أثار "أديب" متخصص في النقد والأدب جدلا واسعاً بين المثقفين إثر تأكيده موت "الأدب"، موضحاً أن القراءة التي تعتمد عليها النصوص، تناقصت حتى أصبحت في "أزمة"، لها أسبابها، وتعقدت الرواية وأصبحت غامضة، حتى إنه بلغ الأمر في ذلك إلى عدم معرفة ماذا يريد الروائي من روايته، وأن الشعر أصبح أكثر كآبة وغموضاً وانشغالا بالذات، وما كان يطلق عليه أدب جاد أصبح الآن مجرد أدب موجه إلى شلل ونخب ضيقة. وقال الناقد أحمد سماحة خلال محاضرته بعنوان "موت الأدب .. بين الوهم والحقيقة" مساء أول من أمس في نادي الأحساء الأدبي: إن النقد الذي كان يوماً الخادم الممتهن للأدب تم إعلان استقالته، وبعضهم أعلن موته، لافتاً إلى أن السياسيين والفلاسفة هاجموا الأدب على أنه نخبوي وقامع للحريات، مشدداً على أن النشاط الأدبي كان محصوراً في الجامعات والكليات، وأنه لا يمكن تجاهل الأوضاع الاجتماعية والثورة التقنية التي حولت ثقافة المطبوع إلى ثقافة إلكترونية وفي أحيان كثيرة ليس الكل قادرا على اقتناء مثل هذه الثقافة، فالطرق الجديدة لاكتساب ونقل المعلومات تشير إلى نهاية عصر القراءة والكتابة. وأبان سماحة في محاضرته التي أدارها استشاري أمراض القلب في مركز الأمير سلطان لأمراض وجراحة القلب في الأحساء الدكتور عبدالله آل عبدالقادر أن مصطلح "موت" يشير إلى أنه كانت هناك حياة سابقة، وأن الموت لا يعني النهاية التامة بالضرورة "الفناء"، إلا أنه قد يوجد "أثر" لذلك، وأصبحت غير فاعلة، مبيناً أنه خلال دراساته الأدبية في الخارج اتضح له أن هناك اختلافاً واضحاً بين النص الأدبي "الأساسي"، والنص "المترجم"، لافتاً إلى أن مصطلح "أدب" لم يظهر إلا في نهايات القرن الـ18، وكان قبل ذلك يتداول أنواعا من "الإبداع"، والمصطلح الأكثر قدماً هو الشعر بمختلف أنواعه، وقد صور على أن الأدب أسطورة مغلقة لما له من سرية وغموض لاعتماده على الخيال والإبداع والأسلوب رغم عدم دقة ذلك، ذاكراً أن جامعاتنا في العالم العربي بدأ فيها الطلاب المتميزون والمتفوقون بالاتجاه إلى تخصصات بعيدة عن "الأدب"، وأن هناك انخفاضاً ملحوظاً في الدراسات الأكاديمية للأدب بنسبة كبيرة، وأن الأدب الإنجليزي انخفض كذلك، والدراسات اللغوية تراجعت كذلك، وأن ذلك تسبب في تدني مستويات القراءة والكتابة مقارنة بمستوى الأجيال السابقة، مشدداً على أن الأدب أصبح يحاكم كما يحاكم المجرمون، وذلك من خلال منظومة حقوق المؤلف والملكية الفكرية، وإمكانية تغيير العمل الأدبي واردة في السينما والمسرح. وأضاف: إن التقنيات الحديثة والاستنساخ الإلكتروني صعب تحديد الكتاب على أنه اختراع من التميز، يمكن أن تسجل له حقوق التأليف، وأن النقد الحديث جرد المؤلف من حقوق الملكية، وأنكر ملكية النصوص التي رأى هذا النقد أنها ليست نتاجا للإبداع الفردي، بل هي نتاج مواقف واتجاهات جماعية، وأن الذي صنعها هو الثقافة المحلية ولغتها، ولذا لا تنتمي إلى فرد وبهذا تنتقل حقوق التأليف بهذا اللون من النقد من المؤلف إلى المالك إلى الجمهور. وأضاف: إن معنى النص يحدده القراء وليس المؤلف، أو العمل الذي يضعه رجل أو امرأة، وفي أوقات مختلفة من التاريخ الإنساني كانت تتجمع قوى مختلفة تؤثر في القيم الثقافية والنظم الاجتماعية، موضحاً أن الكتب أضحت تنتقل من الرفوف إلى الرقائق الإلكترونية والأسطوانات التي تتشابه ولا تكشف عن الوضع المتميز للكتاب والمؤلف، وأضحى الناس يكتبون ويقرأون بدرجة أقل بينما تزداد مشاهدتهم للتلفزيون واستخدامهم الحاسوب والوسائل الأخرى للمعرفة، وتكشف الإحصاءات في الدول المتقدمة ومنها أميركا تدهور المهارات المرتبطة حتى بالقراءة والكتابة، وأن ثلاثة أرباع الإنجليز لا يشترون أي كتاب، وأن 64 % من أساتذة الكليات والجامعات يرون أن عددا كبيرا من الطلبة غير المؤهلين للحياة الأكاديمية مسجلون في الكليات والجامعات. وأمام ذلك، فتح النقاش للحضور في ختام الأمسية، الذين أكدوا أن "الأدب"، لم يمت، وأنه باقِ، وأنه ينتقل من صورة إلى صورة أخرى، ولا يمكن التعبير عن هذا الانتقال بـ"الموت"، وأن "الأدب" قد يتعرض لـ"المرض" وليس لـ "الموت"، وأن تحديد "الأدب" في أطر ضيقة، هو إحدى وسائل قتله، وأن الأدب في "خطر" ولا يمكن أن يصل إلى "الموت".
مشاركة :