن لأي فرد من أعضاء المجتمع أن يبلُغ مكانته بأن يكون له دور مؤثر في التغييرات الاجتماعية والتقدمية”. ويعتقد مدير المهرجان أنه من دون السينما الواقعية ودون سينما الحداثة ومع كامل طاقاتهما وأرضياتهما، علينا ألّا ننتظر تحقيق تقدم سياسي وتغييرات استراتيجية في السياق الاجتماعي، مشددا أنه لو أردنا أن نحدث تغييرات فكرية وثقافية وديمقراطية في المجتمع، علينا أن نتمسك باستمرار مهرجان السليمانية السينمائي الدولي ليكون لدى أمتنا سينماها الخاصة التي تفتخر وتعتز بها. ويستطرد مدير مهرجان السليمانية للأفلام قائلا “لا تزال السينما هي الحصن والهوية الوطنية للأمم، حيث تكشف السينما عن طبقات الأمم المخفية والخفية للعالم، إذا لم تدرك شعوب العالم بعدُ معاناة الأكراد”. مؤكدا أن “السينما يمكن أن تصبح منصة لعرض تراجيديات الشعب الكردي والمآسي التي مرّ بها علاوة على أنها ستعرّف العالم على وجهات نظرنا”. لأجل المستقبل وطمأن بختيار القائمين على المهرجان بأنه سيظل إلى جانبهم داعما لهذه الفعالية السينمائية الفتية، في تكاتف لجعل فعالياته رسالة ثقافية كبيرة تقوم على فلسفة التغيير الاجتماعي الكبير وتحقيق الديمقراطية للجمهور وللمجتمع. المهرجان يعمل على مشاركة الثقافة المحلية مع الثقافات المجاورة، وتبادل الإبداعات مع مختلف الدول الأخرى ويضيف “عن طريق هذا المهرجان، نعمل على لمشاركة بأفكارنا مع ثقافات المناطق المجاورة لنا، ونتبادل إبداعاتنا مع إبداعات جيراننا، كما نشارك أفكارنا الجميلة والخلاقة مع الأفكار الجميلة للدول المجاورة لنا أيضا، وفي نهاية المطاف سنشهد جميعنا ونحن جنبا إلى جنب كيف تتبدل المنطقة إلى روضة للإبداع”. وفي سياق آخر من كلامه يقول بختيار “قدمنا الكثير والنفيس من أجل الحرية في هذه المنطقة، وإلى جانب هذه الحرية نودّ أن نمنح الفنانين قسطا منها لخلق آثارهم الفنية. وقبل كل شيء، نسعى إلى إطلاق سينما حرّة إلى جانب مستقبل ديمقراطي ومدني جميل وواعد. وسنواصل الاحتفال في مهرجان السليمانية السينمائي الدولي، إلى اليوم الذي سنهزم فيه جميع أعداء الحرية في هذه المنطقة، وسيعيش حينها جميع الأحرار تحت كنف حريتنا”. وفي ختام حواره يقول مدير المهرجان “أتمنى من السينمائيين الذين شاركوا بفعاليات مهرجان السليمانية السينمائي الدولي أن يحافظوا على صداقتهم وصلاتهم مع شركة ‘مستي فيلم‘ السينمائية”، وهي أحد الأطراف المشاركة في تنظيم التظاهرة، مضيفا “انتقدوهم وقيّموا أعمالهم بشكل بناء. قفوا إلى جانبهم حتى تكون الدورة الرابعة من المهرجان أفضل من سابقاتها، من دون شك لدينا برنامج واعد لمهرجان السليمانية للأفلام”.
مشاركة :