القاهرة - استجاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لضغوط خارجية وداخلية، طالبت بتعديل قانون الجمعيات الأهلية، وقرر إعادته إلى البرلمان، مع تشكيل لجنة لإجراء حوار مجتمعي حول شكل القانون الجديد، في خطوة تستهدف تخفيف حدة الانتقادات الموجّهة لمصر في مجال تضييق الحريات. وجاءت موافقة السيسي، أثناء مشاركته في إحدى جلسات منتدى شباب العالم، الاثنين، وسط حضور عدد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وعدد من الشباب الممثلين عن 160 دولة، ما يشي بأن القرار له أبعاد خارجية، ويوحي باستعداد النظام لتحسين مستوى التعامل مع القضايا الحقوقية، محل اعتراض الكثير من المنظمات الدولية. وتعرضت القاهرة خلال الفترة الماضية لاتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل عدد من المنظمات بينها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي درجت على انتقاد الأوضاع في السجون المصرية، وطالبت مؤخرا بوقف تعذيب مواطن يحمل الجنسية الأميركية يُدعى خالد حسن، وأعقب ذلك تقرير مشابه أصدرته منظمة “العفو الدولية”، طالبت فيه الحكومة الفرنسية بوقف تصدير الأسلحة إلى القاهرة لاستخدامها في قمع المدنيين داخل البلاد. وتشعر القاهرة أن قضايا المجتمع المدني يمكن أن تكون بابا يشوّه الكثير من التحركات الإيجابية التي تقوم بها نحو دول عدة، ويؤدي هذا إلى حرج بعض الحكومات الغربية التي ترى في النظام المصري شريكا مهمّا في مواجهة الإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية. حافظ أبوسعدة: الحكومة المصرية كانت أكثر المتضررين من القانون الحاليحافظ أبوسعدة: الحكومة المصرية كانت أكثر المتضررين من القانون الحالي ويتزامن الإعلان عن تعديل القانون مع وجود ترجيحات تذهب باتجاه تعديل الدستور خلال الدورة الحالية لانعقاد البرلمان، ومتوقع أن تقابل ذلك انتقادات، في حال ارتبطت بتعديل مدة الرئاسة فقط. واعترف الرئيس المصري لأول مرة بوجود خلل في القانون، وأرجعه إلى وجود تخوّفات أدت إلى خروجه بهذه الصورة، ما يشكل تراجعا عن المواقف الحكومية السابقة. وعلمت “العرب” أن القانون لم يفعّل عمليا حتى الآن، بالرغم من إقراره في البرلمان نهاية عام 2016، بسبب التعقيدات التي صاحبت بعض مواده في ما يتعلق بتشكيل اللجان الأمنية لمتابعة الأموال الواردة من الخارج، والآخر يرتبط بحدة الضغوط الخارجية. وربط البعض من المراقبين بين قرار الولايات المتحدة، في يوليو، بالإفراج عن 195 مليون دولار من المساعدات، تعود إلى العام المالي 2016، وبين القرار الأخير للرئيس المصري، لأنه جاء بعد أن وعدت القاهرة واشنطن بأنها ستراجع القانون الذي لقي اعتراضات واسعة من نواب في الكونغرس. وأكد محمد الغول، وكيل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري، أن الضغوط الخارجية لم تتوقف على مدار العامين الماضيين، وتطرّقت زيارات السيسي للخارج إلى تعديل القانون، واختارت السلطة السياسية توقيتا يشير إلى أن هناك حوارا داخليا بشأن القانون، والحكومة منفتحة على جميع الآراء. وأضاف لـ”العرب”، أن تعديلات القانون سوف ينهي الجدل الدولي بشأنه والذي تركّز على معايير تدفق الأموال لهذه المنظمات من الخارج، وستكون هناك ضوابط للتعرف على الجهات المقدمة لهذه الأموال وأوجه صرفها، من دون أن يكون ذلك مصحوبا بالعديد من التعقيدات الإدارية التي كانت سببا في توقف عمل غالبية منظمات المجتمع المدني بمصر. وتسبّبت الإجراءات الإدارية المشدّدة التي نص عليها القانون، ويحمل رقم 70 للعام 2017 في ما يتعلق بتأسيس وعمل نشاط المنظمات الأجنبية، في تجميد عملها لما يقرب من عامين، ما تسبب في فراغ تنموي/مدني، كانت تقوم به في مناطق فقيرة داخل مصر. وأوضح حافظ أبوسعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، أن الحكومة المصرية كانت أكثر المتضررين من القانون الحالي، لأنه سبّب لها حرجا دوليا كبيرا، وساهم في خروج الملايين من الدولارات، كانت مخصصة لمجالات تنموية مختلفة بفعل انسحاب المنظمات الحقوقية وجهات التمويل من البلاد، وتوجيهها إلى بلدان أخرى. وأشار لـ“العرب”، إلى أن الحكومة تحاول تلافي المواد السالبة للحريات في القانون الحالي، وسوف تعمل على إخراجه بطريقة تدفع المنظمات للعمل مرة أخرى داخل البلاد، وأن البديل قد يكون جاهزا في أدراج وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، والتي أعدّت قانونا توافقَ عليه الجميع، قبل أن تتدخل جهات معينة (أمنية رفض تسميتها) لوقف إقراره. ويعاقب القانون الحالي بالحبس مدة تصل إلى 5 سنوات، وغرامة تصل إلى مليون جنيه (حوالي 55 ألف دولار تقريبا) كل من ساعد أو شارك منظمة أجنبية في ممارسة نشاط أهلي في مصر دون الحصول على تصريح رسمي. وتوقع محمد أبوحامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان المصري، وأحد القائمين على إعداد القانون الحالي، أن تشكل الحكومة لجنة تتضمن عاملين في مجال المجتمع المدني بشكل عام للتعرف على وجهة نظرهم بشأن المواد المعدّلة، على أن يتبعها تشكيل لجنة أخرى من البرلمان والحكومة لمناقشة هذه التعديلات قبل إقرارها مجددا. واستبعد في تصريحات لـ“العرب”، أن يكون هناك خرق على مستوى الموقف الدولي من القانون عقب تعديله، لأن فلسفته تقوم بشكل أساسي على حماية الأمن القومي من توظيف التمويل الأجنبي للعمل السياسي، وبالتالي فإن المواد التي ستراقب مسارات الأموال القادمة من الخارج من المستبعد تعديلها.
مشاركة :