لندن - ساعدت التكنولوجيا الحديثة العلماء بشكل كبير في التقدم في مجال فك الشفرات الوراثية ورسم الخرائط الجينية، مما مكنهم من تحقيق اكتشافات قيمة سواء في تشخيص الأمراض أو في علاج البعض من الأورام أو فهم ألغاز علمية وتاريخية. وأسهمت التقنيات الحديثة في وضع خرائط جينية جديدة لعلاج أورام المخ، كما تم كشف أسرار الهجرة البشرية. وإلى جانب ذلك تم تطوير تقنيات ثلاثية الأبعاد لرسم الخرائط الجينية بتكلفة أقل ووقت أسرع مما كان يستغرقه إنجاز هذه العملية في السابق. وأطلق علماء الخميس الماضي مشروعا كبيرا لرسم خرائط الشفرة الجينية لكل أنواع الحياة المعقدة المعروفة على الأرض وعددها 1.5 مليون نوع، ويهدفون لإتمام المهمة خلال عشر سنوات. ووصف العلماء مشروعهم (إيرث بيوجينوم) بأنه “الإنجاز الهائل المقبل في علم الأحياء” بعد مشروع الجينوم البشري، الذي كان يهدف لرسم خارطة الحمض النووي البشري واستمر 13 عاما وتكلف ثلاثة مليارات دولار واكتمل في عام 2003. وكان علماء قد عرضوا العام الماضي تقنية جديدة طوروها من خلال فك شيفرة الحمض النووي للبعوض الناقل لفيروس زيكا، تسهل عملية رسم الخرائط الجينية للكائنات الحية وتقلص كلفتها ومدة إنجازها. ويمكن للتقنية الحديثة ثلاثية الأبعاد القيام بنفس عمل مشروع الجينوم البشري في بضعة أسابيع بتكلفة تقل عن 10 آلاف دولار. وتعمل التقنية الحديثة على تحديد تتابع الصبغيات “الكروموزومات” عن طريق دراسة كيفية انثناء الصبغي في نواة الخلية، ويمكن تطبيق هذه التقنية على أي نسيج حي، سواء كان لبشر أو حيوان أو نبات. وإلى جانب انخفاض تكاليف التقنية الحديثة، فإن فك الشيفرة الوراثية بها لا يستغرق سوى وقت قصير، ما يجعلها ذات أهمية قصوى في حالات الطوارئ الطبية وانتشار الجائحات المعدية. وقال هاريس لوين الأستاذ بجامعة كاليفورنيا ورئيس مشروع (إيرث بيوجينوم)، إن من المتوقع أن يتكلف المشروع 4.7 مليار دولار وإنه “سيضع في النهاية أساسا جديدا لعلم الأحياء للتوصل إلى حلول للحفاظ على التنوع البيولوجي والمجتمعات البشرية”. وقال “ستكون الخرائط الجينية مصدرا هائلا للاكتشافات الجديدة وفهم قواعد الحياة وكيفية حدوث التطور وأساليب جديدة للحفاظ على الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض وتوفير إمكانيات جديدة في الزراعة والطب”. وقال جيم سميث مدير العلوم بجمعية (ويلكوم ترست) الصحية العالمية الخيرية في الإفادة إن المشروع سيكون “ملهما على المستوى الدولي” وسيتيح المجال لإحداث نقلة في الأبحاث المتعلقة بالصحة والأمراض. وأضاف “من الطبيعة سنكتسب البصيرة كي نطور علاجات جديدة للأمراض المعدية وعقاقير لإبطاء الشيخوخة ونتوصل لأساليب جديدة لإطعام العالم”. وحتى الآن، لم يتم رسم الخارطة الوراثية إلا لنحو 3500 من أنواع الحياة المعقدة، أي حوالي 0.2 بالمئة فقط. وقال لوين إن المؤشرات على التراجع السريع في التنوع البيولوجي والزيادة في عدد الأنواع المهددة بالانقراض أو المنقرضة تؤكد الحاجة الملحة للمشروع. وأضاف “نحن بحاجة ماسة لوضع فهرس للحياة على كوكبنا الآن، سنقوم بالأمر ليس لأنه سهل وإنما لأنه صعب وضروري”. ويعتمد العلماء كثيرا على علم الجينات لحماية الوجود البشري وتطوير مجالات الزراعة والطب وتحقيق اكتشافات جديدة في التاريخ وعلم الأحياء وغيرهما. وبدأ علماء في كاليفورنيا برسم خارطة جينية للقهوة العربية، التي تمثل 70 بالمئة من الاستهلاك العالمي، لحمايتها من تأثيرات تغير المناخ ومن الأمراض. وساهمت التكنولوجيا الحديثة في إثراء علم الوراثة الذي يمكن من فهم الهجرة البشرية عبر الزمن، ما يساعد على فهم التركيبة الوراثية لسكان العالم. وأبدى الباحثون اهتماما بعلم الجينات وطوروا أبحاثهم ليصلوا إلى التعديل الجيني. ويمكن تعديل الحمض النووي للإنسان من القضاء على الأمراض المزمنة، وهو ما شجع العلماء لتطوير أبحاثهم في مجال تعديل الجينات البشرية. ومنحت السلطات البريطانية في أبريل الماضي موافقتها لإدخال تعديلات على البشر جينيا لأول مرة في أوروبا، وذلك من خلال استخدام الحمض النووي لعلاج اضطراب الدم. كما شمل التعديل الجيني النباتات والخضار والغلال بهدف مقاومة البعض من الآفات أو الأمراض أو الظروف البيئية والمناخية التي قد تضر بالمحاصيل أو لزيادة قيمتها الغذائية ومميزاتها.
مشاركة :