ظاهرة نفوق أسماك الأحواض تثير القلق في العراق

  • 11/4/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد - قفزت قضية “نفوق الأسماك” في العراق لتتصدر اهتمامات الرأي العام، بالنظر إلى آثارها الاقتصادية والبيئية المدمّرة، فيما تنوّعت التفسيرات حد التضارب، وسط ارتباك رسمي واضح في احتواء التداعيات. وبعد العام 2003، ابتكر مربو أسماك عراقيون طريقة تمكنهم من إنشاء حقول عائمة في نهري دجلة والفرات. ويضع المربّون، أقفاصا ضخمة، مصممة لتكون عائمة، على امتداد ضفتي دجلة والفرات، وتوضع فيها اصبعيات سمكية، تتحول بعد شهور إلى أسماك يبلغ وزن بعضها 4 كلغ. ومع زيادة إقبال السكان عن ما صار يعرف بأسماك الحوض، اتسع نطاق استخدام أقفاص التربية، وخرج معظمها عن الأطر التنظيمية. ومنذ مطلع الأسبوع الماضي، تسجل مناطق نهر الفرات الواقعة بين مدينة الحلة، مركز محافظة بابل (وسط)، ومدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار (جنوب)، نفوق مئات الآلاف من الأسماك، لأسباب لم يجر حتى الآن تحديدها بشكل نهائي. ووفقا لإحصائيات جمعتها “العرب” من مصادر مختلفة، فإن نحو مليون سمكة نفقت حتى الآن في حوض الفرات الأوسط، بينما يرجّح مختصون ارتفاع العدد، مع اتساع مساحة المنطقة المصابة. وفي تعليقات أولية، أبلغ مربو أسماك “العرب”، بأن معدل الهلاكات في الحقول التي يملكونها بلغ 100 بالمئة، ما يعني أنهم خسروا رؤوس أموالهم كليّا. وغير هذه الضريبة الاقتصادية، يستعد نهر الفرات، الذي يروي نحو نصف السكان في العراق، وتعتمد عليه الآلاف الكيلومترات من الأراضي الزراعية، لاحتضان كارثة بيئية، ما لم تسارع الجهات المعنية إلى إبعاد الأسماك النافقة عن مياهه. وتقول وزارة الزراعة العراقية إن سبب هذه الكارثة البيئية، يعود إلى “انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات وقلة الإيرادات المائية من تركيا، وبالتالي ركود وتوقف جريان المياه في بعض مناطق تربية الأسماك بالأقفاص العائمة إضافة إلى ما يلقى في نهري دجلة والفرات من ملوثات صناعية ومنزلية دون عمليات معالجة وتدوير للمياه”. وانتقدت الوزارة “عدم الالتزام بالضوابط والمحددات البيئية من خلال وجود أعداد كبيرة من المتجاوزين من مربي الأسماك بالأقفاص العائمة”. وأشارت إلى أن “كثافة التربية في وحدة المساحة (25 سمكة للمتر المكعب الواحد) أدت إلى نقص الأوكسجين وتحفيز الإصابات الفطرية والبكتيرية نتيجة تخمّر مخلفات الأعلاف وفضلات الأسماك في قاع النهر الراكد وانبعاث غاز الأمونيا نتيجة التحلّل، مما أدى إلى تعفن أو تلف غلاصم الأسماك وبالتالي نفوقها”. وانتقد مختصون ما قالوا إنه “تبريرات غير مقنعة”، لجأت إليها وزارة الزراعة لتغطية “تقصيرها”. وقال هؤلاء إن تحميل مسؤولية الكارثة لنقص المياه، يشير إلى أن الوزارة لديها نقص حاد في المعلومات، إذ أن معدل الجريان في نهري دجلة والفرات حاليا مرتفع، بالقياس مع شهور الصيف التي لم تسجل خلالها حالات نفوق مماثلة. ويقول مختصون إن الجهات الرسمية التي يفترض أن تكون مسؤولة عن هذا الملف، لا تملك أي معلومات عن عدد مواقع تربية الأسماك، وما إذا كانت جميعها مرخصة، فضلا عن غياب الضوابط الواجب توفرها في نشاط من هذا النوع. ويعج النهران بفضلات صناعية وطبية وملوثات مختلفة، يحملانها عبر مرورهما تباعا بالمدن العراقية. ويقول مزارعون إن ضفاف دجلة والفرات متاحة أمام مربي الأسماك من دون متابعة أو ضوابط. Thumbnail ويستبعد أطباء بيطريون أن تكون الكارثة ناجمة عن مرض عارض، ويتأرجحون بين نظريتي “الفيروس المتعمد” أو “السموم”. وأبلغ أطباء بيطريون “العرب” بأنهم أجروا فحوصات لأسماك نافقة، وتبيّن أنها تعرضت لمواد سمية، فيما قال آخرون إن الاتساع السريع لحالات النفوق ربما يوحي بوجود فيروس قاتل سريع العدوى. ويلمح سياسيون عراقيون إلى إمكانية وجود دوافع اقتصادية وراء هذه الكارثة. ويقولون إن انخفاض سعر السمك في أسواق العراق، بسبب انتشار حقول إنتاجه، ربما دفع متضررين على صلة بتجارة لحوم الأبقار والأغنام والدواجن إلى الانتقام. ويستشهدون بأن بعض الأسماك نقلت إلى خارج نهر الفرات، ووضعت في حقول مزوّدة بمياه من مصدر مختلف تسجل حالات نفوق، ما يؤكد أن مصدر التسمم هو الماء وليس عدوى وبائية. وتقول النائبة السابقة في البرلمان العراقي والخبيرة في شؤون الموارد المائية شروق العبايجي، إن “كارثة نفوق الأسماك بهذا الشكل تؤشر إلى العديد من الإخفاقات في مجالات عديدة على رأسها مشكلة تلوث مياه الأنهار العراقية بكل أنواع الملوثات والمياه غير المعالجة مثل الصرف الصحي والصناعي ومخلفات المستشفيات وغيرها”، ملمحة إلى أن “صفقة فساد ما قد تكون وراء هذه الكارثة أيضا”. وتضيف أن “الأمر الأكثر أهمية الآن هو ضرورة رفع كل الأسماك النافقة وحرقها، قبل أن تتفسخ وتطلق السموم في المياه وستكون المصيبة خارج السيطرة”. ودعا حيدر العصاد، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية في العراق، الحكومة إلى “التعامل بشفافية مع المواطنين وكشف الحقائق لهم، لأن نفوق هذه الأعداد الهائلة لا يمكن أن يكون فقط بسبب مرض تعفن الغلاصم خاصة أن الكارثة حدثت في وقت واحد في أقفاص تربية الأسماك فقط دون غيرها مع العلم أن العدوى بهذا المرض تحتاج لأيام لتصل من حوض إلى آخر”. وقال العصاد، إن “على جميع الأطراف التعامل بمصداقية لعبور الأزمة ولكشف الأسباب الحقيقية للكارثة التي قد لا تعوض خسائرها إلا بعد سنوات عديدة من العمل”.

مشاركة :