بعد خمسة أشهر على طرد تنظيم «داعش» منه، يعوّل أبناء مخيم اليرموك في جنوب دمشق، أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، على مساعدة الجهات المانحة لينهض من ركامه بعدما حولته الحرب مكاناً مقفراً. ويبدو المخيم الذي كان يؤوي قبل النزاع 160 ألف فلسطيني منحتهم دمشق كل حقوق المواطنة بما فيها حق التملك، باستثناء الانتخاب والترشيح، خالياً من أي حركة إلا من عدد من المهندسين والعمال وبضعة أطفال يشقون طريقهم الى مدرسة خارجه. وتقول آمنة (46 سنة)، وهي من أقلية لم تغادر المخيم: «عشنا كابوساً مرعباً، لكننا انتصرنا على الخوف وبقينا». عام 2012، وصلت الحرب الى المخيم مع سيطرة فصائل معارِضة عليه ثم حصارته قوات النظام السوري، قبل تسلل «داعش» إليه في 2015. وتسببت المعارك وأزمة إنسانية خانقة بمقتل العديد من السكان وفرار العدد الأكبر. وتضيف آمنة التي ارتدت عباءة سوداء وحجاباً أبيض: «لم تقتلنا الأزمة لكننا نحتاج اليوم لمن يعيد بناء المنازل حتى يتمكن أهلنا وجيراننا من العودة». وتقيم آمنة في منزل صغير لم يتضرر كثيراً مع شقيقتها ووالدتها. وتطالب «الدول بأن تساعدنا حتى نتمكن من السير مجدداً». ولم ينجُ مبنى في المخيم من الحرب على ما يبدو. بعضها تصدع جزئياً والآخر سُوّي بالأرض. وتندر رؤية محال احتفظت بواجهاتها. وفيما تكاد تنعدم مظاهر الحياة، يشكل الحي حيث تقيم آمنة مع بضع عائلات أخرى، استثناء، بعدما زيّنه جارها أبو بلال بألعاب وأراجيح «ليفرّح الأطفال». ويقول الرجل (54 سنة) العائد الى المخيم اخيراً والذي يعمل في كنس طرق تُرفع الأنقاض منها: «آمل بأن تؤمّن الدول المانحة وأونروا وهيئة الأمم (المتحدة) الدعم لمساعدة المتضررين». واليرموك هو من أول أحياء العاصمة التي يجري رفع الركام منه في إطار مشروع بدأ تنفيذه قبل شهر ونصف، تموله منظمة التحرير الفلسطينية بالتنسيق مع النظام السوري. بينما يكرر قياديون فلسطينيون في دمشق أن بدء الإعمار ينتظر قرار (الحكومة) السورية. وتترقب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» بدورها هذا القرار. ويقول مديرها العام في سورية محمد أبدي آدار: «القضية الأساسية بالنسبة إلينا هي ما هو مستقبل المخيم؟ هل ستسمح الحكومة للناس بالعودة أم لا؟». ويضيف: «قبل أن نتمكن من فعل أي شيء، يجب أن نحصل على إجابة واضحة من الحكومة». وتواجه المنظمة التي سُمح لها قبل نحو أسبوعين ببدء مسح أضرار منشآتها الـ23 في المخيم بينها 16 مدرسة، من أزمة تمويل حادة. يضاف اليها، وفق المسؤول الدولي «قول العديد من المانحين إنهم لن يدعموا الإعمار في سورية». ويضيف: «لكن بالنسبة إلينا، هذا ليس إعماراً، وإنما إعادة تأسيس للخدمات»، معرباً عن اعتقاده بأن «الإعمار واستعادة الناس الأشياء التي فقدوها، سيستغرقان سنوات عدة». وفرّ 120 ألف فلسطيني من سورية منذ بدء النزاع، بينهم عدد كبير من أبناء اليرموك. ويقرّ المهندس محمود الخالد، أحد أبناء المخيم وعضو لجنة الإشراف على رفع الأنقاض، بأن الإعمار «يحتاج الى دول ورؤوس أموال كبيرة جداً». لكنه يتحدث عن تحديين آخرين يسبقا الإعمار، الأول «اعادة البنى التحتية الأساسية من شبكات صرف صحي ومياه وكهرباء واتصالات» المتضررة كلياً. والثاني أن «تسهّل الدولة السورية عودة السكان بعد إنهاء الإجراءات الأمنية واللوجستية». ويرى أن القرار بالسماح بالعودة يمكن أن يدفع بعض المالكين الى بدء الترميم على نفقتهم الخاصة. ووفق مسؤول محلي سابق في المخيم، يمتلك النظام السوري عشرين في المئة من مساحة المخيم مؤجرة لصالح الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التي تُعنى بشؤون الفلسطينيين في سورية. أما ملكية بقية الأراضي فهي مسجلة بموجب عقود بيع أو وكالات من كاتب عدل غير قابلة للعزل بأسماء أصحابها الفلسطينيين أو السوريين. ويرى واصل حميدة (29 سنة)، الطالب في الدراسات العليا في قسم الإعلام، أن العودة ستكون «أمرا صعباً حالياً». ويقول الشاب النازح مع عائلته منذ 2012: «لا أظن أن إجراءات العودة معقدة ولكن لا مقومات» لذلك. وتمكن واصل غداة استعادة القوات النظامية للمخيم، من الوصول الى منزله «بعد رحلة زحف فوق الردم». ويقول: «كانت رؤيته موجعة، من المؤلم استعادة ذكريات تحاول الهروب منها منذ سنوات».
مشاركة :