عبدالهادي القصبي السياسي الصوفي الصامت ورقصة الدوران في المكان

  • 11/6/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ارتبط صعود عبدالهادي القصبي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إلى موقع رئاسة ائتلاف دعم مصر، في سبتمبر الماضي، ليكون زعيما للأغلبية البرلمانية خلفا لرجل الأعمال محمد السويدي، بحاجة دوائر الحكم لوجود تيار ديني معتدل، أكثر أمانا من الإخوان والسلفيين. وها قد جاءت الطرق الصوفية لتمثل بديلا جيدا لذلك، وتملأ الفراغ. ومنذ رئاسته لائتلاف الأغلبية البرلمانية، الذي يضم مجموعة أحزاب متوافقة في التوجهات والسياسات والأفكار على دعم النظام الحاكم، أخفق القصبي في خلع عباءة الرجل الصوفي، الذي لا يهوى خوض معارك سياسية، وينأى بنفسه عن الدخول في الصراعات، ويفضل دائما أن يتحرك ويتكلم بحساب، وهي إشكالية السياسي الصوفي عموما، فهو من النادر أن يسجل موقفا أو يغرد خارج السرب. جبهة ضد المتطرفين القطب الصوفي محمد ماضي أبوالعزايم شيخ الطريقة العزمية في مصر، قال في حديث تلفزيوني معلقا على عمل الصوفية في الحقل السياسي إن “القيادات الصوفية هي من تقدم نفسها للسلطة لتحقيق مصالحها الشخصية، ومساندتها للرئيس عبدالفتاح السيسي، في الترشح للرئاسة أو القرارات والسياسات العامة، ليست عن قناعة شخصية، بل لركوب الموجة”. من هنا يمكن فهم جانب من الأسباب التي قادت الصوفي للفشل غالبا في العمل السياسي، وأن السماح لأي كادر من الطرق الصوفية بتزعم تكتل سياسي، لا يعني أنه يتمتع بخبرات تؤهله للمنصب، بقدر ما ينحصر الأمر في حاجة السلطة إلى ظهير ديني يتمتع بولاء مطلق. ومن الصعب العثور على تصريح صحافي للقصبي، ينتقد فيه أيّ قرار أو سياسة للحكومة، وهي سمة معظم الصوفيين، لأنهم يعتبرون الحاكم حصانة لهم، طالما لا يمس مصالح الطريقة، ولا مانع لديهم أن تكون الحصانة متبادلة، فهم ظهير للحاكم والحاكم ظهير لهم. تدخلُ الصوفية في المغرب والجزائر، في الأزمات، يعتبر مثالا ممتازاً على الدور الإيجابي المأمول منهم، حتى أصبحوا يشكلون رقما مهما لدى حكومتي البلدين، وفي مناطق أخرى عملوا على تفكيك قوى السلفية المتشددة، وملأوا الفراغ الذي تركه هؤلاء، بحكم انتشارهم وتنظيمهم وتماسكهم القصبي، البالغ من العمر 56 عاما، سياسي هادئ الطباع، نمطي، مسيّر للحال، دون أن تكون له وقفة جادة أو موقف صارم، ويرفض الصدام، لا يشعر بوجوده أحد، سلبا أم إيجابا، وهذه إحدى الصفات التي تريدها الحكومة من صاحب الكلمة العليا داخل البرلمان. يُنظر إلى رئاسة القصبي لأكبر تكتل داخل البرلمان، باعتبارها ضربة قاصمة للإخوان والسلفيين، بحكم العداء التاريخي بينهم، ويشي الأمر، بأن نظام السيسي حسم أمره بأن يكون الصوفيون، التيار الإسلامي الذي يمكن قبوله قريبا من السلطة، لأن الصوفية تعتبر إقحام الدين في السياسة جريمة، تقود إلى حرب أهلية وتهدم مؤسسات الدولة. قراءة الشخصية السياسية التي تنتمي للتيار الصوفي، تقول إنها تمثل نفسها وربما عائلتها أو طريقتها على أقصى تقدير، أيّ لا يقف خلفها ظهير شعبي قوي من أنصار باقي الطرق الأخرى، لتقوية شوكتها ونفوذها السياسي، لأن الصوفية اعتادت ألا تكون كتلا متماسكة في المحكات السياسية. كما أن أهداف الصوفية تبدو مقتصرة على مواجهة نفوذ الإسلاميين المسيسين، سواء كان ذلك بتحرك ذاتي منهم أو بتوجيه من دوائر الحكم، ما يجعل طموحهم متجمدا. عندما قاموا بتأسيس ثلاثة أحزاب سياسية، بعد ثورة 25 يناير 2011، وهي التحرير الصوفي والنصر الصوفي وحزب نهضة مصر، وضمت أتباع الطرق الشبراوية والرفاعية والتيجانية، كان الغرض منها، التصدي لخطر الأحزاب السلفية والإخوانية التي ظهرت بعد الثورة، وبدت أزمة هذه الأحزاب، في إدارتها بفكر وأسلوب الطرق الصوفية الروحية. لم تضف هذه الأحزاب تنوعا سياسيا، لأن أجندتها لم تلامس الشارع، وإدارتها كانت مركزية، من القاهرة، ولم يكن لها فروع بالمحافظات، فلم تحقق انتشارا يضاهي ما حققته أحزاب الإخوان والسلفيين. عباءة الزهد وطموح السياسة المراقبون ينظرون إلى رئاسة القصبي لأكبر تكتل داخل البرلمان، باعتبارها ضربة قاصمة للإخوان والسلفيين، بحكم العداء التاريخي بينهم، ويشي الأمر، أن نظام السيسي حسم أمره بأن يكون الصوفيون، هم التيار الإسلامي الذي يمكن قبوله قريبا من السلطة.المراقبون ينظرون إلى رئاسة القصبي لأكبر تكتل داخل البرلمان، باعتبارها ضربة قاصمة للإخوان والسلفيين، بحكم العداء التاريخي بينهم، ويشي الأمر، أن نظام السيسي حسم أمره بأن يكون الصوفيون، هم التيار الإسلامي الذي يمكن قبوله قريبا من السلطة. مشكلة الصوفي، عندما يمارس السياسة، أنه يجد صعوبة في خلع عباءة الزهد والسلام الاجتماعي والتصالح مع الآخرين. إذ من مبادئ الصوفية، ألا يكون المتصوف صداميا، ولا تستهويه فكرة العداء والتربص، وهو ما يتنافى مع العمل السياسي الذي يستلزم الدخول في معارك ضارية. ينطبق ذلك إلى حد بعيد على القصبي، فهو قليل المعارك السياسية، لكن تظل علاقاته مع الأنظمة السابقة، تهمة تطارده طوال الوقت، حيث يكاد يكون من السياسيين القلائل الذين كانوا على مقربة من نظام حسني مبارك والإخوان والسيسي. استفاد القصبي من نشأته وسط عائلة سياسية ليعرف من أين تُفتح أمامه أبواب الوصول إلى السلطة، وكان والده أحمد القصبي يشغل منصب محافظ الغربية، في عهد مبارك، وبعدها أصبح شيخا لمشايخ الطرق الصوفية. حصل القصبي على بكالوريوس التجارة، والتحق للعمل محاسبا في البنك العربي الأفريقي، ثم تولى منصب مدير فرع البنك بمدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية، قبل أن يتنحى ويشكل الطريقة القصبية الخلوتية، ويشغل من خلالها منصب رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية. يُنظر إلى زعيم الأغلبية البرلمانية، باعتباره المسؤول عن شق صفوف الصوفيين في مصر، حيث إنه بعد وفاة شيخ المشايخ أحمد كمال ياسين، عام 2008 اجتمع قادة الطرق الصوفية، وكان الكل يترقب انتخاب محمد ماضي أبوالعزايم، شيخ الطريقة العزمية، خلفا له، تطبيقًا لقانون 1976 الذي يعطى الأولوية فيه للأكبر سنًا، وكان عمره حينها 67 سنة، وفى اللحظات الأخيرة، اختار مشايخ الطرق الصوفية القصبي، برغم كونه الأصغر سنا ولم يكن يتجاوز 46 عاما. كان القصبي عضوا في مجلس الشورى عن الحزب الوطني، وأمين لجنة الشباب عن محافظة الغربية وعضوا بلجنة السياسات في المحافظة، وقد اختير شيخا للمشايخ الصوفية، بحكم انخراطه داخل الحزب الحاكم الذي كان وقتها بحاجة لشخصية روحية تستطيع جذب الصوفيين خلف النظام، باعتبارهم أحد مصادر القوة والنفوذ الاجتماعي في الشارع. لم يصمت أبوالعزايم على استبعاده من المنصب، ولجأ إلى ساحات القضاء والإعلام، حتى تفرقت الطرق الصوفية وانقسمت، بين مؤيد للقصبي، وأخرى تبادله العداء، لكن الأخير تعامل مع الأزمة بمنطق الصمت. حتى عندما طالبه مشايخ الطرق، إبان حكم الإخوان، بإصدار بيان صحافي بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، برفض الدستور، قال إن “الأمر متروك للصوفيين”، وقيل آنذاك، إن السفير رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، اتصل به وطلب منه عدم إصدار البيان، وبعد فترة، أصدر الرئيس الإخواني محمد مرسي قرارا بتعيين القصبي عضوا بمجلس الشورى. القطب الروحي والسياسة أهداف الصوفية في مصر تقتصر اليوم على مواجهة الإسلاميين، سواء ذاتياً أو بتوجيه من الأعلى، ولذلك شكلوا بعد ثورة 25 يناير ثلاثة أحزاب هي "التحرير" و"النصر" و"نهضة مصر".أهداف الصوفية في مصر تقتصر اليوم على مواجهة الإسلاميين، سواء ذاتياً أو بتوجيه من الأعلى، ولذلك شكلوا بعد ثورة 25 يناير ثلاثة أحزاب هي "التحرير" و"النصر" و"نهضة مصر". أزمة القصبي أن تحركاته توحي بأنه يتقرب من السلطة لغرض البقاء في المشهد، أيّ أن وجوده على الساحة السياسية لا يرتبط بأجندة محددة، أو أهداف ورؤى وخطط يريد تنفيذها، بقدر ما يتعلق الأمر بأنه يستهويه الاقتراب من الساحة السياسية، ما جلعه يوصف بـ”رجل كل العصور”. المتابع لبصماته داخل البرلمان، منذ رئاسته لجنة التضامن الاجتماعي، قبل أن يصبح زعيما لائتلاف دعم مصر، يجدها محصورة في نطاق ضيق للغاية، وأكثرها يتناغم مع أهداف السلطة، فهو صاحب مشروع قانون الجمعيات الأهلية، الذي ضيّق الخناق على منظمات المجتمع المدني. صحيح أنه برر الأمر بضرورة رقابة الأموال المشبوهة التي تذهب للإسلاميين ومن وصفهم بأعداء الوطن، لكن يظل ذلك أحد مخططات الحكومة ذاتها. وقد اتسمت علاقة التيار الصوفي بالأنظمة الحاكمة في مصر، بالتقارب وتجنب الصدام وممارسة العمل السياسي بحسابات دقيقة، تحكمها طبيعة توجهات السلطة نفسها حتى أصبحوا متهمين في نظر خصومهم بأنهم أداة في يد الحاكم لمواجهة نفوذ الإسلاميين مقابل الحصول على إغراءات سياسية مادية للحركات الصوفية. ولذلك يتعمد القصبي في لقاءاته الصحافية والتلفزيونية النادرة، إقحام الحديث عن عدد الصوفيين في مصر، للإيحاء بأنه يمثل قاعدة جماهيرية عريضة، يمكنها تغيير المشهد، إذا قررت ذلك، فهو يتعمد الإشارة إلى أن الصوفية بالملايين، مرة يقول 15 وفي أخرى يقول 20 مليونا، في حين يقول محمد أبوالعزايم شيخ الطريقة العزمية إن عددهم يقدر بـ50 مليونا. أغرت تلك القوة الشعبية لأعداد الصوفيين بعض السياسيين، ودفعتهم لإعلان التصوف، أو ادعاء الانتماء لأسرة أو عائلة صوفية، باعتبار أنهم يمثلون كتلة قوية يمكن الاعتماد عليها في تغيير المشهد السياسي. هل تضيع الفرصة؟ ويدرك البعض من السياسيين في مصر أن التصوف في حد ذاته، طوق النجاة من تهمة المعارضة أو دعم تيارات مناوئة للنظام، بحكم التقارب العاطفي أو حتى القائم على المصلحة، بين السلطة والصوفية، ويعتبر السياسي تصوفه صك براءة أو في حكم المرضي عنه رسميا. يرتبط الأمر بأن السياسي الصوفي اعتاد التحدث بلغة أقرب إلى خطاب الحكومة الرسمي لتأكيد دعمه الكامل للسلطة، ويميل إلى الإسلام الوسطي ويتعامل مع الأزمات بهدوء، ويتجنب المعارك والصدام، ويرى أن طاعة ولي الأمر “الحاكم” ضرورة، طالما ظل مسيطرا ومهيمنا ويمتلك زمام الأمور. غير أن الصورة الذهنية المعروفة عن الشخصية الصوفية عموما بأنها قريبة من الحاكم، أو على الأقل ليست معارضة، دفعت بعض السياسيين للتصوف، وهناك من يفصح عن انتمائه لإحدى الطرق الصوفية، لإبعاد نفسه عن شبهة الانتماء والتعاطف مع الإخوان أو السلفيين. ويشكل التصوف بهذه الطريقة البراغماتية فرصة أخرى تضيع على المجتمع، الذي بوسعه أن يدحر المتشددين من خلال التدين الصوفي البعيد عن الأزمات. ولذلك يبدو دور الطرق الصوفية في مصر اليوم محصورا في بناء السلم والاستقرار الاجتماعي، عبر عقد جلسات صلح عرفية أو إقامة الموالد، وحلقات الذكر، وهو دور قريب من الصوفية السودانية والمغربية والسنغالية والجزائرية، لكن الفرق الشاسع يتضح في عدم السلبية والخنوع أو الهروب من الأزمات السياسية، لأن الصوفيين في هذه البلدان يتدخلون في مشكلات كبرى لوضع حلول جذرية لها. الطرق الصوفية في السنغال والسودان تمتلك إمكانيات مالية ضخمة، عملت من خلالها على القيام بدور سياسي قوي من خلال التدخل في حل الصراعات السياسية، ومواجهة الفقر وتزويج الشباب، وأصبحت فصيلا متماسكا يلعب دورا مجتمعيا مؤثرا يتقبله الناس، ما ساعدها على تكوين حواضن شعبية مثال ذلك تدخل الصوفية في المغرب والجزائر، في أزمة الحدود بين البلدين، والنزاع القائم في منطقة الصحراء، بحكم أن أكثر سكان المناطق الحدودية في الدولتين من الصوفيين، حتى أصبحوا يشكلون رقما مهما لدى الحكومتين في التعامل مع المشكلة، وفي مناطق أخرى عملوا على تفكيك قوى السلفية المتشددة، وملأوا الفراغ الذي تركه هؤلاء، بحكم انتشارهم وتنظيمهم وتماسكهم. في السنغال والسودان مثلا، تمتلك الطرق الصوفية إمكانيات مالية ضخمة، عملوا من خلالها على القيام بدور سياسي قوي من خلال التدخل في حل الصراعات السياسية، ومواجهة الفقر وتزويج الشباب، وأصبحوا فصيلا متماسكا يلعب دورا مجتمعيا مؤثرا يتقبله الناس، ما ساعدهم على تكوين حواضن شعبية. سر الكلمة العليا على النقيض من ذلك، يمكن بسهولة استكشاف حجم الصراع الداخلي بين الطرق الصوفية في مصر، وانفصالهم عن الواقع السياسي والاجتماعي، وعدم التفكير في اللعب بمنطق الدبلوماسية الروحية، التي يفتقر لها غالبية قادتهم. وبسبب أدائه السياسي، تصبح أزمة القصبي مع الحكومة، أن الشيخ الصوفي لم يعد صاحب الكلمة العليا في التأثير على أتباعه، أيّ أن الصوفية تختلف جذريا عن الإخوان والسلفيين في مسألة توجيه أعضائها وأتباعها وأنصارها والتحكم في توجهاتها السياسية، لأنها ليست تنظيما دينيا بالمعنى الحرفي الذي له قائد واحد يستجيب له المنخرطون في التنظيم. وقد انقسموا حول المرشح الرئاسي في انتخابات 2012، بين دعم الإخواني محمد مرسي، أو الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق. حتى أن القطب الصوفي كمال تقادم الشريف، الذي يحظى بقبول واسع بين الصوفية في محافظة أسوان، بجنوب مصر، وله بصمة في المصالحات المجتمعية، أخفق في الانتخابات البرلمانية لأربعة استحقاقات انتخابية متواصلة. أخيرا إن فشل الصوفي في السياسة يظل أحد أسبابه الرئيسية أنه غير مدعوم من أبناء الطرق ذاتها، مثل المعمول به بين التيارات الإسلامية وداخل القوى الليبرالية الأخرى، ما يدفع بعض الكوادر لممارسة السياسة بشكل منفرد أو عبر مجموعات متفرقة. الأمر الذي يفقد التصوف قدرته على لعب الدور الذي يتوجب عليه لعبه في المشهد السياسي المصري الحالي.

مشاركة :