صراع «الصفوة» و«الحرافيش» الثقافي ينتقل إلى مقاهي القاهرة

  • 1/8/2015
  • 00:00
  • 62
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن صراع «الصفوة» و«الحرافيش» الذي فجره الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، منذ سنوات، في مقالته الشهيرة بمجلة إبداع، سيعود مجددا إلى الحياة الثقافية المصرية، لكن بغلاف جديد، حيث دشن ظهر يوم الجمعة الماضي، عدد من الشعراء والمثقفين، على رأسهم الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي نفسه، والناقد الدكتور أحمد درويش، أستاذ البلاغة والأدب المقارن بجامعة القاهرة، والشاعر حسن طلب، صالونا ثقافيا في مقهى ريش، في محاولة لإعادة إحياء صالون نجيب محفوظ في المقهى الشهير، بوسط العاصمة القاهرة. وأكد الدكتور أحمد درويش أن هذا اللقاء، سوف يعقد في الجمعة الأولى من أول كل شهر وسيكون اجتماعا عاما، ولم يتم الاتفاق بعد على أي خطط لإدارته، ويتوقع أن تكون موضوعاته مفتوحة حسب ما يطرأ داخل الشهر نفسه. وكان نجيب محفوظ يقيم ندوة أسبوعية في مقهى ريش بدأت منذ عام 1962، وظلت منتظمة حتى عام 1977، ثم انتقل بعد ذلك لمقهى «عرابي» القريب منه. وعلى الرغم من أن الصالون الجديد الذي يغلب عليه طابع «الصفوة» سيعقد شهريا، فإنه سيصطدم، وبحكم جغرافية المكان، بـ«قعدة الجمعة»، وهي قعدة أسبوعية، يقودها الكاتب الروائي وحيد الطويلة، لا تفرق بين «الصفوة» و«الحرافيش»، ويمنحها إيقاع المقهى الشعبي روحا دافئة وحميمية، كما أنها قعدة مفتوحة بحيوية للصغار والكبار، من شتى مشارب الحياة الثقافية. وأصبح يواظب عليها عدد من الكتاب والفنانين والشعراء، من بينهم: عبد المنعم رمضان، سعيد الكفراوي، عزت القمحاوي، صابر رشدي، عبد العزيز جمال الدين، محمد عبلة، مجاهد العزب، جرجس شكري، زين العابدين فؤاد، محمود الورداني، وغيرهم من المبدعين. يقع مقهى «زهرة البستان» في ممر مجاور لمقهى «ريش». وحاول المثقفون من خلاله، استنساخ مقهى بديل يناسب قدراتهم المادية المحدودة في الغالب الأعم. وفي السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع الأسعار في مقهى «ريش»، استطاعت «البستان» أن تسحب السجاد من تحت قدميها، وتحولت إلى منتدى حقيقي للمثقفين والكتاب، يتبادلون على طاولاتها المفتوحة في براح الشارع، الآراء ويتناقشون ويعقدون الندوات، وحفلات التوقيع للكتب الجديدة. وأصبحت المقهى بمثابة استراحة للقاء والتعارف، وصندوق بريد عاما للمثقفين. وهو ما يعززه تاريخ المقهى نفسه، منذ كانت محلا صغيرا اشتراه صاحبه الحاج عبد اللطيف في ستينات القرن الماضي، وكان لا يملك وقتها سوى صندوق حديدي يضع فيه المشروبات الغازية، زرع بجواره شجرة واحدة في الممر الملاصق لمقهى «ريش»، وسرعان ما اجتذبت المقهى الجديدة عددا كبيرا من المثقفين والكتاب والشعراء، كان من بينهم: يوسف إدريس، وأمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، ويحيى الطاهر عبد الله، ودكتور لويس عوض، وشوقي فهيم، ومحمد مستجاب، وخيري شلبي، ومحمد البساطي، والملحن سيد مكاوي. لكن شهوة المكان والتاريخ، لن تفرض نوعا من التماثل، أو الهم المشترك بين اللقاءين المتجاورين، كما يقول أحد الكتاب المخضرمين، مبررا ذلك، بأن الذاكرة الثقافية، تحفظ لحجازي الذي يتصدر صالون ريش الوليد، أنه شاعر مهم، لكن بدرجات أوسع، تحفظ له تاريخا من السلبيات، اضطربت فيه صورته كشاعر، وكمثقف صاحب نزعة متعالية، بل متشنجة أحيانا، في النظر لأمور الثقافة والفكر، كما أنه لا يزال يعادي قصيدة النثر، التي فرضت نفسها بقوة على الساحة الشعرية، وأصبحت تشكل متن الخطاب الشعري الجديد، ليس في مصر وحدها، بل في الوطن العربي. وقد فاجأ حجازي الجميع بمقاله الشهير في افتتاحية مجلة «إبداع» الذي قال فيه صراحة، إن مجلته «للصفوة وليست للحرافيش». كان حجازي وقتها قد آلت إليه رئاسة تحرير المجلة، بعد سنوات من الازدهار شهدتها على يد رئيس تحريرها السابق الدكتور عبد القادر القط. وهي مجلة رسمية تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. لكن مقال حجازي الصارم، أكسبها عداء قطاع كبير من الشعراء والكتاب، الذين أعلنوا مقاطعتهم للمجلة، تحت رئاسة حجازي، مؤكدين وقتها، تهافت مفهوم «الصفوة» الذي طرحه، وأنه «ينبني على فكرة سياسية نرفضها، وجذورنا الأدبية الحقيقية تعود مصريًّا إلى المصري الفصيح وشكاواه، وعربيًّا إلى الصعاليك، وعالميًّا إلى المشردين والمنبوذين من جراء عدم تكيفهم مع واقع رفضوا الاندماج والتشيؤ فيه». بعدها شهدت المجلة، وعلى مدار سنوات كثيرة من رئاسته لها، ومعه الشاعر حسن طلب، تدهورا في التوزيع والمحتوى، حتى تحولت من مجلة شهرية إلى فصلية، إلى أن تم إقصاؤه منها أخيرا، بقرار من وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، وتعيين مجلس تحرير آخر لها برئاسة الروائي محمد منسي قنديل. وبينما لم يسمع أحد صوتا لصالون «مقهى ريش» الذي دشن لقاءه الأول يوم الجمعة الماضي، كانت «قعدة الجمعة» المجاورة له بمقهي البستان، تضج بنقاشات فكرية وثقافية حية، تتماس مع هموم الواقع الثقافي الراهنة، وتصادف أن تكون «جمعة» رءوف مسعد، الكاتب المصري المقيم في هولندا، الذي حل ضيفا عليها بمناسبة زيارته للقاهرة، حيث وجدها رواد القعدة فرصة للاحتفاء بصاحب رواية «بيضة النعامة»، والتحاور معه، في أعماله الروائية وجديده في عالم الكتابة، ترافقهم أكواب الشاي والمشروبات الشعبية الدافئة، وقرقعات دخان الأراجيل. فضاء «قعدة الجمعة» الذي تتسع فيه مساحة الألفة والعفوية، ويعتد باختلاف وجهات النظر، يعلق عليه مؤسسها صاحب رواية «باب الليل» الكاتب وحيد الطويلة، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «هي قعدة جميلة وونسة محبة، أصبحت طقسا ثقافيا، أحرص عليه، وعدد كبير من الكتاب والشعراء والفنانين، إلى الدرجة التي أحس بأن وقتي، بل جسدي يضطرب حين أتخلف عنه لظروف طارئة». ويتابع بضحكته الرنانة: «نحن قعدة فضفضة ثقافية وإنسانية، نفك فيها عقد الزمن والبشر والحياة، بل عقد الجسد والروح». وحين أسأله عن الصالون الجديد المجاور لهم بمقهي ريش، يجيب بتلقائيته المعهودة: «فكرة جميلة، أتمنى أن تنجح وتتسع، ولا بأس أن يعرجوا علينا في هذا المربع الصغير، مؤكد أننا سنسعد بهم.. جسد الثقافة المصرية أصبح مهلهلا، لا يحتاج إلى الحقد والضغائن والحروب الصغيرة، لا وقت للتصنيفات المقيتة، من قبيل (صفوة) و(حرافيش)، أو أدباء السلطة، ومن هم خارجها وضدها.. الثقافة المصرية تحتاج أولا، أن تتصالح مع نفسها، بصدق وواقعية حتى تكون طرفا مجادلا وقويا، ويعتد بدورها في خدمة المجتمع، وتستطيع مواجهة عجز المؤسسة الثقافية الرسمية ونكوصها عن بلورة العمل الثقافي ودعمه بشكل بناء ومستنير. كلام الطويلة بأريحيته الثقافية المفتوحة، لن يغيّب سؤالا سيظل كامنا، وهو: هل ينجح هذا الحاجز المكاني الصغير في فك أربطة العنق التي تطوق ذاكرة ثقافة اعتادت على التربيط، وتكوين جماعات المصالح والولاء، ليصبح معيار الولاء فقط للنص المكون والمؤسس المثير لدهشة الخيال والمعرفة، سواء كان رواية أو شعرا أو قصة قصيرة، أو مسرحية، أو لوحة تشكيلية؟

مشاركة :