مستوى الوعي المجتمعي أصبح مناسباً للدخول إلى بوابة المستقبل

  • 11/2/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

نشأت في مدينة تعد إحدى مدن التراث العالمي وأرض الحضارات. فاتخذت من جداول الأحساء سبل العطاء، متسلحة بالقراءة كفاتحة لها في تكوين شخصيتها العلمية، بشكل متوازن للكون والإنسان والحياة. ضيفتنا البروفيسورة هدى بنت دليجان الدليجان، أستاذة التفسير وعلوم القرآن بكلية الآداب في جامعة الملك فيصل بالأحساء، وهي تشرع نوافذ القلب ل (اليمامة)، أكدت على دور والديها وأسرتها الصغيرة في دعم مسيرتها العلمية، وأن حصولها على درجة الأستاذية في الدراسات القرآنية، لا يمنعها من الارتشاف من معين العلوم والمهارات في رحلة الأيام.. وقضايا أخرى تطرقت إليها من خلال هذا الحوار. النشاة والطفولة * بأي أرض دوى صوت مولدكِ؟، وتحت أي سماء عشتِ فترة الطفولة والصبا؟ - ولدت بمدينة الأحساء.. الواحة الطيبة.. أرض النخيل والجود والكرم، والتي أصبحت الآن إحدى مدن التراث العالمي. هي أرض الحضارات، ومحل القبول والتنوع والجمال. نشأت بين نخيلها ومياهها الصافية.. وبين قلوب أهلها الكريمة البيضاء. فالأحساء لها بصمة تطبع على نفوس أهلها والعابرين لها، بصمة حب واحترام ووفاء لكل ذرة من ترابها الخصب. * رحلة الألف ميل في ميدان التحصيل الدراسي.. من أين بدأت؟، وإلى أين وصلت؟ - من نعم الله الجليلة، بدأت دراستي الابتدائية المبكرة في المدرسة السادسة بالهفوف، ثم انتقلت إلى المتوسطة الخامسة بالهفوف أيضاً، وكنت بين زميلاتي الأولى دوماً مع حلة أسرية من الذكاء والألمعية، يجلله جلال الحياء والنبوغ المبكر. ثم انتقلت إلى الثانوية الأولى بالهفوف، وكانت فاتحة تكوين الشخصية العلمية، ومرحلة النضج الذهني بحب العلوم، والانسجام مع التعلم الذاتي، والتكوين الأولي للقراءة المتوازنة للكون والإنسان والحياة.. تحقيقاً للكلمة الخالدة التي نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الحكيم «اقرأ»، فالقراءة رحلة علم زاهرة، ونزهة عقل ناضرة، ولن ترسو مراسينا حتى تنقطع الأنفاس، فهي زاد المقيم، وأنيس المسافر، ومؤونة عابر السبيل. وقد أورثني حب القراءة خيراً كثيراً من العلوم والمهارات التي ما زلت أرتشف من معينها في رحلة الأيام، وأتفيأ ظلالها في منهجية البحث العلمي. فمنهجيتي العلمية سواء في تلقي العلم أولاً، أو في التدريس لطالباتي، أو في البحث العلمي.. مبنية على التزود من القراءة في العقول والكتب والمواقف؛ لنضع لبنة ذهبية قوية في بناء العلم والمعرفة، وفتح مساحات للعقل؛ ليسيح بين الأفكار والمقولات والآثار، فيختار الصحيح القوي، ويترك الضعيف الهش الزائل لا محالة. «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» (الرعد:17). بل من أسعد اللحظات الأكاديمية، حينما تتوجه طالباتي للبحث في المسائل والأدلة بالحجة والبرهان. ثم أنهيت تلك المرحلة، بالحصول على المركز الخامس على المنطقة الشرقية في القسم العلمي، بفضل من الله وتوفيقه. لذلك تعددت الاختيارات الجامعية، وكان الهدف سامياً مشرقاً بحب الوطن وخدمته، كسمو نجمة في سماء الوطن الكبير، حباً وولاء وانتماء وعطاء لا ينضب. كما قال الشاعر المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فالوطن أعطانا الكثير من جمايل المعروف، وأصايل الخير، مما يستلزم أن نرد له ما يقدمه لنا بحمد الله من الأمن والأمان والتأهيل والتمكين؛ فاتجهت إلى كلية الطب في جامعة الملك سعود بالرياض، وكانت إحدى الكليات المرموقة بين الكليات بما تضم من رموزها ومناهجها وتجهيزاتها الطبية في المستشفيات الجامعية، وكان خياراً لا مناص منه، ولو نزعوني من بين نخيلاتي نزعاً.. كما قال الوزير الاستثناء ابن الأحساء د.غازي القصيبي في قصيدته الشهباء في أم النخيل: أتذكُرينَ صبيّا عادَ مُكتهلا مسربلاً بعذابِ الكونِ... مُشتملاً؟ أشعاره هطلتْ دمعاً... وكم رقصتْ على العيونِ، بُحيراتِ الهوى، جَذلا هُفوفُ! لو ذقتِ شيئاً من مواجعهِ وسّدتِهِ الصدرَ.. أو أسكنتِه الخُصَلا فكان أول فراق للوالدين والأهل والبيت والمدرسة والصديقات. في أثناء هذه الرحلة تزوجت وانتقلت مع زوجي للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تغيرت الظروف كزوجة، وأم لطفلة صغيرة تنتظر منها الحب والحنان. ثم اتجهت بحمدالله للدراسة العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وحصلت على الترتيب الثاني بين طلاب وطالبات الدفعة من كلية أصول الدين، ليتهيأ لي الإعادة في كلية التربية / قسم الدراسات الإسلامية، ثم انتقلت إلى الدمام حاضرة المنطقة الشرقية؛ لإكمال دراساتي العليا في كلية الآداب للبنات التابعة لجامعة الإمام عبدالرحمن الفيصل حالياً في تخصص التفسير وعلوم القرآن؛ لأنهي دراساتي العليا الماجستير والدكتوراه بفضل من الله بتفوق وفي فترة وجيزة؛ لتترقى هذه الرحلة العلمية بالحصول على درجة الأستاذية العالمية عام 1434ه/ 2013م؛ لأكون أول بروفيسورة في الدراسات القرآنية من العنصر النسائي في المملكة العربية السعودية. هذه الدرجة معروفة لدى الأوساط العلمية، إذ تنوء بتحمل الأمانة العلمية من الواجبات ومعالي التكليفات كالإشراف على الرسائل العلمية ومناقشتها، وتأدية البحث العلمي، والتحكيم العلمي، والتقويم والنظر في كل ما يصل إلينا من الدراسات؛ للتطوير والتقويم، فأسهمت في تحكيم كثير من ملفات الترقيات العلمية، والبحوث المنشورة، والمقالات العلمية الرصينة في المجلات العلمية المحكمة محلياً وخليجياً. وقد توازت مع رحلتي العلمية، رحلة العمل الأكاديمي بعمق خبراته وروعة أيامه كرئيسة قسم، ثم وكيلة لكلية التربية، ثم وكيلة لأقسام الطالبات بجامعة الملك فيصل، ثم مستشارة لمعالي وزير التعليم العالي، ثم وزير التعليم - حفظهم الله ورعاهم. وكانت هذه التكليفات والاستشارات هي بيت الخبرة الذي يصنع العقول الواعية، بما تخللها من العمل مع مجموعة من الكفاءات الوطنية العليا والخبرات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والعالمية، مع الحرص على المشاركة في المؤتمرات العلمية والإفادة منها، وتمثيل الوطن في مختلف المحافل العلمية، وتنمية المعرفة في مجال العلاقات الإنسانية، والقيادة الأخلاقية، ودعم المشاريع الوطنية في مختلف المجالات التنموية المباركة؛ للإسهام في بناء التنمية في وطننا الغالي، بسواعد نسائية، وأنامل ذهبية مباركة من بناتنا الفتيات السعوديات. دور الأسرة * ما تأثير الأسرة في مسيرة تعليمك، وحصولكِ على أعلى درجة علمية في مجال تخصصكِ؟ - قال تعالى: «وبالوالدين إحسانا» (الإسراء:23). فأي كلمة يمكن أن تصف هذه الكلمة المباركة من تعدد وجوه البر والإحسان والعطاء الذي لا ينضب. فالوالدان هما روح الحياة، وجذور الأمل، وموطن السعادة والإحسان. هما المعلم الأول، والقائد الفذ، والتاج الكريم. أمي هي النبيلة أمينة بنت عبدالعزيز العويصي، فخر النساء، وملهمة الحكمة، وعصب الدهر، رحمها الله، وغفر لها، وأسكنها فسيح الجنان. وهي كما وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم - رحمه الله: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالريّ أورق أيما إيراق الأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق ووالدي هو الرجل الإنسان رفيق الحب والدمع والعنوان لكل كرم: دليجان بن عبدالله الدليجان، رفيع الأدب، وجميل اليد، وفريد الوجدان - حفظه الله وأطال في عمره بعافية. كانت أسرتنا الصغيرة عنوان الحب، ورابطة الود، ومرتع المجد.. فكنت الابنة الوسطى بين أخواتي وإخواني الكرام. وزوجي الكريم، وأسرتي الصغيرة وأصدقائي الأوفياء بحمدالله لهم أفضال عظيمة، وأياد كريمة في دعم مسيرة الطموح والنجاح والتألق لتلك الشعلة النابضة. وتبقى الرابطة الأسرية، والعلاقات الاجتماعية، رافداً من روافد نجاحي وانطلاقتي لخدمة ديني ومليكي ووطني في كل مجال.. فما بكوا يوماً من كثرة انشغالي، وما اشتكوا من هجير الزمان وعرصات الحياة. بل أقرأ في عيونهم دوماً الولاء والفخر والتقدير لخدمة هذا الوطن بالنفس والنفيس، والعزيمة والإصرار والدعم والتشجيع؛ لتحقيق طموحات الوطن بكل حب وانتماء ووفاء؛ ولبلوغ مستقبل مشرق في ظل قيادتنا الحكيمة، حفظهم الله وسددهم. مفاتيح ذهبية * من أوجد فيكِ حب التخصص في الدراسات الإسلامية، وتحديداً في (التفسير وعلوم القرآن)؟ - هي عملية تراكمية طويلة، بدأت بحمدالله بالقراءة العلمية التحليلية العميقة، فالتفسير هو الأب الروحي لجميع العلوم؛ لارتباطه بأعظم الكلمات الإلهية التي نزلت في هذا الكون، وهي القرآن الكريم، فاللغة العربية والطب والتاريخ وعلم الاجتماع والفلك والرياضيات والأحياء والكيمياء والفيزياء، هي مفاتيح علمية لمنابع العقل والفكر والإرادة. هذه المفاتيح الذهبية أوصدت لديَّ أبواب الجمود والانغلاق، وفتحت لي أبواب الشغف والاستكشاف للعلوم، لأنظر للحياة بمنظار واقعي للحياة وما فيها من متغيرات ومستجدات مع المحافظة على الأصالة والتراث. ومع انطلاقة الرؤية الحديثة للمملكة العربية السعودية 2030م، تحولت تلك النظرات والأفكار الصغيرة إلى نخلات باسقات من المشاريع الحية النابضة، التي تعانق عنان السماء أملاً وطموحاً وعطاًء. لقد فتحت لنا هذه الرؤية السديدة من سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آفاقاً واسعًة للاستكشاف والفخر والاعتزاز بكل فكرة يمكنها أن تتحول إلى مشروع في الريادة العالمية، والتألق والنجاح في برنامج التحول الوطني، سواء كانت مبادرات نوعية، أم تجارب ملهمة لأبناء الوطن الغالي. يقول الفيلسوف الأمريكي هنري ميلر: «لعله الفضول - لمعرفة أي شيء وكل شيء - هو ما صنع مني كاتباً، الفضول الذي لم يتخل عني أبداً، إلى جانب هذه الخصلة أدين بالفضل لخصلة أخرى أضعها فوق كل اعتبار، وهي حاسة الدهشة، لأنني لا أستطيع أن أتخيل أن تتركني الحياة فارغاً من الدهشة». هذه هي فلسفة العلم في بناء الرغبة، والتأثير الإيجابي؛ للتزود من المعرفة الصحيحة بطرق استكشافية متنوعة، وتلك هي الحياة الحقيقية، واستثمار تلك المعرفة بالإيمان العميق والقبول للاختلاف، وإرادة الخير للإنسانية مع التمسك بالأصول الثابتة مما ورد في آيات القرآن الكريم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - والالتزام بالوسطية والاعتدال دون إفراط ولا تفريط، وهذه قاعدة راسخة من العلم والأناة في كل قول أو فعل أو ردة فعل أحياناً، فضلاً عن السعادة الشعورية واللذة النفسية والالتزام بالقيم الأخلاقية التي يورثها الاستغراق في البحث العلمي، وقياس كل فعل على ميزان الشريعة وقواعدها الأصولية المتفق عليها بين العلماء في كل زمان ومكان، والقدرة على الانسجام مع المستجدات، وتوجيهها نحو المستقبل، والتفكير بطريقة إبداعية لحل الأزمات الناشئة عن مسيرة الحياة، لنصنع إنساناً صالحاً لكل زمان ومكان، ومواطناً مخلصاً لمليكه وبلده وشعبه الكريم. تفسير القرآن * تفسير القرآن الكريم.. هل هو حصر على علماء الدين، أم يمكن أن يقوم به كل من توافرت فيه الشروط الضرورية لهذه المهمة، ومنها المعرفة الجيدة باللغة العربية، والإحاطة بعلوم القرآن والحديث وعلومه؟، وهل تفسيره حكر على العلماء والفقهاء من الرجال؟ - هذه عدة أسئلة تستغرق سنوات من الدراسة المنهجية لعلوم القرآن الكريم، وفنون العلماء في بناء ملكات التفسير، فالقرآن المجيد كلام آلهي عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو محفوظ بأمر الله العزيز الحكيم، وأي عقل بشري مهما كانت لديه من الملكات، لن يصل لمراد الله تعالى إلا بقدر الطاقة البشرية، قال تعالى: «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الإسراء:85). ولا غرابة في ذلك، فكل ما مر على البشرية من علوم ومعارف، هو علم يسير أمام علم الله الواسع الكبير، وبمقدار مناسب للطاقة البشرية. إن المعرفة الإنسانية كبيرة ومتنوعة ومستمرة ولا تقف عند حد، ولا ساحل، والمجلدات التفسيرية التي أورثها لنا العلماء السابقون، هي محصلة علمية كبيرة جداً، فيها جهود نوعية من التفسير والتدبر والاستنباط، وقد اشتهر عن الإمام الجاحظ - رحمه الله-، قوله «ما ترك الأول للآخر»، فنخالفه ونقول: «كم ترك الأول للآخر». لا تزال منصات الإبداع تزدان بالعلماء الراسخين والموهوبين من الباحثين وطلبة العلم الذين يتدبرون في كتاب الله تعالى المسطور، وكتاب الله تعالى المنظور في هذا الكون الفسيح؛ لتنطلق الأجيال الجديدة بإلهام متجدد عن الكون والحياة والإنسان، بما يتناسب لكل زمان ومكان. ومن المعروف أن النساء هن شقائق الرجال، وميادين التفسير والبحث والتفكر والتعلم مفتوحة الأبواب والنوافذ لاستقبال كل باحث وباحثة آتاهم الله من العلم الرصين والفكر القويم لخدمة العلم وأهله. وبحمد الله على امتداد رحلتي العلمية والعملية، سواء في الجامعات أو في الجهات، لا أجد إلا كل الاحترام والثناء والتقدير لمشاركاتنا النسائية من المسؤولين أياً كان موقعه ومنصبه، وهذا من دعم حكومتنا الرشيدة حفظها الله على مر العهود المباركة، أسوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أعطى المرأة المسلمة كل فرص الإبداع لمواكبة التغيير في ذلك العصر النبوي الكريم، وفي جميع المسؤوليات والاستشارات التي شاركت فيها أجد المرأة السعودية صنو الرجل، وبينهما من التعامل الحكيم والأدب الرصين، ما يفتح مجالاً للبناء والتطوير والانخراط لبناء وطن لايماثله أي وطن عزة وفخراً. وبمراجعة قوائم (ببيلوجرافيا) مكتباتنا المحلية سواء الورقية أو الإلكترونية التي تتميز بمجموعات من الجهود النسائية البحثية مثل الرسائل الجامعية والبحوث الأكاديمية والمؤلفات المتنوعة في فنون الأفنان من علوم القرآن أو غيرها من العلوم والجهود المباركة الحثيثة من زميلاتي لإحراز قصب السبق في المعرفة البشرية. وفرصتنا في بلدنا بلد الحرمين الشريفين، وما توفره لنا القيادة الرشيدة من دعم مالي ومعنوي، وتهيئة الأجواء العلمية والفرص السحابية؛ لنيل أسفار العلم، ونياشين البحث والتحقيق، مما يعجز عنه اللسان والبنان، وهي فرصة متاحة لكل باحث مخلص موضوعي تخلص من الضيق العقلي والانغلاق الفكري؛ ليقرأ صفحات العقل البشري، ويكتب بقلمه صحائف المجد والعلياء. ولا تزال أسرار البحث في القرآن الكريم وتفسيره معجزاً، فهو لا يشبع منه قارئه، ولا يمل منه الغواص فيه، فكلما استخرج من درره زاده ذلك شغفاً بتلك المعاني الرائعة والنجوم الزاهرة، فمهما أسهرت لياليك وأنت تحتضن تلك الكواكب الدرية والكنوز الذهبية، فلن تمل ولن تكل، وتزداد فرحتك ببعض المعاني كفرحة طفل وجد أهله بعد غياب وفقد. من أجل هذا، كانت دعوة سيدي سمو ولي العهد - حفظه الله-، بالعودة إلى النبع الصافي والمورد العذب كل بحسبه بدون دعوات التطرف والغلو، وذلك ليتعامل الجيل الجديد مع كتاب الله بحب وشوق وتعظيم وتهذيب تتناسب مع ملكاته ومهاراته، فينعكس ذلك على سلوكه وأخلاقياته وسعاداته في الدنيا والآخرة، خاصة مع السيل الجارف من رسائل التواصل الاجتماعي، وصور العالم الافتراضي الذي يحمل الغث والسمين. الرؤية 2030م * في رؤية 2030 كان محور تمكين المرأة السعودية محوراً مهماً.. فكيف ترين هذه المبادرات لبناء المجتمع السعودي؟ - بحمدالله منذ انطلقت هذه الدولة المباركة، كان الحكم بكتاب الله وسنة رسوله حكماً شرعياً يعطي للمرأة ما يعطيه لأخيها الرجل من الحقوق والواجبات. وكانت المرأة السعودية وما زالت عاملاً من عوامل التنمية السعودية ودعامة بناء لخدمة الوطن كأم وأخت وزوجة وبنت كريمة، وقد انتشرت مدارس التعليم في كل أرجاء الوطن الأخضر، بل زيادة لتوسيع رقعة التعليم العالي، امتدت مساحة الكليات المخصصة للبنات في الجزر والصحارى وبين جبال المملكة وواحاتها الخضراء. وقد زرت أغلب الجامعات السعودية، فوجدت من الهمم العالية، والطموحات السامية، والأيادي البيضاء الكريمة التي تسهم بسخاء وحب وانتماء لهذا الوطن الغالي. فلما انبثقت هذه الرؤية الذكية من ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، وترددت أصداؤها في أركان الوزارات والمؤسسات والهيئات، وتبلورت في مبادرات علنية في برنامج التحول الوطني 2020 - 2023، لتكون بادرة سباقة لقياس مستويات التغيير وخطط التحسين للرؤية الإستراتيجية، لتمكين المرأة السعودية في برامج عملية، وإحصاءات رقمية متنوعة، لتحسين المؤشرات الحضارية كالمشاركة في التعليم والعمل، وتمكين المرأة السعودية في كل المجالات، فتم إصدار تكليفات رسمية لمجموعة من القيادات النسائية المؤهلة علمياً في التعليم والعمل والاستثمار والاقتصاد والخدمات الإلكترونية والبلدية وغيرها؛ لتسهم في خدمة الوطن الغالي. هذه الرؤية الأنيقة، هي برنامج عمل وطني كبير، يرافقه القرارات السياسية العليا، والمشورات الحكيمة، والفتاوى التأصيلية؛ ليطمئن المجتمع بكل فئاته لما يصلح لحال المجتمع السعودي، لتتنافس كل الجهود الكبيرة لدعم عجلة التنمية والازدهار في هذا الوطن الغالي؛ لذا أرى أن مستوى الوعي المجتمعي أصبح بحمد الله عالياً ومناسباً للدخول إلى بوابة المستقبل، والتفريق بين العادات الكريمة الخالدة في نفوس هذا الشعب الأبي الكريم والمحافظة عليها بين الأجيال، وفهم الأنظمة والتحولات الحضارية المناسبة لدولة قوية وطموحة. تطور المجتمع السعودي * كيف ترين التحول الكبير في المجتمع السعودي في الفترة الراهنة من خلال استعمال التقنيات الحديثة؟ - المجتمع السعودي مجتمع مفتوح متعدد الاتجاهات ومتنوع المعارف والمعلومات، وهو جزء من العالم الكبير من حولنا. وقد دعمت الحكومة الرشيدة مبادرة المجتمع المعرفي والمجتمع الرقمي والمجتمع الحضاري بعدة مبادرات كريمة، كانت أساساً للانفتاح والقبول في المجتمع، مثل: 1 - تشجيع التعليم المتنوع المجالات والمستمر للتنمية البشرية، بالتدريب والتأهيل لكل علم نافع ومفيد للحضارة الإنسانية، فلم تغلق حكومتنا باباً لأي علم، ولا منفذاً لكل إبداع وترق في معارج الهدى والنماء. 2 - الاهتمام بالابتعاث لكل دول العالم، لتمكين الإنسان السعودي (نساء ورجالاً) من الإفادة من الخبرات الإنسانية والمعارف العلمية. 3 - تعزيز الانفتاح الرقمي لكل التقنيات والبرامج الحاسوبية؛ لتتحول بحمدالله المتابعات الشخصية بضغطة زر من أنامل سعودية لتشارك في مؤسسات عالمية مثل جوجل ومايكروسوفت وسيمنس وغيرها، ليشارك المواطن السعودي صغيراً وكبيراً فيما يدور حوله بثقة وأمان، وكان من تلك المؤسسات العلمية والعملية الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والاتحاد الوطني للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز؛ لتكون أدوات حديثة لتكوين الكفاءات العلمية المأمونة للمعالجات الرقمية، وصد الهجمات المشبوهة، ومحاربة الأفكار البرمجية الخبيثة المتداولة في الشبكة العنكبوتية، وكان من أبرز تلك المبادرات التي دخلت موسوعة جينيس هاكثون الحج 2018 بأكثر من ألفي متنافس لخدمة حجاج بيت الله الحرام في برامج نوعية ومنافسات عالمية. 4 - التوازن المجتمعي بين الأصالة والمعاصرة وهذه نعمة كبيرة، فمقام العلماء يتصدر المشهد السعودي مع الانطلاقة الكبيرة لدعم التغيرات في المجتمع السعودي، ومعالجة بعض العادات والتقاليد؛ لتعود إلى المنهل الأساسي كما وردت في الكتاب والسنة. وهذه نقطة ارتوازية كبيرة جعلت المجتمع ينخرط في بناء وادي القيم الأصيلة مع الحرص على إصدار اللوائح والأنظمة المناسبة لحفظ نظام المجتمع وتأهيله قانونياً واجتماعياً، مثل نظام التحرش وغيره. مشروع تعزيز القيم الأخلاقية * رأستِ مؤخراً، المشروع العلمي الذي أقيم بجامعة الملك عبدالعزيز، والموسوم ب (تعزيز القيم الإخلاقية لدى المرأة السعودية.. الواقع والمستقبل)، بمشاركة عدد من المتخصصات بالجامعات السعودية.. ما الذي هدفتِ لتكريسه من خلال هذا المشروع؟، وكيف كان تفاعل الحاضرات لهذا المشروع؟، وهل تبني إقامة هذا المشروع، جاء استناداً لاعتبار (القيم الأخلاقية للمرأة السعودية) تمثل أحد المحاور المهمة ضمن رؤية 2030م، وتزامناً مع ما نشهده من تطور حضاري؟ - وفقت بحمدالله لأكون ضمن فريق المشروع العلمي الوطني «تعزيز القيم الأخلاقية لدى المرأة السعودية - الواقع والمستقبل» برئاسة الأميرة سارة بنت عبدالمحسن ومجموعة من الزميلات الأكاديميات في الجامعات السعودية برعاية كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وقد استخدمنا في هذا المشروع تقنيات علمية ومقاييس تربوية؛ لقياس مستوى القيم بجميع أنواعها لدى المرأة السعودية، وذلك لمعالجة الأهداف التالية: 1 - تحفيز الاهتمام بتعزيز القيم الأخلاقية لدى المرأة السعودية بصفتها أحد أهم مكونات المجتمع السعودي لتحقيق رؤية ٢٠٣٠ (مجتمع حيوي له قيم راسخة). 2 - الإسهام في تعزيز القيم الأخلاقية لدى المرأة السعودية، وذلك في إطار منهج علمي يراعي الظروف الدينية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. 3 - معالجة العوامل التي تؤثر في قيم المرأة السعودية سلباً أو إيجاباً. 4 - تفعيل المبادرات النوعية المتعلقة بتعزيز القيم الأخلاقية التي تلتزم بها المرأة السعودية. 5 - سد الفجوة المعلوماتية بعدم وجود قاعدة علمية في دراسات القيم الأخلاقية المتعلقة بالمرأة السعودية الرائدة بحمدالله بتمسكها بثوابتها الدينية والوطنية والاجتماعية. وكان لتعاون الجامعات السعودية والمراكز التربوية والهيئات الاجتماعية، ثم تفاعل السيدات بجميع الفئات سواء أمهات أو موظفات أو طالبات في مختلف التخصصات ومشاركتهن في ورش العمل والاستبانات المخصصة على مستوى مناطق المملكة تفاعلاً رائعاً ومميزاً وإيجابياً، ما كان له التأثير الكبير في نجاح فعاليات المشروع وتحقيق أهدافه وبلوغ مراميه ونتائجه بحمدالله، كل هذا بدعم سخي من قيادتنا الرشيدة التي تطمح لبلوغ الكمال المجتمعي، والتوازن القيمي، والتفوق البحثي من خلال نتائج محسوبة علمياً وإحصائياً ومقارنات مرجعية عالية. كتب ومؤلفات * تعدد مؤلفاتكِ وتناولها لقضايا اجتماعية وفكرية وأدبية وإعلامية وتاريخية وحقوقية.. هذا التبحر إلامَ نعزوه؟ - هو حب الوطن والإسهام في رسم صورة متميزة للمرأة السعودية الأكاديمية والباحثة التي غرس فيها تراب بلدها التنوع وأخذت من نخيل واحاتها الشموخ والعلو عن كل الانحرافات الفكرية والانقسامات الاجتماعية. ويمكن أن بعض الدراسات الوطنية العملاقة لرواد الفكر والحوار في هذا الوطن، كان لها تأثير كبير في ترسيخ منهجية الحوار وآلياته الثقافية، ما يكون دافعية عالية لتحرير بعض الأفكار المختلفة بطريقة حوارية جذابة ومتناسبة مع المعتقدات والثوابت الوطنية والمستجدات الثقافية. وقد شاركت في لقاءات الحوار الوطني الداخلية والخارجية وتعاونت مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في مجالات متعددة، وهو مركز علمي عالمي، سيبقى شاهداً للأجيال على الثقافة العريضة والمتنوعة للمجتمع السعودي وحضارته الزاهرة. وإيماني بحمد الله والالتزام بمنهجنا الوطني من الاعتدال والتوسط في كل الأمور والتفاؤل بمستقبل رائع، ساعد على تحقيق انطلاقتي العلمية من الاحترام للتعددية والقبول للتنوع واحترام الاختلاف، وكانت الأبواب المفتوحة لمشاركة المرأة السعودية في التنمية، قد أسهمت بحمد الله في تنويع مشاركاتي ومؤلفاتي وبحوثي المتعددة؛ لتحقيق صدق الانتماء، ورد الجميل لبلدنا، وهو بلد المجد والحضارة العريقة. جوائز وشهادات * حصلتِ على عديد من الجوائز والشهادات التقديرية.. فما أكثر ما تعتزين به؟ - حصلت على عديد من الدروع التقديرية والشهادات الثمينة من جهات مختلفة رسمية وأهلية في هذا البلد الغالي، وأكثر ما أعتز به هو التشرف بالسلام على سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله-، وسماع نصائحه وتوجيهاته بين أعضاء وفد وزارة التعليم، فهو القائد الأب، والملك الحكيم، ومعلم الحزم حفظه الله ورعاه وأطال في عمره، وحفظ ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وأعوانه وجنود الوطن كل في مجاله، وسلمهم من كل أذى وشر، ورد كيد المعتدين والمتربصين بنا والحاقدين على بلادنا، وجعل رايتنا خفاقة أبد الدهر.

مشاركة :