الجماعة الإسلامية تحاول غسل يدها الملوثة بدماء الأقباط في مصر

  • 11/5/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبني تنظيم داعش للعملية الإرهابية التي جدت الجمعة الماضي في المنيا جنوب مصر، لم يحوّل الانتباه عن الجماعة الإسلامية المصرية تبعا للإجماع على الصلات الفكرية والمادية والبشرية الوطيدة التي تجمع التنظيمين. ولم ينجح أيضا تنديد طارق الزمر، القيادي في الجماعة الإسلامية، بعملية المنيا في تبرئة الجماعة التي أثبتت الوثائق الجنائية والوقائع الميدانية أنها تزود تنظيم داعش بالمنطلقات الفكرية والموارد البشرية، فضلا عن التمويل والمساعدات اللوجستية. القاهرة- أكدت وزارة الداخلية المصرية، الأحد، أن قوات الشرطة قتلت 19 عنصرا إرهابيا من خلية نفذت الهجوم المسلح على حافلة ركاب بمحافظة المنيا (جنوب مصر) وأسفر عن مقتل 7 أقباط وإصابة 18 آخرين الجمعة. وأوضحت أن المداهمة وقعت في منطقة جبلية بالظهير الصحراوي الغربي لمحافظة المنيا. جاء تعليق طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية السابق، التابع للجماعة الإسلامية المصرية، الأحد، على حادث الهجوم على الأقباط في سياق رغبة عامة في التنصل من مسؤولية إيصال جماعته إلى مأزق صار من الصعب الخروج منه، محاولا امتصاص موجة الغضب حيال جماعته التي تردد اسمها ضمن المساهمين في تنامي العنف بمحافظات الصعيد جنوب البلاد. وكتب الزمر على صفحته على تويتر، قائلا “الأقباط هم شركاؤنا في الوطن وكل عدوان عليهم هو عدوان على المجتمع كله وعلى الوطن”، بينما عَدّ الكثير من المراقبين كلامه محاولة لذر الرماد في العيون والإفلات الدعائي من تهم الإسهام في العنف الموجه ضد الأقباط. صحيح أن تنظيم داعش “ولاية الصعيد” أعلن مسؤوليته عن هجوم الجمعة الماضي، لكن المنيا التي جرى بها حادث مشابه قبل حوالي 16 شهرا، هي المعقل الرئيسي والتاريخي للجماعة الإسلامية. وظلت المحافظة بمثابة عاصمة ومركز الجماعة الإسلامية وبها مقر اجتماعات مجلس شوراها وبها تعقد مؤتمراتها وبها المسجد الرئيسي للجماعة الذي ضمته الأوقاف مؤخرا إلى قائمة المساجد الخاضعة لسيطرة الدولة، وهو مسجد الرحمن الذي شهد العديد من المواجهات والصدامات الدموية الشهيرة، علاوة على أن أمير الجماعة لا بد وأن يكون من هذه المحافظة، فلم تعط البيعة لأمير من خارجها وكان آخرهم أسامة حافظ. ترجع ردود الأفعال الغاضبة على تعليق طارق الزمر إلى أن الجماعة الإسلامية لم تثبت صدق ما تدعيه بشأن التحول إلى كيان سلمي وحزب سياسي، وتركت ميراثها الفكري القديم ينتشر في قلب معاقلها التاريخية، تزامنا مع ممارسات متناقضة مع ما هو منشور ومعلن في كتب المراجعات الفكرية التي أصدرها قادتها، ومع بنود ما عُرف بمبادرة وقف العنف التي تم تفعيلها مع بداية الألفية. غراف يستقي تنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن عملية دير الأنبا صموئيل بمركز العدوة بمحافظة المنيا، أفكاره من الميراث المنهجي الذي أصلته وروجت له الجماعة الإسلامية بمحافظات الصعيد خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والمتعلقة بما يُعرف بقتال الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة وجهاد الحكام الكافرين الذين لا يطبقون الشرع وإقامة دولة الخلافة، وهي المفاهيم التي لم يبذل القادة والمفتون بالجماعة طوال السنوات الماضية جهدا لتصحيحها داخل البيئة التي زرعوها فيها. استفادت المجموعات التي تباشر العنف والإرهاب ضد الأقباط بمحافظات الصعيد من أساليب هجمات الجماعة الإسلامية في التسعينات من القرن الماضي، ومن تكتيكات تنفيذ هجماتها، خاصة أسلوب الهجوم على الحافلات التي تقل مدنيين. وكان النموذج المفضل لدى قادة الجناح المسلح للجماعة الإسلامية استهداف حافلات السياح ضمن خطة استهداف الاقتصاد المصري وإحراج النظام أمام الرأي العام العالمي، وهو ما لجأت إليه الخلايا الحديثة بالتزامن مع بدء فعاليات منتدى الشباب العالمي بشرم الشيخ، والذي افتتح مساء السبت الماضي. وسبق أن اعتمدت الجماعة الإسلامية على تنفيذ هجمات على محلات ذهب مملوكة لأقباط بالصعيد بغرض توفير الدعم المادي للجماعة تحت ذريعة فتوى من قادة التنظيم بأن أموال الكفار غنيمة للمجاهدين الإسلاميين، وهو ما تستنسخه مجموعات العنف الجديدة تحت عنوان “ولاية الصعيد” أو “الدولة الإسلامية بمصر”، ما دفع الخبراء إلى القول بأن ما يحدث “تطبيق لنفس المناهج القديمة وبذات الأساليب وإن اختلفت العناوين والأسماء”. ووجه عمرو فاروق، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، اتهاما صريحا للجماعة الإسلامية المصرية بالإسهام والمشاركة في الهجمات التي تستهدف الأقباط بمحافظات الصعيد، لافتا إلى أن الجماعة الإسلامية لا تزال تسيطر على قرى كاملة، وعلى عائلات كبيرة تعتنق عقيدة التكفير والمواجهة المسلحة، وتؤمن بمنهج التغيير من أعلى رأس في الدولة، واستحلال أموال ودماء الأقباط. وكشف فاروق عن أدوار الجماعة الإسلامية في تصدير العناصر المسلحة لمعسكرات الصراع في سوريا والعراق وليبيا وسيناء، مشددا بناء على مصادر قريبة من الجماعة الإسلامية بالمنيا على أن عناصر من الجماعة أشرفت على استقطاب عدد كبير من الشباب وضمهم إلى خلية “ولاية الصعيد” الموالية لداعش والمسؤولة عن مجمل الهجمات ضد الأقباط، وأن عمرو سعد قائد الخلية الهارب كان قد انضم إلى الجماعة الإسلامية بعد انتفاضة يناير 2011. الجماعة الإسلامية لم تثبت صدق ما تدعيه بشأن التحول إلى كيان سلمي وحزب سياسيالجماعة الإسلامية لم تثبت صدق ما تدعيه بشأن التحول إلى كيان سلمي وحزب سياسي تتزامن هذه التطورات مع إدراج العدد الأكبر من رموز الجماعة الإسلامية وحزبها “البناء والتنمية” بقائمة الكيانات الإرهابية، وهو الإجراء الذي قطع الشك بشأن المستقبل السياسي لهذا الفصيل، ما يدعم وجهة نظر القائلين بأن الجماعة التي فشلت في العمل السياسي وصار حضورها في المشهد السياسي ميؤوس منه تعول بشكل رئيسي، على مناهجها القديمة معتمدة على ذات الممارسات والأفكار، مع التغطية عليها بعناوين مثل المراجعات والنشاط الحزبي. ووفقا لتحديث قوائم الإرهاب في مصر والذي أجرته الدائرة الحادية عشرة بمحكمة جنايات القاهرة مؤخرا تنفيذا لقانون الكيانات الإرهابية، تم إدراج 164 اسما ينتمون جميعا إلى حزب البناء والتنمية والجماعة الإسلامية، منهم طارق الزمر الرئيس السابق للحزب، وصفوت عبدالغني رئيس مكتبه السياسي، وخالد الشريف مستشاره الإعلامي، وإسلام الغمري عضو الهيئة العليا. اللافت في قرار إدراج قيادات وأعضاء حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية هو ما ورد في الحيثيات بشأن الإشارة إلى أنه جاء في إطار جهود يبذلها النائب العام لمواجهة الإرهاب وكشف مصادر تمويله السرية. يستدعي الأمر العودة إلى وقائع وتحقيقات قضية تنظيم ولاية سيناء في مايو الماضي والتي ضمت 555 إرهابيا، حيث كان من ضمنهم طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية السابق والهارب خارج البلاد، فقد وُجه إليه اتهام نصه “الاضطلاع بدور محوري في جماعة ولاية سيناء حيث كان يتولى عملية توفير الدعم المالي لتمويل الجماعة من جهات خارج مصر بما يعينُ عناصر الجماعة على تنفيذ عملياتهم العدائية وجرائمهم الإرهابية”. يأتي إدراج قيادات ورموز هذا الحزب ضمن الكيانات الإرهابية بعد أن كان الزمر وحده مدرجا، في ضوء ملفات أخرى غير تلك التي كان يجري الترويج لها والمتعلقة بالارتباط بجماعة الإخوان ونشاطات ما كان يُعرف بتحالف دعم الشرعية. تكشف تغريدات الزمر وغيرها حول محاولات التنصل من المسؤولية، أنها مناورات للتغطية على نشاطات سرية ظلت حلقة وصل بين الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وفرعها في سيناء، من خلال شبكة تدار من قطر وتركيا بالتعاون مع عناصر مصرية، ويأتي تورط الجماعة الإسلامية في تجنيد الشباب بتنظيم “ولاية سيناء” مدعوما بتمويلات خارجية بهدف الاستمرار في دعم الإخوان، والمواجهات المسلحة ضد الدولة.

مشاركة :