على مشارف الشهر الثامن عشر من المقاطعة الصارمة التي يعاني منها النظام القطري، أكدت وكالة «بلومبرج» الأميركية للأنباء أن الخسائر الجسيمة التي ضربت قطاع العقارات في الدويلة المعزولة خلال العام ونصف العام الماضيين، أجبرت السلطات الحاكمة هناك على اللجوء لفتح هذا القطاع أمام الأجانب دون قيودٍ أو ضوابط من أي نوع. وفي تقريرٍ إخباريٍ أعدته ربى الجُهاني، أشارت الوكالة - ذات المكانة المرموقة في تغطية أخبار المال والأعمال في العالم - إلى أن هذه الخطوة تشكل أحدث المحاولات اليائسة التي يُقْدِمُ عليها نظام تميم لمواجهة التراجع الحاد في أسعار العقارات التي هوت في قطر بنسبةٍ تقارب 20% مُقارنةً بما كان الحال عليه في عام 2015، أي قبل عامٍ ونصف العام تقريباً من فرض الدول العربية الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) إجراءاتها الحازمة ضد حكام الدوحة. وفي التقرير الذي حمل عنوان «قطر تفتح سوق العقارات المتعثر أمام الملكية الأجنبية»، فضحت «بلومبرج» الأسباب الحقيقية للقانون الذي أصدره أمير قطر منتصف الأسبوع الجاري، والذي يُسمح بموجبه لـ «غير القطريين (بتملك) العقارات والانتفاع بها» بزعم «تعزيز الاستثمار» في هذا البلد. وشدد التقرير على أن فتح الباب على مصراعيه أمام الأجانب لاستباحة القطاع العقاري القطري سواء من خلال الإيجار أو التملك، ليس إلا مسعى آخر من أجل «تحفيز اقتصاد هذا البلد الغني بالغاز الطبيعي بعد أكثر من عامٍ من المقاطعة المفروضة عليه من جانب جيرانه في منطقة الخليج»، ما أدى إلى تكبد قطر خسائر فادحةً في مختلف القطاعات المالية والاقتصادية. وأشارت «بلومبرج» إلى بعض البنود المشبوهة في القانون الجديد، الذي حاولت الدوحة عدم التركيز عليه إعلامياً، من قبيل الزعم بأن ملكية الأجانب ستقتصر على بعض المناطق التي يتم تحديدها من جانب الحكومة القطرية، حسبما ورد في وسائل الإعلام الرسمية التابعة لـ «نظام الحمدين». وكان النظام القطري قد اضطر بعد شهورٍ قليلةٍ من اتخاذ «الرباعي» تدابيره الصارمة إلى فتح السوق العقارية بالكامل أمام المستثمرين الأجانب، وذلك في محاولةٍ لتخفيف الأزمة التي تضرب هذه السوق، بفعل التراجع الكبير في حركة السياحة الوافدة إلى الدويلة المعزولة، الذي قاد إلى أن تصل خسائر هذا القطاع وحده إلى نحو 600 مليون دولار خلال العام الأول للمقاطعة فحسب. وفي ظل التراجع والركود الذي خيم على أسعار العقارات في قطر على مدار الشهور الماضية، اضطُرَتْ السلطات القطرية إلى تخفيض القيمة الإيجارية التي يتعين على الشركات دفعها للانتفاع بما يُعرف بـ«المناطق اللوجيستية» في جنوب الدويلة المعزولة، إلى النصف خلال عامي 2018 و2019. ولكن «بلومبرج» أشارت إلى أن كل هذه الإجراءات باءت كلها بالفشل، ولم تفض إلى حدوث تعافٍ ملموسٍ للقطاع العقاري القطري، بالرغم من تخصيص «نظام الحمدين» كذلك جانباً كبيراً من احتياطياته المالية التي أعادها من الخارج، لدعم قطاع العقارات الموشك على الانهيار. وفي هذا الإطار، اقتطعت السلطات القطرية من ميزانية الحكومة والشركات المملوكة لها ما لا يقل عن 26 مليار دولار خلال الشهور الماضية بهدف زيادة حجم الودائع في المصارف القطرية التي نزحت منها الأموال بصورةٍ متسارعة، فور اتخاذ «الرباعي العربي» قراره قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها. وأبرز تقرير «بلومبرج» إقرار المسؤولين القطريين أنفسهم باستمرار التراجع الكبير في أسعار العقارات، لتهوي إلى أدنى مستوياتها خلال أربع سنواتٍ، مع تواصل عزوف الأجانب عن الاستثمار في بلادهم أو حتى زيارتها، بالرغم من اتخاذ نظامها الحاكم إجراءاتٍ من قبيل السماح لغير القطريين بتملك الشركات بنسبة مئة في المئة، وإعفاء مواطني عشرات من دول العالم من ضرورة استصدار تأشيرات الدخول، بل والسماح لفئاتٍ بعينها من الأجانب بالحصول على بطاقاتٍ للإقامة الدائمة. ونشرت «بلومبرج» رسماً بياناً لتوضيح وضع القطاع العقاري في قطر منذ أواخر عام 2014 وحتى الربع الثالث من العام الجاري، وهو الرسم الذي استقت الوكالة الإخبارية الأميركية الأرقام الواردة فيه من بيانات المصرف المركزي القطري نفسه. وأوضح الرسم البياني أن السوق العقارية في الدويلة المعزولة بلغت أدنى مستوياتها في يونيو من العام الجاري، أي بعد عامٍ كاملٍ من فرض المقاطعة على الدوحة في الخامس من الشهر ذاته عام 2017. وكانت وكالة «بلومبرج» قد أكدت قبل ثلاثة أسابيع أن تراجع معدلات إشغال الفنادق في قطر بالتزامن مع موجة الإنشاءات غير المبررة هناك حالياً، يمكن أن يُشكل ضغطاً على القطاع العقاري في هذا البلد. وشهدت قطر مؤخراً افتتاح ثلاثة مشروعاتٍ عقاريةٍ جديدةٍ تضم 1244 غرفةً، وهي مشاريع لا طائل من ورائها على ما يبدو، في ظل الانحسار المستمر في عدد السائحين والزائرين. وأدى ذلك إلى وصول حجم العرض في قطاع الفندقة والقطاع العقاري في قطر إلى معدلٍ مفرطٍ بشكلٍ يتجاوز الحدود، خاصةً بسبب التباطؤ الشديد في حركة السياحة، ولا سيما في ظل الانخفاض الكبير في عدد من كانوا يزورون الدويلة المعزولة قادمين من دول الجوار الخليجي.
مشاركة :