يتفق أكثر من كتبوا عن قصيدة النثر لدى الشاعر أحمد سعيد «ادونيس» على ان القصيدة لديه هي (فعل تأسيس وليس فعل تعبير، بمعنى انه فن لغوي، وأكد ذلك بقوله: «اذا كان الشعر لا يعمل، وكان تسميته للاشياء، فمن الممكن تحديده بأنه فن لغوي: نوع فريد من اللغة الخاصة في عقل الكلمات». ومن هذا المفهوم الذي طرحه ادونيس، تتشكل اكثر من رؤى ذات بعد متصل باللغة اولاً وبالحداثة المجتمعية ثانيًا. فالتغير الذي حصل في القصيدة العربية لم يكن تغير (طفرة) انما هو تغير مرتبط بمراحل تطور المجتمعات. فلا يمكن لنا أن ندرس قصيدة النثر من دون دراسة ما قبلها من قصيدة البحر الواحد، أو التفعيلة أو الحر، كون كل فن مما ذكر، هو فن ارتبط ارتباطًا كليًا بفعل مكونات ما نتج عن مجتمعاتها وتطورها من مرحلة لأخرى. فعندما ندرس ظاهرة فن ما علينا اولاً دراسة سويسولوجيا المكون المجتمعي الذي افرزه هذا الفن، من حيث دراسة القوانين التي تحكم المجتمع، عبر تطوره ومن حيث اتصاله بما سبقه. هذه المقدمة التي اشرت إليها في بداية المقال، هي مقدمة فرضتها: ندوة قدمها العماني الدكتور الأديب مبارك الجابري الذي استضافته اسرة الأدباء والكتاب ضمن برنامجها الثقافي مؤخرًا متحدثًا عن قصيدة النثر في الخليج، مركزًا على النص النثري لدى شعراء البحرين. للعلم هذه الندوة هي رسالة الدكتور الجابري في نيله الدكتوراه، والتي ناقشتها جامعة السلطان قابوس بعنوان «قصيدة النثر في الخليج العربي: في ضوء سوسيولوجية النص»، باحثًا الجابري في «إشكال نشأة خطاب ينتمي إلى البنية الحداثية في المجتمعات ذات بنية تقليدية في فترة الثمانينيات» معتمدًا في دراسته «سوسيولوجية خطاب قصيدة النثر». وعبر فقرات اوجزها الجابري من الدراسة التي اشار اليها: والتي رأى فيها ان: قصيدة النثر هي قصيدة الهامش في الوطن العربي والخليج، معتبرًا ان الهامش جنوح متمرد على واقعه من حيث تفتيتها للغة والانشغال بما هو غير مألوف، في كسر طوق اسر القصيدة المتعارف عليها، نحو قصيدة تبحث عن ذاتها بذاتها، بعيدًا عما تعارف عليه العرب في بناء هرم القصيدة، وانسلاخها من المديح الرخيص إلى عمق تجاورها بواقع متمرد على الأصل. فالعرب درج على سماع قصيدة ذات قالب واحد تعرفت عليه القبيلة من حيث الجناس والبناء اللفظي، والتشابيه التي افرزها واقع الصحراء، والحياة البدوية. وكانت من الأهمية رسالة الدكتور الجابري، حيث اوضح في سياق ورقته ذلك الألتباس وذلك البعد الذي أوجد قصيدة النثر، بعد تجارب كانت القصيدة فيها قد بدأت بالبحر الواحد (المقفى) ثم بقصيدة التفعلية والحر، حتى مرحلة متقدمة كانت ولادة قصيدة النثر والتي أثارت الكثير من الجدل في الشارع العربي. وأن تقدم بنا السؤال، لقلنا انها قصيدة ولدت في الغرب وهذا ما شكل رؤية الاختلاف على أن قصيدة النثر في الوطن العربي ليست غربية الولادة، بل هي جزء متأصل في الأدب العربي، فالكثير من النثر لأدباء في مرحلة ولادة التاريخ الأدبي في العصور المتقدمة منذ الجاهلية حتى فجر الإسلام وما بعده ما اثار اشكاليات ولادة تجارب القصيدة، حتى مرحلة رسوها على ما يتعارف عليه اليوم بقصيدة النثر، هو ما يعد اليوم شعرًا نثريًا، كان محور جدل تاريخي لم تجف احبار أبره، ولم يستطع احد إخراجه من معادلة الشعر. ولأن الدكتور الجابري، قد حدد اسبقية من كتب قصيدة النثر في الخليج العربي، معتبرًا شعراء النثر في البحرين هم من تقدم الكتابة بالشكل النثري، موضحًا أن الشعراء قاسم حداد وايمان اسيري، وحمدة خميس أول من عرفت القصيدة النثرية في ادبهم، معرجًا على الجيل الذي اتى بعدهم مثل، علي الستراوي ومهدي سلمان وآخرين. ثم توقف على قصيدة النثر في سلطنة عمان والتي رأى الجابري ولادتها على يد سيف الرحبي وفي الإمارات على يد ظبيه خميس وسما عيسى. موضحًا الجابري أن في السعودية كانت هناك تجربة مبكرة ولدت على يد الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد. الورقة فصلت جزءا كبيرا ومهما من هموم كتاب قصيدة النثر وبعد مخارجها وتمردها، ما اثار الحضور الذي اشعل بأسئلته فناء قاعة اسرة الأدباء والكتاب. الجدير ذكره أن الباحث الدكتور الأديب مبارك الجابري، ترك رسالة مهمة بعد انتهاء محاضرته، ذات بُعد متصل بالأدب وليس منفصلا عنه. وعلى الرغم من التنوع الأدبي الذي عرفته انواع الشعر تظل قصيدة النثر لاتزال اكبر اشكالية وتحد امام كل الأجناس الأدبية التي عرفها الشعر في جميع مراحل تطوره. وتظل هي المحور المتقدم لكل الأجناس الأدبية في جراب الناقد، وفي عين كل متشكك بأن: قصيدة النثر ليست شعرًا! سؤال قديم جديد الولادة، مثير لكل من هو لايرى فيه شعرًا؟ كل هذا جاء في ورقة الدكتور الجابري، مشكورًا لأنه آمن برسالة قصيدة النثر والتي لا تزال موضع دراسة وبحث متشظٍ. a.astrawi@gmail.com
مشاركة :