انطلق مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورته التاسعة والعشرين مساء السبت وسط حضور مكثّف من قبل الفنانين والسياسيين. واحتضنت مدينة الثقافة لأول مرة حفل افتتاح المهرجان الذي بدأ أولى دوراته في عام 1966، وهو المهرجان الأقدم بين دول الجنوب. تونس – بعد أقل من أسبوع على تفجير انتحاري بوسط العاصمة، أثبتت تونس تجاوزها لهذا الحادث بافتتاح كبير لأحد أعرق مهرجاناتها وهو أيام قرطاج السينمائية مساء السبت 3 نوفمبر الجاري. واستقبلت مدينة الثقافة التي افتُتحت في وقت سابق من هذا العام الدورة التاسعة والعشرين للمهرجان، التي تتواصل من 3 إلى غاية 10 نوفمبر الجاري. وبسطت السجادة الحمراء ترحيبا بالفنانين وصناع السينما من مختلف أنحاء العالم. وقال رئيس الوزراء يوسف الشاهد في تصريحات للتلفزيون التونسي أثناء انطلاق حفل الافتتاح “أعتقد أنها دورة استثنائية بكل المقاييس بفضل الضيوف وعدد العروض.. الرسالة هي كلما انتصرت الثقافة تراجع العنف والتطرف والإرهاب”. بجانب العروض السينمائية البالغ عددها 206 أفلام ينظم المهرجان ندوات فكرية وعروضا فنية وترفيهية في الشوارع وأضاف “مقاومة العنف والتطرف والإرهاب لا تكون عبر الوسائل الأمنية والعسكرية فقط، ولكن أيضا عبر نشر الثقافة والتربية للشباب، والسينما وسيلة مهمة جدا لدحر هذه الظواهر”. وكانت امرأة فجرت نفسها يوم الاثنين الماضي في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس مما أسفر عن إصابة 20 شخصا. وتشمل الأيام أربع مسابقات للأفلام الروائية الطويلة والروائية القصيرة والوثائقية الطويلة والوثائقية القصيرة. أفلام وتكريمات يعرض المهرجان، الذي يحضره أكثر من 500 ضيف من الخارج، 206 أفلام تمثل 47 بلدا، وأغلب الأفلام منتجة في 2018، وتشارك تونس بـ23 فيلما من بين 54 فيلما عربيا. كما تكرم أيام قرطاج ثلاثة من كبار صانعي السينما في العراق هم محمد شكري جميل وفيصل الياسري وقيس الزبيدي، وثلاثة مبدعين رحلوا هذا العام هم الفنان المصري جميل راتب، والمخرجة والكاتبة والمنتجة المصرية عطيات الأبنودي، والمخرجة والمنتجة السينمائية نجوى سلامة. وقد رشحت إدارة المهرجان 13 فيلما لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة و12 فيلما لمسابقة الأفلام الروائية القصيرة و11 فيلما لمسابقة الفيلم الوثائقي الطويل وثمانية أفلام للوثائقي القصير. ومن أبرز الأفلام التي سيتم عرضها ضمن فعاليات المهرجان الفيلم التونسي “ولدي” للمخرج محمد بن عطية، والفيلم المصري “يوم الدين” للمخرج أبوبكر شوقي، والفيلم المغربي “صوفيا” لمريم بن مبارك، إضافة إلى أفلام من الكونغو والعراق والهند وغيرها. وخصص المهرجان لعروض الأفلام 19 قاعة سينما في العاصمة بما في ذلك مدينة الثقافة، إضافة إلى قاعات أخرى في محافظات نابل وصفاقس وسليانة والمهدية والقصرين. وخصص أيضا عروضا في ست وحدات سجنية في البلاد. وبجانب العروض السينمائية ينظم المهرجان ندوات فكرية وعروضا فنية وترفيهية في شوارع تونس العاصمة. 19 قاعة عرض19 قاعة عرض ونذكر أن السلطات الأمنية التونسية سمحت لأول مرة منذ سنوات باستغلال شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة استغلالا كاملا، بما في ذلك الجزء المواجه لمقر وزارة الداخلية والذي ظل منذ أحداث الثورة عام 2011 محاطا بالأسلاك الشائكة. وحول تأثير العمل الإرهابي الذي جد مؤخرا بالعاصمة على المهرجان قال نجيب عياد مدير المهرجان “هذا الاعتداء الخسيس لا يزيدنا إلا عزما وحماسا لإنجاح المهرجان الذي انطلق قبل 52 عاما”. مضيفا “المهرجان صورة عاكسة للحرية والتسامح ضد حاملي المشاريع الظلامية والثقافة هي السد المنيع والوحيد ضد الجهل وأعداء الحياة”. وحول إمكانية عزوف بعض الضيوف عن القدوم للمشاركة في الفعاليات، أجاب عياد “كل الضيوف أكدوا حضورهم مساندة للمهرجان الذي يشكل مناسبة تبثّ الفرح في نفوس التونسيين والضيوف”. ومشى ضيوف الدورة التاسعة والعشرين من سينمائيين أفارقة وعرب وأوروبيين وسياسيين فضلا عن نجوم في السينما العربية على السجادة الحمراء قبل الوصول إلى مجمع مدينة الثقافة الواقع وسط العاصمة. وقالت الفنانة المصرية ليلى العلوي في تصريح لها “نحن مستمرون يدا واحدة، نحن الذين سنبقى من أجل الحق والإنسانية”. من ناحيته قال المخرج والناقد العراقي حسين الأنصاري “الثقافة هي السلاح الأول ضد التطرف”، معتبرا أنّ “المساندة والحضور ينبّهان مَن يريد إطفاء نور الحياة إلى أن الثقافة مشعل يضيء دروب هذه الحياة ويمنحها وهجا”. العودة إلى الجنوب مقاومة التطرفمقاومة التطرف اختارت إدارة المهرجان هذا العام أربع دول لتكون ضيفة الشرف هي العراق والسنغال والبرازيل والهند. وقال نجيب عياد، مدير مهرجان أيام قرطاج السينمائية، في كلمة الافتتاح بمسرح الأوبرا في مدينة الثقافة “كان همنا منذ الدورة الماضية الرجوع إلى ثوابت المهرجان التي تتلخص في ثلاث نقاط أساسية.. هذا المهرجان هو عربي أفريقي أساسا، ونطمح لإيجاد التوازن في الأفلام والحضور بين القطبين، هذا المهرجان هو مهرجان جنوبي وعمقه ثلاث قارات هي أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية مع نكهة متوسطية، هذا المهرجان ذو مسحة نضالية وهو فضاء للحريات والتلاقي والتسامح”. وأضاف عياد “نعتقد أننا بهذا التوجه نكون في قلب القرن الحادي والعشرين، نفخر بخصوصيتنا ولا نطمح للتشبه بأي مهرجان في العالم”. وتابع قائلا “نريد أن نجعل من أيام قرطاج السينمائية ومن تونس أهم قبلة للمهنيين في السينما العربية والأفريقية، وأعتقد أننا سننجح في ذلك”. وبدأ حفل الافتتاح بعرض كوريوغرافي للفنانة المسرحية سندس بلحسن التي تولت تقديم فقرات الحفل، وعرض برنامج الدورة ولوحات راقصة، بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر ووزير الثقافة محمد زين العابدين وعدة شخصيات فنية وسياسية وممثلي البعثات الدبلوماسية في تونس. وبعد استعراض الأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان ولجان التحكيم كرم المنظمون بعضا من صناع السينما العربية والأفريقية قبل عرض فيلم الافتتاح “بدون وطن” (أباتريد) للمخرجة المغربية نرجس النجار وبطولة محمد نظيف وعزيز الفاضلي ونادية النيازي إضافة إلى الفرنسية جولي جاييه. ويسلط فيلم “أباتريد” الضوء على مأساة أكثر من 300 ألف من المهاجرين المغاربة الذين طردوا من الجزائر في عام 1975.
مشاركة :