أكد عضو هيئة تدريس جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور عبدالله سراج عمر منسي، أن الحفاظ على الوطن وسلامته مسؤولية مشتركة بين الحكومة والشعب، موضحا أن الجميع مطالب بتكثيف الجهود في كافة المجالات ليستمر التقدم والازهار والرخاء، مضيفا: «وحينما أتحدث عن سلامة الوطن لا أقصد سلامته بالتصدي للعدوان الخارجي، ولكن ما أعنيه هنا هو سلامة الوطن بمعناها الشامل».. وفيما يلي ما كتبه الدكتور منسي حول «سلامة الوطن»: في موقع الوطن تفسير لمقامه في التاريخ، وفي ماضيه بيان لمكانه بين بناة الحضارات، وفي حاضره نبأ عن كثير مما يحدث على وجه الأرض في مقبل الأيام. والحديث عن الوطن هو حديث ذو شجون ولا يعرف قيمة وقدر الوطن إلا من كابد الغربة وذاق لوعة الشوق والحنين إلى الوطن، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل المثل في حب الوطن، فبينما كان في طريقه للهجرة إلى المدينة تاركا وطنه (مكة) مضطرا نطق بكلمات ظلت – وستظل – نبراسا وهاديا لنا في حب الأوطان حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ, وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد ضرب لنا أروع الأمثال في حب الوطن والولاء له. وحينما جاهد الآباء الأوائل المؤسسون لدولتنا الحديثة عانوا مرارة شظف العيش والكفاح والحل والترحال، وخاضوا غمار الحروب والسياسة ليسلموا لنا راية الوطن عالية خفاقة هادئة مستقرة على أمل أن نحافظ على سلامته ونذود عنه بأرواحنا ونبني مستقبل أبنائنا، فماذا نحن فاعلون؟، وما هي المسؤولية المشتركة بين الحكومة والشعب في الحفاظ على الوطن وسلامته؟. أقول: ونحن إذ نحتفل في هذه الأيام المباركة بالعيد الوطني لمملكتنا الحبيبة (حفظها الله ورعاها ملكا وحكومة وشعبا) يجب أن نذكر أن الاحتفال بإعادة بناء وتأسيس المملكة لم ينزع من قلوب أبنائها شيئا من روعة ذلك اليوم العظيم، إنه اليوم الخالد الذي يزداد تألقه ويتجدد معناه، وبقدر ما يحسن الشعب صنع حياته الحرة بقدر ما يخلص حاملو مقدرات القصد والعمل ولقد مرت المملكة بمراحل عديدة وتجارب متنوعة خرجت منها – بفضل الله تعالى – متغلبة وظافرة. أما عن المسؤولية المشتركة بين الحكومة والشعب في الحفاظ على الوطن وسلامته فالجميع مطالب بتكثيف الجهود في كافة المجالات ليستمر التقدم والازدهار والرخاء في مملكتنا الغالية، وحينما أتحدث عن سلامة الوطن لا أقصد سلامته بالتصدي للعدوان الخارجي، ولكن ما أعنيه هنا هو سلامة الوطن بمعناها الشامل ومن ذلك: ـ حماية العقول من الأفكار الهدامة وعمليات التغريب (وخاصة عقول الشباب) التي تستهدف تدمير المجتمعات من الداخل، فحماية هذه العقول مسؤولية مشتركة بين الحكومة والأسرة والمجتمع، فالحكومة مطالبة بالحفاظ على الآداب العامة والأفكار والسلوك والعادات والتقاليد في المسجد والمدرسة والجامعة والأماكن العامة، والأسرة مطالبة – كذلك – بالحفاظ على أبنائها ومراقبة سلوكياتهم وتصحيح ما يعوج منها، والمعلم في مدرسته عليه مراقبة سلوك تلاميذه ووضعهم على الطريق الصحيح مرة أخرى إذا ما حادوا عنه.. وهكذا. ـ من دواعي الحفاظ على سلامة الوطن الحث على الإنتاج والابتكار في تنويع مصادر الدخل فمن المعلوم من الأمن الاقتصادي بالضرورة أن الاقتصاد القائم على تنوع الدخل يعطي الدولة قوة وزخما ويصبح لها حضور قوي في المحافل الدولية وكلما تنوعت مصادر الدخل كلما زادت قوة ونفوذ الدولة بينما الاعتماد على مصدر وحيد للدخل ( كالنفط مثلا) يجعل الدولة – أي دولة – عرضة لتقلبات الأسواق العالمية طبقا لحالة السلم أو الحرب، ومما يمكن وضعه في الاعتبار هو الاستفادة بأقصى قدر ممكن من القدرات والعقول البشرية التي حبا الله بها المملكة لتكون بدائل فعلية – وليست صورية – للعمالة الوافدة التي تستنزف موارد وقدرات البلاد الاقتصادية (فضلا عن مضارها الاجتماعية)، وعلينا أيضا الاستفادة من مبتكرات وإنتاج تلك العقول وتسويقها خليجيا وعربيا ودوليا، وبفضل الله تعالى لم تخل بلادنا من هذه العقول وتلك الكفاءات التي هي قادرة بإذن الله تعالى على تحقيق ما نصبو إليه من رفعة بلادنا في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية. ـ ومن سلامة الوطن أيضا ترسيخ فكرة المواطنة وحب الوطن - كما ذكرت آنفا - في نفوس الجميع وذلك من خلال منح المواطن حزمة من المحفزات الاجتماعية والاقتصادية التي تشعره بالاستقرار وتجعله يستشعر عظم ما يقع على عاتقه من مسؤولية، فما وقد حصل على حقوقه لذا وجب عليه أن يؤدي ما عليه من واجبات، ولن يكون لديه أية مبررات لكي يتكاسل أو يتراخى في أداء عمله وواجباته تجاه مجتمعه، وحينما تمنح هذه المحفزات للمواطنين (كل بقدر عمله وجهده ووظيفته) ستعم العدالة الاجتماعية التي هي حصن لكل المجتمعات البشرية وبذلك نستطيع المحافظة على السلم الأهلي والمجتمعي في المملكة. ـ ومن أساسيات الحفاظ على سلامة الوطن – أيضا – الحفاظ على الترابط الأسري والمجتمعي، فنحن ولله الحمد والمنة قد حبانا الله بمجتمع مترابط منذ القدم لا يعرف له التفكك طريقا ولا سبيلا ولم تشهد بلادنا – بفضل الله تعالى – ما تشهده بعض دول الجوار من مشاحنات واختلافات تهدد كياناتها وتنذر ببوادر التدخل الأجنبي مما ينتج عنه أوخم العواقب والأخطار على سلامة الأوطان، فلذا وجب علينا الاستمرار في الحفاظ على هذا الترابط والعمل بكل جدية على إزالة أية مشكلات قد يصادفها المجتمع، ولدينا من الكفاءات الإدارية والدينية والسياسية ما يكفل لنا كل هذا. الخلاصة، أننا إذا استطعنا الحفاظ على سلامة الوطن في الداخل بالحفاظ على الأخلاق والعادات والتقاليد وبتحقيق السلم الأهلي، والرخاء الاقتصادي، وتثبيت المواطنة الصادقة في نفوس المواطنين سهل علينا حماية الوطن من أعدائه في الخارج، بمعنى آخر (حماية الأوطان من العدوان الخارجي تبدأ بتأمين الجبهة الداخلية). هذا غيض من فيض، وفي النهاية يجب أن نذكر الجميع أننا إذ نحتفل باليوم الوطني للمملكة لا يجب أن ننسى من ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل رفعة واستقلال وسلامة هذا الوطن، فإننا أمام أرواحهم وأمام بناء الوطن نجدد العهد على أن يكون رائدنا (كما جهدنا دائما) أن يكون المضي في تحقيق ما آمنا به ضمانا لسيادة مملكتنا الحبيبة ونظامها، وحريتها، وازدهارها، وهناء أبنائها في يومها وغدها، أمد الله بلادنا (ملكا وحكومة وشعبا) بمدد من عنده وهداه ونوره الذي يقود وطننا دائما إلى العزة والسيادة، اللهم احفظ البلاد والعباد.
مشاركة :