الأرواح الشريرة في خدمات أدعياء شريرين

  • 11/5/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

وعمري نحو 12 سنة، أعطتني أمي عشرة قروش لأدفعها في دفتر تبريكات ختان أحد «الأشراف»، وكان مبلغا مهولا يغطي احتياجات أسرة من ستة أشخاص من القوت الضروري ليوم كامل، وقد جرت العادة في السودان أن يدفع أقارب وأصدقاء كل طفل يخضع للختان مبلغا من المال، أو أن يقدموا تبرعا عينيا للمختون وقد يكون المتبرع سخيّا ويتبرع بنخلة كاملة أو معزة. المهم أنني قررت أنني أولى بتلك الثروة، وبدلا من التوجه إلى بيته ظللت ألف وأدور (ع الفاضي) من حارة إلى حارة، لتزجية الوقت، إلى حين انتهاء مراسم الزفاف، ثم أعود إلى البيت زاعما أنني نلت البركة بدفع القروش العشرة لـ«الشريف»، وبينما أنا أتوسط الميدان المؤدي إلى المدرسة، فوجئت بزفة ضخمة فيها المئات ركوبا وراجلين احتفاء بالختان الميمون، ثم غبت عن الوعي، وعرفت لاحقا أن فارسا مشاركا في الزفة صدمني بحصانه المندفع، وسبب لي كدمات بليغة، وصحوت من الغيبوبة وأنا في حالة هلوسة، ونقلوني إلى العيادة وجاءت أمي تولول ونزعوا عني ملابسي الممزقة ووجدت أمي القروش العشرة في جيبي، وولولت مجددا لأنها استنتجت أن غضب الأشراف لحق بي، لأنني «اختلست» ذلك المبلغ، وجاء كبير الأشراف إلى بيتنا، وقال كلاما كثيرا ثم وجه بصقات سريعة: تف تف، نحوي وطمأن والدتي بأن «الأشراف» قد عفوا عني وأنني لن أصاب بلوثة عقلية، وعشت بعدها سنين طويلة وأمي تعتقد أنني «مغضوب عليه». ومن يقرأ الصحف العربية، يخرج بانطباع بأن كل قوى شيطانية غاضبة جعلت من المنطقة «قيادة مركزية»، فلا يمر يوم من دون حكاية أو أكثر عن خادمة «سحرت» عائلة، أو عن شخص «طيب» وقع فريسة جني عنيد، وصارت آلاف العائلات تعيش في رعب مقيم من القدرات الخارقة للخادمات الآسيويات، واي شخابيط يتم اكتشافها بين أشيائها لا بد ان تكون سحرا نافذ المفعول. وعندنا في السودان تفشى وباء الغباء حتى صار لبعض المسؤولين الحكوميين كتيبة من الاستشاريين في فنون الحل والربط.. ثم تجد نفس المسؤول الكبير الذي يستعين بخبير في شؤون العالم السفلي ليضمن له البقاء في منصبه ويصيب الوزير بـ«العمى» كي لا يرى أخطاءه؛ تجده يؤم الموظفين في الصلوات! ودي تيجي إزاي؟ أنت تعتقد ان آدميا مثلك يتحكم في مجريات القضاء والقدر، ثم تقف أمام من بيده القضاء والقدر من دون إحساس بالذنب على الأقل؟ اللجوء إلى الدجالين هو سبيل العاجزين عديمي الثقة بالنفس، ومهما حوقلوا وبسملوا فهم ضعيفو الإيمان، لأن من يؤمن تماما بأن كل أموره بيد خالقه لا يجعل بينه وبين الخالق سمسارا، ومن يسلم رقبته الى دجال يصبح كمدمن القمار الذي يخسر المرة تلو الأخرى ولكنه يعزي نفسه بأن ضربة الحظ الكبرى آتية فيواصل المقامرة حتى ينتهي به الأمر مفلسا أخلاقيا وماديا. وهناك أناس يتفاخرون بأن لديهم «شيخا مبروكا» خاصا بهم يضعون كامل ثقتهم فيه لفك العنوسة أو الرهن أو الدين أو ضمان نجاح العيال، ولا تنتبه الباحثة عن زوج عن طريق الشيخ المزعوم إلى أنها ظلت موعودة بالفرج طوال 15 سنة (مثلا) ويفوت على الغارق في الديون أن أوضاعه المالية على حافة الهاوية و«المبروك» المزعوم لا يزال يطالب بالرسوم على شكل هدايا له أو كاش وحلي ذهبية للشياطين الذين ينفذون أوامره.. والعيال الذين زودهم الشيخ بترياق النجاح على شكل طلاسم تحمل بصاقه ولعابه «المبارك» يزدادون جهلا وأمية عاما تلو الآخر، لأنهم ينصرفون عن المذاكرة، لأن ذويهم أكدوا لهم ان الشيخ سيضمن لهم النجاح. في لبنان لجأت سيدة إلى مشعوذ أفَّاق طبقت شهرته الآفاق ليمنع زوجها من الاقتران بأخرى.. وأعطاها الشيخ الوصفة تلو الأخرى، وجميعها طلعت فاشوش، إلى ان اتي وصاح فيه الشيخ: فُرِجت؛ خذي هذه الخلطة وضعيها في مشروب وقدميه للزوج، «ولو تزوج فوقك آدي شنبي أحلقه بالملقاط»؛ وعملت الزوجة بالنصيحة وشرب الزوج عصيرا فيه الخلطة، ولم يعد بمقدوره ان يتزوج مرة أخرى، لأنه مات بعد شرب سم منزوع البركة.

مشاركة :