لا أكتب ما يخطب ود القارئ، بل ما يمكن أن يزرع فيه الحيرة!

  • 11/2/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تمرد على القوالب الجامدة، فأبدع في كتابته، مفسحاً المجال لمخيلته كي تجدد وتتحرر، فانسابت كلماته بين مقاطع شعر وومضات ونثر، تاركاً لوحات فنية أدبية بتجربة إبداعية في الكتابة والأدب، إنه الكاتب والشاعر المغربي «سامح درويش» (عضو اتحاد كتاب المغرب، عضو بيت الشعر في المغرب، رئيس « نادي الضفادع» بوجدة، ومدير تظاهرة «الموكب الأدبي» وغيرها من المناصب والعضويات التي لا تنتهي)، التقته «اليمامة» وكان لنا هذا الحوار: * أنت مبدع في شعر «الهايكو»، هل لك أن تحدثنا عنه قليلًا وعن تجربتك فيه؟ - الهايكو هو لون شعري من منشأ ياباني، له قواعده الكلاسيكية والإيقاعية الخاصة على الرغم من تطوره وتحوله في مختلف شعريات العالم. الهايكو هى لحظة استنارة كاشفة، تأتي بغتة كأي رعشة وجودية لم تكن في الحسبان، ثم تتشكل شهاباً مدهشاً، مما يجعل من ممارسة الهايكو مثل صلاة في الهواء الشعري الطلق، صلاة يلتحم فيها المشهد أو اللحظة بالحمولة الرؤيوية للهايكيست، لتتفتّق الدهشة بصفاء وبراءة طفولية، فلا يذهبنّ أحدٌ للبحث عن الهايكو عبر تمرينات ذهنية أو فذلكات لغوية، لأن الهايكو - عادة - هو الذي يأتي بفجائية وبساطة ومن غير أي بهرجة أو كرنفالية زائدة، إنه - بالنسبة لي - أشبه ما يكون بالتماعة عينيْ قط في الظلام، عليّ أن أوصلها للمتلقي بما يعادل دهشة وجمالية وتلقائية، تلك الالتماعة كما تحدث على حين غرّة في الواقع، إنها شحنة دهشة خاطفة تنقشع في دفقة واحدة، لتبقى مثل نقش ضوء على صفحة الروح، الهايكو في سريرة نفسي مقترن بطائر السُّبَد (مُلهِي الرعاة)، كلما حلّ حلت معه صورة هذا الطائر المتفرد الذي كلما اقتربتَ منه واعتقدتَ أنك على وشك القبض عليه يطير أماما، ثم يحط غير بعيد عنك ليعطيك انطباعاً مستمراً أنك قادر على القبض عليه، من غير أن تتمكن من ذلك في النهاية إلا إذا حدثت أعجوبة ما، ولا أظن أنه في حياة المرء يمكن أن تحدث أعجوبات كثيرةً! * مثلما تقلصت القصة القصيرة وصارت «ق.ق.ج» وومضة، هل يتقلص الشعر ليصبح شذرات؟، وهل الاختصار بات ثيمة هذا العصر؟ - بالتأكيد، فإن العصر هو عصر سرعة بامتياز، واستثمار الزمن والفضاء هو خاصية من شأن تملكها أن يساعد على تملك أسباب التحضر والرقي، كما أن الأجناس الأدبية تظل في تطور مستمر يسمح لها بالاستجابة لمعطيات العصر الذي تنشأ وتتطور فيه، ومفهوم الزمن وكيفية التعامل معه موجودان باستمرار في صلب هذه الأجناس الأدبية، إذ لم يعد الآن الوقت ولا الفضاء يسمحان بالوقوف عند معلقة من عشرات الأبيات والاستمتاع بما فيها من صور فنية وبلاغية، بقدر ما أصبح العصر يتطلع إلى متعة مكثفة تشكل شحنة إيجابية للروح، وما الشذرة والومضة الشعريتان إلا إفراز لهذا الواقع. * تظهر الفلسفة جلية في شعرك، ألا تجد أن ذلك قد يسبب بعض الصعوبة لدى القارئ؟ - إنني أعتبر أن الشعر هو أب الفلسفة، وهو منطلق طرح الأسئلة الفلسفية، أي تلك الأسئلة المتعلقة بالوجود وتمظهراته، لذا فإنني حين أكتب فإنني أفعل ذلك من هذه البؤرة بالذات، وبالتالي فأنا لا أكتب ما يخطب ود القارئ، بل ما يمكن أن يزرع فيه الحيرة، ويحمله على التفكير والتدبر، بل ما يصدمه أحياناً. * قلت سابقاً إن «الشعر هو الأصل في مشروعك الإبداعي»، فما نصيب النثر منه؟ - هذه هي الحقيقة، فقد كان لي أول تواصل مع اللغة عبر الشعر، حيث بدأت كتابته منذ يفاعتي ولي ديوان شعر عمودي غير منشور بعنوان «في حداثة أشعاري»، كتبته وعمري لا يتجاوز سبع عشرة سنة، غير أنني في لحظة ما بعد ذلك شعرت برهبة كبيرة أمام الشعر، فبدأت أكتب النثر كأسلوب لمقاومة تلك الرهبة، وكانت حصيلة هذه المرحلة مجموعتي القصصية «هباء خاص» التي لم تكتب في البداية بخلفية قصصية، بقدر ما كتبت بوصفها نصوصاً مفتوحة بلغة الشعر، ثم كتبت بعد ذلك رواية «ألواح خنساسا» التي استعارت في شكلها النفس الملحمي، وهي رواية مكتوبة كلها على شكل الألواح القديمة وبتقنياتها وشخوصها، هذا وقد ظل الشعر خلال كل ذلك يشكل بطارية الشحن الإبداعي، لأعود بعد ذلك إلى كنف كتابة الشعر في تجارب متنوعة، لعل آخرها كتابة الهايكو. * هل توافق على وصف إسلوبك ب «السهل الممتنع»؟ - إنها «العبارة النقدية المسكوكة، السهل الممتنع، شخصياً لا أرى صعوبة في ما أكتب، وعلى القارئ أن يبذل قليلًا من الجهد، نعم قد تكون للنصوص إيحاءات وظلال متشابكة، لكن ليس إلى حدود أنها تصبح ممتنعة. * حدثنا عما تخبئ في أدراجك من مخطوطات لم تخرج النور بعد؟ - صدر لي هذه الأيام كتاب «النقد القصصي المغربي: المفاهيم والبنيات»، وتعود المسودة الأولى لهذا الإصدار إلى سنة 2002م، حيث كان ثمرة بحث في النقد المغاربي، ومعي الآن ثلاثة دواوين جاهزة للنشر هي «كأي جدول في المنحدر»/ شعر، و«ما أكثرني مع قطرات الندى أتقاطر» و«عصافير تحلق في الأعماق» وهما ديوانا هايكو. * هل لنا أن نختم حديثنا بالشعر... - هكذا أحبُّ، أنْ أصْغُر وأصْغر وأصْغرْ حتّى أصيرَ بِقامَة زهْرةً في الخَلاء، بلا اسْمٍ ولا أصيصٍ ولا سياجْ. يكْفيني أريجِي وكأسِي وتويْجي وبَتْلاتي، يكْفيني حَنانُ الرّياحِ في الرّبْع الفَسيح. هكذا أحبّ، أنْ أنسى من أنا، وأصيرَ زهْرة في الخَلاء.

مشاركة :