في كل عام تستوعب الجامعات عدداً محدداً من الطلاب والطالبات من أجل الحصول على التعليم الذي يمكنهم من التخصص في المسارات العلمية التي تخدمهم في الوظائف مستقبلاً، في حين يخرج الكثير من طلاب المرحلة الثانوية من دائرة التعليم الجامعي ليبقى إمّا في المنزل دون تعليم أو يلتحق بوظيفة بسيطة بشهادته الثانوية، إلاّ أن الواقع يفرض حقيقة أن سوق العمل اليوم بحاجة ماسة إلى التخصص وإلى الشهادة التي تؤهل أي مواطن ومواطنة للابتكار والإبداع في وظيفته التي سيعمل بها مهما صغرت، وهذا يتطلب إيجاد حلول بديلة في حال عدم توفر التعليم الجامعي لجميع خريجي الثانوية، فالتعليم حق للجميع، إلاّ أن الإشكالية في الهدر الكبير من خريجي الثانوية من الجنسين والذين يبقون في حالة الجمود حتى تتوفر فرصة ما إمّا تعليمية أو وظيفية، فأين هي البدائل التي يمكن للمؤسسات التعليمية العالية أن تقدمها للخريجين حتى يتم إمدادهم بالتخصصات التي تخدم ميولهم وتتناسب مع تطلعاتهم وتنعش سوق العمل، إذا ما استثنينا كليات المجتمع والدبلوم من هذه الحسبة؟ قلة الفرص وقالت هاجر السعيد - خريجة ثانوية عامة -: إنها عانت كثيراً وهي تنتظر فرصتها في القبول الجامعي لأكثر من ثلاث سنوات وحتى اليوم لم تجد البديل، فعلى الرغم من وجود كلية المجتمع والتي يلتحق بها بعض الطالبات عوضاً عن الجامعة إلاّ أنها لا تعادل الشهادة الجامعية من حيث المستوى والتعليم، لاسيما وهي خريجة بمعدل "95 %" من الثانوية العامة، مضيفةً أن اختبار قياس جعلها تحت خط قلة الفرص التعليمية في الجامعات، مبينةً أن هناك غياباً لبعض البدائل التي يحتاجها الخريج ليطور من قدراته ويستفيد من الوقت حتى يأتي القبول الجامعي كالدبلومات في اللغة الإنجليزية، والتي قد تمنح مهارة غير مركز عليها في التعليم العام، إلاّ أن التكلفة المادية تحول دون التحاق الكثير من الخريجين بها، متمنيةً وجود برامج تعمل على منح الكثير من المهارات التعليمية تكون بمثابة استثمار للوقت بدلاً من الجلوس في المنزل لسنوات دون جدوى. منافذ جديدة وأوضح د. عبدالمنعم القو - أكاديمي وكاتب إعلامي - أن كل دولة لها سياستها في تعليم أبنائها فتحرص على إلحاقهم بمختلف مراحل التعليم من المرحلة الابتدائية حتى التعليم الجامعي؛ لأن تعليم الأجيال يصب في مصلحة الوطن، ومثل هذا الاهتمام بالتعليم أدركته الكثير من الدول، فعلى سبيل المثال دولة الصين أدركت ذلك منذ القدم وحرصت على ابتعاث أبنائها إلى أميركا وأوروبا، وكذلك المملكة التي حرصت على الابتعاث، فشهدت الأعوام الماضية عدداً ضخماً من أعداد المبتعثين والحرص على المسارات التعليمية المهمة كالمسار الصحي، متأسفاً أنه بالرغم من القبول في الجامعات المحلية في المملكة إلاّ أن الكثير من التخصصات التي يتخرج منها الأبناء، البعض منها لم تستطع أن تواكب سوق العمل ومتطلباته، وحتى إن تخرج أبناؤنا الطلاب من هذه الجامعات فنجد أن هناك فجوة بين المخرجات وبين تلك الوظائف، لافتاً إلى أن منفذ التعليم الجامعي مازال المعيار في التقدم والتطور للوطن والأبناء، لذلك كان لابد أن تقوم الجامعات المحلية بعدة مبادرات والتي من أهمها فتح منافذ جديدة ذات أهمية مهارية أكثر من كونها إنسانية، كما لابد من استيعاب طلاب الثانوية وخريجي المعاهد العلمية، وهذه خطوة مهمة جداً. خطأ استراتيجي وذكر د. القو أنه في كل دولة يوجد طلاب لديهم ثانوية فقط يستطيعون العمل بهذه الشهادة بما دون الجامعة، إلاّ أن هناك مشكلة في عدم قبول بعض الطلاب وتسربهم لاسيما في المسار التحضيري على مستوى العديد من الجامعات السعودية، وهذا يعتبر خطأ استراتيجياً، ثم بعد ذلك يكونون جليسي المنزل، لاسيما مع عزوف آخرين عن بعض الوظائف، مُشدداً على ضرورة إعادة النظر في بعض التخصصات، وكذلك في استيعاب عدد الطلاب والطالبات في الجامعات، فهناك كليات أُغلقت، فعلى سبيل المثال إغلاق كلية التربية مع استمرار وجود الحاجة خطأ كبير؛ لأن هناك الكثير من المدارس والتي تحتوي على الكثير من الأبناء الذين مازالوا يتعلمون، وبالتالي إغلاق هذا المنفذ والاقتصار على كليات أدبية وإنسانية تجعل نوعاً من الهدر هناك، مبيناً أن الطلاب يرون أن مثل هذه التخصصات غير مجدية وسيظلون حبيسي المقاعد في بيوتهم دون وظائف، مؤكداً على أن هناك برامج تربوية مهمة، وتعليماً لذوي الاحتياجات الخاصة وبرامج مختبرات وزراعية وبيطرية، وهي تخصصات أثبتت عدم وجودها في الواقع. إعادة نظر وأشار د. القو إلى ضرورة أن يجتمع مديرو الجامعات حتى يعيدوا النظر في تلك التخصصات الجامعية، فنحن اليوم بحاجة إلى تخصصات نوعية وليست كمية، فقضية الكم الهائل من التخصصات غير المجدية لا تجدي نفعاً، فالطالب الذي يدرس لأربعة أعوام ثم يظل حبيس المنزل ويظل عبئاً على من علمه فإنه يصبح رديفاً لمن لم يتعلم ويدخل الجامعة، مضيفاً أن هناك منفذاً آخر يتمثل في دراسة بعض الطلاب على حسابه في الابتعاث ثم يلتحق بالتعليم على حساب الدولة إلاّ أنه منفذ مكلف، مبيناً أن هناك الكثير من المبتعثين من عادوا ولم يجدوا لهم وظيفة، وهنا يكمن الهدر، لافتاً إلى أن لدينا تخصصات لا تجد قبولاً وتخصصات مستهلكة لها أكثر من "50" عاماً متكررة، مُشدداً على أننا بحاجة إلى مؤتمر يجمع مديري الجامعات حتى يقترحوا تخصصات ويلغوا أخرى، فالقضية هنا ليست فردية إنما مشكلة مؤسسات وتحتاج إلى نقاش كبير ومهم لجميع قضايا التعليم. توفير البدائل وتحدث د. ماجد الحمد - عميد معهد اللغويات العربية بجامعة الملك سعود - قائلاً: إنه يجد عدداً من الذين أنهوا دراسة المرحلة الثانوية من أبنائنا الطلاب والطالبات أنفسهم دون مقاعد دراسية جامعية، مما يجعل تعليمهم يتوقف عند تلك المرحلة، ويضعف فرصهم الوظيفية مستقبلاً، ولعل السبب في هذه الدوامة السنوية يكمن في أنه وقر في أذهان أفراد المجتمع أن جميع المتخرجين من المرحلة الثانوية ينبغي أن يحصلوا على فرصة جامعية، حتى وإن لم يكونوا مؤهلين بمعدلاتهم المركبة "معدل الثانوية واختبارات التحصيلي والقدرات وغيرها" وقدراتهم الطبيعية، أن يتميزوا في الجامعة بعد الالتحاق بها، وهذا ملاحظ من عدد الذين ينسحبون أو يجبرون على الانسحاب من الجامعة بعد عدد من الفصول الدراسية - تطول أو تقصر - يقضونها فيها، مضيفاً أنه على المجتمع مسؤولية توفير البدائل المناسبة لهؤلاء الذين لا يجدون مقاعد جامعية، سواء كثروا أم قلوا، إذ إن توفير تلك البدائل سيساعد في تخفيف نسب البطالة، فعوضاً عن أن يلتحق جميع الخريجين والخريجات من الثانوية العامة بالجامعات، ينبغي أن يكون لدى وزارة التعليم رؤية استباقية للطلاب منذ دخولهم المرحلة الثانوية "الأول الثانوي" ليتعرفوا على قدرات الطلاب والطالبات واتجاهاتهم نحو العلوم والأعمال التي يمكن أن يبرعوا فيها مستقبلاً، ويتم ذلك عادة عن طريق التقييم باختبارات الاستعداد والكشف عن العلوم التي يميل إليها كل طالب وطالبة سواء أكانت علوماً نظرية أم تطبيقية، ثم ينظر إلى معدل التحصيل لدى الطلاب، فمن يستطيع منهم الالتحاق بالجامعات فيلتحق بها، ومن لم يحالفه الحظ فينبغي أن يوجه بحسب ميوله وقدراته نحو كليات متخصصة - كليات المجتمع مثلاً - والتي تُقدم لهم سنتين من الدراسة في تخصصات يفضلها سوق العمل ولا تتعارض مع قدرات الطلاب والطالبات. غير مستحيل وأوضح د. الحمد أنه بناء على هذا التصور، لا ينبغي أن يدرس الطلاب جميع المواد والمقررات في السنتين الثانية والثالثة من المرحلة الثانوية، بل ينبغي أن يدرس كل طالب أو طالبة ما يتناسب مع قدراتهم وميولهم بحد أقصى لا يتجاوز أربعة مقررات تكون هي الفيصل في تحديد مسارهم المستقبلي في دراستهم الجامعية أو المجتمعية - نسبةً إلى كليات المجتمع -، بحيث يكونون مؤهلين بعد دراستهم للالتحاق بوظائف تناسب قدراتهم، يوفرها ويحتاجها سوق العمل، مضيفاً أن بقاء الطلاب والطالبات بلا دراسة جامعية أو تأهيل مجتمعي هو أمر ينبغي تداركه من المسؤولين في وزارتي التعليم والعمل، وينبغي التنسيق بين هاتين الوزارتين وغيرها من الوزارات ذات العلاقة لإيجاد حلول لتلك المعادلة الصعبة، مبيناً أن لجميع الطلاب والطالبات حقاً في التأهيل العلمي والعملي، لكن بما يناسب قدراتهم من جهة، وما يناسب سوق العمل من جهة أخرى، دون إهدار لمقدرات الدولة والمجتمع، ولعل في إيجاد الحلول لهذه المعادلة، وهو أمر غير مستحيل، ما يوفر الجهد والمال والوقت للجميع، مسؤولين وطلاب، ووزارات وجامعات، وأرباب عمل بفرعيه العام والخا د. عبدالمنعم القو
مشاركة :