التغير الابرز في الحزب الديموقراطي الأميركي هو بروز مرشحين جدد، من النساء والشباب على وجه التحديد، ممن شنوا حملة يسارية الميل وفازوا بعدد من المقاعد في واشنطن أو في المجالس المحلية. ولم يكن الفوز من نصيبهم كلهم. ولكن قوة هؤلاء المرشحين، وبعضهم يقدم نفسه على أنه اشتراكي ويرفع لواء مشروع تقدمي، لا يستهان بها. وتعود هذه الظاهرة المتعددة الى الابعاد الى عدد من العوامل منها مشاركة الشباب في حملة بيرني ساندرز، المرشح الديموقراطي في 2016- وهي أول مشاركة لهم في الحياة السياسية؛ وإلى انتخاب دونالد ترامب وإحكام الجمهوريين القبضة على الحكومة الفيديرالية. وخلفت السيطرة الجمهورية هذه ردوداً سلبية في معسكر الديموقراطيين، فزاد إقبالهم على الالتزام السياسي والانخراط. وساهمت مناوأة ترامب النساء، وحركة «مي تو»، في تعبئة الناخبات. ولست من دعاة رص صفوف الديموقراطيين وتوحدهم قبل أن يحسم السباق الحزبي بينهم. فالخيار أولاً للناخبين، وبعدها ترص صفوف الحزب. واليوم، عشية الانتخابات النصفية، الدعوات الى الوحدة مرحب بها. فعلى الديموقراطيين السعي الى الإمساك بمقاليد مجلسي النواب والشيوخ إذا أمكن. ولكن حين تطوى صفحة الانتخابات النصفية، سينزلق الحزب الديموقراطي إلى حملة 2020 الرئاسية. والقرار يعود إلى الناخبين في اختيار مرشحهم ووجهة الحزب. وتشير أسماء المرشحين المحتملين إلى انتخابات 2020 التمهيدية إلى الانعطاف اليساري في الحزب الديموقراطي. فإليزابيث وارين هي تقدمية ذائعة الصيت. وانعطفت سناتورة نيويورك كيرستن جيليبراند الى اليسار، شأن كوري بوكر، السناتور في نيوجيرسي. وحظوظ بيرني ساندرز كبيرة للترشح من جديد عن الحزب الديموقراطي. وإلى اليوم، جو بايدن، نائب الرئيس السابق، هو المرشح اليميني المتوقع اليتيم عن الديموقراطيين. وأشعر بأن السباق الديموقراطي التمهيدي لن يحتدم على نحو ما حصل في 2016. ولا أتوقع أن ينقض الجناح الوسطي على الجناح التقدمي، بل أرى أن معظم المرشحين قد يلتزمون خطاباً تقدمياً من دون ما يترتب عليه من سياسات. فعلى سبيل المثل، استبعدت هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية السابقة مشروع «مديكير فور أول» (مشروع التأمين الطبي العام والجامع)، ورأت أنه متعذر التنفيذ. ولكن مذ ذاك، أعلن 17 شيخاً (سيناتور) في مجلس الشيوخ مثل هذا المشروع. وهؤلاء الشيوخ مرشحون محتملون للسباق في 2020. وشطر منهم لا يرى أن المشروع قابل للحياة، ولكنهم لا يرفضونه، بل يؤيدون مبدأ التأمين العام والشامل، وقد يتبنون لاحقاً قوانين بديلة متواضعة وأقل طموحاً. وتشير استفتاءات الرأي الى أن مشروع «مديكير للجميع» بالغ الشعبية، شأن توسيع برنامج «الضمان الاجتماعي» للمتقاعدين وهذا التأييد الشعبي لمشروع الصحة العامة لا يخفى المحللون في الحزب الديموقراطي، ويرون أن شطراً راجحاً من الناخبين الديموقراطيين يرغبون في مسؤولين أكثر فتوة يميلون أكثر إلى اليسار. ولم تخف نخب الديموقراطيين الحماسة للناخبين الشباب الديموقراطيين. ولذا، تسعى النخب هذه إلى التعاون معهم واستمالتهم. فكفة الجناح التقدمي ترجح في الحزب الديموقراطي. والجناح هذا ينحو إلى الفوز بـ «معركة الأفكار». ولكن رجحان كفة التقدميين هو مصدر خطر على التقدميين نفسهم. فقد يسري الشقاق بينهم ويتنازعون على من منهم هو التقدمي الحق، من دون رفع لواء اقتراحات سياسية فعلية. وهذا قد يؤدي إلى الالتباس والخسارة. * كاتب، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 19/10/2018، إعداد منال نحاس
مشاركة :