شعر «لوقا» - إثر عودته إلى المدينة، بعد أن قام بتمضية عطلة الصيف في ساحل البحر، كما هي العادة كل عام، وفي مثل هذا الوقت من السنة - بأن صحته ليست كما يرام، وليست كما كانت قبل أن يذهب إلى الساحل.. شعر بأن هناك مرضا ما يسعى في جسده وجعله معلولاً.. أحس بتلك الجرثومة وهي تسري في بدنه وتخضب جسده. وأحس ضمن ما أحس في تلك الأيام الأخيرة بأنه قد كبر بصورة مفاجئة، ورغم أن عمره هو خمسة عشر ربيعا؛ إلا أنه قد صارت له قامة الرجال، ولكن كتفيه ظلا على ما هما عليه من ضيق وصغر.. وتبدو على ذلك الوجه الأبيض الخاص به عينان واسعتان، يظهر عليهما أنهما تلتهمان خديه الأجوفين وجبينه الأصفر.. إنه انتبه إلى ذلك الضعف المتسلط على جسمه، والأخطار التي قد تنتج من هذا الضعف، لذا حاول الإصرار على والديه ليسمحا له بالانقطاع عن الذهاب إلى المدرسة مؤقتًا، ولكنه لم يكن في مقدوره أن يبني العلاقة بين حالته الصحية المتقهقرة ونفوره المعتاد من المدرسة. لقد ذهب دوما إلى المدرسة ويبدو له طبيعيًا دوام الذهاب إليها، حتى لقد ظهر له أحيانًا أن الأشياء التي كان عليه أن يتعلمها لم تكن تظهر له موزعة بترتيب وفقًا لأيام الشهر والسنة المدرسية؛ إذ إنها كانت تجتمع جميعها أمامه منتصبة كشيء يشبه الجبل الأملس، الذي لا يستطيع أن يتخطاه الإنسان، ولا يرقى إلى الصعود إليه. لم تكن تنقصه الإرادة، ولكن لم يكن يعرف أي اندفاع جسماني؛ لأن شجاعته الجسدية تنقصه. هذا الجسد الذي كان يبدو له أنه لا يلبيه كالحصان الذي أنهكه التعب وأضناه، فيرفض الجري والانطلاق تحت فارسه رغم المهماز الذي ينهزه به صاحبه الفارس الذي يمتطيه. لكن هذا الجسد نفسه كان يثور. أحيانًا، وبإيعاز غير ملموس من «لوقا» إيعاز خفي سرعان ما يلبيه الجسد.. ولم تكن تلك الثورة على أشياء ذات قيمة؛ بل هي أمام تلك الأشياء التافهة الواقعة الحدوث كل يوم. لقد كان «لوقا» في تلك الأيام رهنا لوقوع اضطرابات عنيفة وطارئة، يبدو من خلالها أن جسده الضعيف الواهن يقوم بإفناء القوى القليلة الباقية له في نوبات من العصيان والحقد، وكان ذلك العصيان يظهر في أول الأمور متاهة في حياته اليومية كنوع من إثبات الذات.. كان «لوقا» يعتقد أن ذلك العالم جميعه قد تكاتف ضده وهو يشاكسه، واعتقد أنه أصبح عدو المجتمع، وأن ذلك المجتمع قد أضرم نيران الحرب عليه، حتى لقد اعتقد لوقا أنه فقد السيطرة على أبسط الأشياء، وأن عدم السيطرة تلك قد وصلت إلى الذروة أثناء الإجازة الصيفية.. وعلى سبيل المثال ذلك الحادث الذي وقع له، وأيد ذلك التفكير الذي في ذهنه عن تلك العداوة القائمة بينه وبين الحقيقة التي تحيط به.
مشاركة :