القاهرة - رحل الفنان التشكيلي المصري محمد صبري (1917-2018) أحد رواد الحركة التشكيلية وصاحب الرحلة الإبداعية الممتدة منذ بدء نشاطه في الحركة الفنية التشكيلية عام 1936، والذي يعد واحدا من أشهر أساتذة الباستيل على مستوى العالم، حيث التحم بالأحداث الوطنية الكبرى وسجلها بريشته البديعة كما استهوته الآثار المصرية القديمة والمناظر الطبيعية والنيل والحياة في الأقصر وأسوان وأحياء القاهرة القديمة. وخلال رحلته لم يتوقف الفنان المصري الذي وافته المنية الثلاثاء عن عمر ناهز المئة عام، عن العطاء والإبداع الذي عبّر به عن الكثير من هموم وشجون المصريين خاصة بعد ثورة يوليو 1952، حيث رسم مقاومة المصريين في معركة بورسعيد، ورسمهم وهم يبنون السد العالي، وسجل لحظات العبور 1973 ورصد ملامح السلام. وبرع صبري في رسم القاهرة الإسلامية في لوحاته بشوامخها في العمارة، وكذلك القاهرة الشعبية بأحيائها التي تضم أدق الصناعات، كما برع في التعبير عن القرى المصرية بأحيائها الشعبية ومفرداتها البيئية شديدة الخصوصية. ويذكر له أيضا لوحاته التي رصدت لجماليات الإبداع العربي من خلال رسمه للآثار العربية في إسبانيا كقصر الحمراء والجامع الكبير في غرناطة وغيرهما، وهو الذي عرضت له أكثر من ثلاثين لوحة بصالون جويا بجمعية الفنون الجميلة بمدريد، وقد منحته الحكومة الإسبانية وسام الاستحقاق بدرجة فارس. وفي المغرب أيضا قضى صبري عامين بين 1956 و1958 رسم خلالهما أهم الأماكن التاريخية بها وجوانب الحياة، ويقول صبري عن لوحاته لكل من إسبانيا والمغرب “إنني أعايش المكان بكل جوانبه، فحينما أرسم في إسبانيا كنت أرسم وكأنني واحد من أهلها على حد قول النقاد هناك، وكذلك المغرب أتأقلم مع المكان وأعايشه معايشة كاملة وأترجمه بمشاعري وأحاسيسي حتى ينتهي إلى العمل الذي يحمل مناخ وبيئة المكان شكلا وروحا”. وولد الفنان المصري محمد صبري بالقاهرة في الحادي والعشرين من ديسمبر 1917، وحصل في العام 1937 على أول دبلوم في الفنون التطبيقية من قسم التصوير، ثم حصل على درجة الأستاذية في نفس التخصص من كلية الفنون الجميلة بسان فرناند وبمدريد عام 1952، وهي تعادل درجة الدكتوراه المصرية، كذلك حصل على دبلوم الدراسات الإسبانية من كلية الآداب بجامعة مدريد عام 1956. وحصل صبري أيضا على عدة جوائز أولى وأوسمة إلى جانب شهادات تقدير وتكريم من عدة وزارات وهيئات محلية وخارجية، كما حصل على عضوية شرف وجمعيات فنية في مصر وإسبانيا، وقد أقامت له وزارة الثقافة بإسبانيا تسعة معارض شرفية. وأقام صبري أربعين معرضا خاصا، محليا وخارجيا، بين 1943 و2002 في مصر، إسبانيا، المغرب، البرتغال، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا والبحرين، وتحضر مقتنيات الفنان في 24 متحفا ووزارة وهيئة في مصر، إسبانيا، المغرب، بريطانيا، إيطاليا، السعودية، الإمارات، سويسرا، أميركا، روسيا، الكويت، عمان وقطر. وعن الراحل يقول الناقد التشكيلي المصري صدقي الجباخنجي “فن محمد صبري هو من النوع المنتمي إلى الواقعية التأثرية التي لا تعرف زيفا أو خداعا، ونجده يصدّق حسه على لوحات تمثل الأحياء الشعبية والمناظر الطبيعية في القاهرة القديمة وأسوان وفي الأقاليم الإسبانية والمغربية، مستخدما ألوان الباستيل التي ملك زمامها وسيطر عليها ليحقق أغراضه في تشكيل القيم الجمالية التي ينشدها بغير عناء أو تردد أو غموض”. كما قال عنه الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة “لُقب الراحل برائد فنان الباستيل، لصعوبة الرسم بهذه الخامة”، وتابع “برحيل محمد صبري، ينتهي فن الباستيل بمصر، حيث لا يوجد له تلاميذ في مكانة صبري، الذي رحل عن عالمنا بعد مسيرة ناهزت القرن من الإبداع الفني”. وينفرد محمد صبري من بين زملائه الفنانين المصرين المعاصرين بالتصوير بالباستيل الذي يسميه البعض جزافا “طباشير”، وهو تشبيه خاطئ ولا يجوز الخلط بينهما قولا أو استعمالا، والفرق بينهما كالفرق بين الألوان المائية وألوان الغواش وألوان الأكريليك وجميعها تذاب في الماء عند استعمالها، ولا يمكن قبول الزعم بأنها متشابهة.
مشاركة :