فضيحةٌ جديدةٌ أُضيفت خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية إلى ملف سرقة قطر لحق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 المتخم بالفضائح، بعد أن كشفت وثائق جديدةٌ مُسرّبةٌ عن مزيدٍ من التفاصيل بشأن الدور المشبوه الذي لعبه الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في إسناد المونديال للدوحة قبل نحو ثمانية أعوام. وأفادت الوثائق، التي نشرتها العديد من المواقع العالمية المرموقة المتخصصة في تغطية الأخبار الرياضية، بأن ساركوزي توصل في عام 2010 إلى صفقةٍ مثيرةٍ للجدل مع حكام قطر، وذلك قبل التصويت على اختيار الدولة المُضيفة للبطولة الأكبر على الساحة الكروية في العالم، تعهد لهم بمقتضاها بأن يعمل على تنسيق الدعم للملف القطري، مقابل أن تُقْدِم الدويلة المعزولة على شراء نادي «باريس سان جيرمان» وإطلاق قناةٍ تابعةٍ لشبكة «الجزيرة» الرياضية - المعروفة الآن باسم «بي إن سبورت» - في فرنسا. وبحسب موقع «أركي سبورت»، ترجم ساركوزي - الذي تولى منصبه بين عامي 2007 و2012 - هذا التعهد من خلال «أوامر» أصدرها إلى مواطنه النجم الفرنسي المعتزل ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «اليويفا» حينذاك، لممارسة ضغوطٍ بداخل اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي «الفيفا»، لضمان حصول ملف الدوحة على العدد الأكبر من الأصوات، خلال التصويت الذي أجرته اللجنة في الثاني من ديسمبر 2010، وتنافست فيه قطر مع دولٍ أكثر منها خبرةً في استضافة الفعاليات الكروية الكبرى مثل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. ورغم هذا الاتفاق والرشاوى التي دفعتها قطر لبعض أعضاء اللجنة، لم يتمكن ملفها من الفوز سوى في الجولة الرابعة من التصويت بحصوله على 14 صوتاً مقابل ثمانية أصوات نالها الملف الأميركي. وفي العامين التاليين، نفذ «نظام الحمدين» الجزء الخاص به في الصفقة مع ساركوزي، فبعد شهورٍ قليلةٍ من التصويت، قام «جهاز قطر للاستثمار - وهو أحد الصناديق السيادية الحكومية القطرية - بالاستحواذ في مايو 2011 على 70% من أسهم النادي الباريسي، مع بقاء الأسهم المتبقية بحوزة شركة «كولوني كابيتال» الأميركية. وفي العام التالي لذلك مباشرةً، أطلقت الدوحة قنوات «الجزيرة» الرياضية في فرنسا قبل أن يتغير اسمها بعد أعوام إلى «بي إن سبورت»، لتشكل جزءاً من الشبكة التي تمارس احتكار البث التلفزيوني لبعض البطولات الكبرى في أسوأ صوره. وكان الرئيس السابق لـ «الفيفا» سيب بلاتر، الذي جرى في عهده تصويت اللجنة التنفيذية الذي أفضى لسرقة قطر حق تنظيم المونديال المقبل، قد أقر قبل أيام بأن نيكولا ساركوزي تدخل بالفعل لمنح البطولة للنظام الحاكم في الدوحة، بعدما كانت كل المؤشرات تشير إلى أن هذا الحدث الكروي الكبير سيذهب إلى الولايات المتحدة التي سبق أن نظمته من قبل عام 1994. وبحسب «أركي سبورت»، أضافت الوثائق المُسرّبة أن السويسري جياني إنفانتينو خليفة بلاتر في الاتحاد الدولي للكرة، واصل مسيرة التعاون السري مع الدويلة المعزولة، ولكن هذه المرة في صورة السعي لمساعدة «باريس سان جيرمان» على تجنب التعرض لعقوباتٍ بسبب انتهاكه لما يُعرف بـ«قواعد اللعب المالي النظيف» التي يطبقها الاتحاد الأوروبي، وتنص على ألا يتجاوز إنفاق الأندية المشاركة في مسابقاته قيمة إيراداتها المالية، وألا تتعدى خسائرها 30 مليون يورو (نحو 35 مليون دولار) خلال فترة ثلاثة أعوام. وأشارت الوثائق - التي كشف عنها موقعٌ إليكترونيٌ يحمل اسم «فوتبول ليكس» (التسريبات الخاصة بكرة القدم) - إلى أن التعاملات المشبوهة بين إنفانتينو والنادي الباريسي المملوك لقطر بدأت عام 2014، عندما كان هذا الرجل يشغل منصب السكرتير العام للاتحاد الأوروبي. وأدى الدور الذي لعبه الرئيس الحالي لـ«الفيفا» في هذا الصدد إلى أن يتجنب «باريس سان جيرمان» على مدار السنوات الماضية التعرض لعقوبات «اليويفا»- التي كان يمكن أن تشمل إبعاده من البطولات الأوروبية - رغم أن الاستثمارات التي ضختها الدوحة في النادي ناهزت ملياري يورو (2.27 مليار دولار). وأفادت الوثائق المُسرّبة بأن اجتماعاً عُقِدَ لهذا الغرض في فبراير من عام 2014، وضم إنفانتينو وبلاتيني - رئيس «اليويفا» في ذلك الوقت - وكذلك ناصر الخليفي الرئيس القطري لـ«باريس سان جيرمان»، بهدف التوصل إلى اتفاقٍ يضمن استثناء النادي من «قواعد اللعب المالي النظيف». وأدى ذلك إلى أن ينخرط الرئيس الحالي لـ«الفيفا» في مفاوضاتٍ سريةٍ بعد ذلك بأيامٍ قليلةٍ مع الخليفي ومسؤولي ناديه لبلورة مثل هذا الاتفاق. وأكدت الوثائق أن التوصل إلى ذلك الاتفاق جرى على ما يبدو مساء 19 أبريل 2014، قبل دقائق من انطلاق المباراة النهائية لكأس الرابطة الفرنسية بين «سان جيرمان» وأوليمبيك ليون في ملعب فرنسا أو«استاد دو فرانس». وسمح هذا الاتفاق للنادي المملوك لـ«نظام الحمدين»، بالحصول على مئات الملايين من الدولارات من أموال الشعب القطري، بالمخالفة لقواعد الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى فيما بعد إلى تمكينه من أن يُبرم خلال الصيف الماضي أكبر صفقتين في تاريخ كرة القدم. وتمثلت الصفقة الأولى في التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار جونيور دا سيلفا من برشلونة الإسباني مقابل 222 مليون يورو (258.5 مليون دولار). أما الثانية فكانت تعاقد النادي الباريسي بعد ذلك مع اللاعب الفرنسي الشاب كيليان مبابي، الذي انضم إليه من «موناكو» على سبيل الإعارة لمدة موسم واحد قبل التعاقد معه بشكل نهائي، وذلك مقابل 180 مليون يورو (نحو 210 مليارات دولار). وأشارت الوثائق كذلك إلى اتفاقٍ مشبوهٍ جرى في صيف 2012 بين إحدى الجهات السياحية الحكومية في قطر و«باريس سان جيرمان»، ينص على تلقي الأخير 215 مليون يورو (نحو 245 مليون دولار) سنوياً في المتوسط، على مدار خمس سنوات، وهو ما يفوق إجماليه مليار دولار. بل إن التعاقد نص أيضاً على أن يدفع القطريون المبلغ نفسه عن موسم 2011 - 2012 بأثرٍ رجعي، وذلك دون توضيح ما الذي سيقوم به النادي الباريسي في مقابل الحصول على كل هذه الأموال، إذ اكتفى الاتفاق بالإشارة إلى أن نادي العاصمة الفرنسية سيُستخدم لـ «أنشطةٍ ترويجيةٍ»، لم يتم تحديدها على الإطلاق. ولكن الأسابيع القليلة الماضية شهدت اتخاذ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم موقفاً أكثر صرامة من «باريس سان جيرمان»، بعد قرار «اليويفا» أواخر سبتمبر الماضي إعادة فتح التحقيق مع النادي بشأن انتهاكه «قواعد اللعب المالي النظيف»، وهو ما دفع الملاك القطريين له إلى ضخ أموالٍ طائلةٍ في ميزانيته تحسباً لفرض عقوباتٍ مُشددةٍ عليه.
مشاركة :