واشنطن تخير النظام الإيراني بين العقوبات أو التفاوض وتغيير سلوكه

  • 11/8/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن - منذ دخول المجموعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، يوم 5 نوفمبر 2018، ما فتئ النظام الإيراني يكرر نفس الخطاب، عن التشدد الأميركي “الظالم” حيال إيران، في حين تشير التقارير وتصريحات المسؤولين الأميركيين إلى أن الإدارة الأميركية حريصة على أن تكون لهذه العقوبات رشاقة ذكية بحيث تحقق هدفها في الضغط على أصحاب القرار في إيران من أجل الالتحاق بطاولة المفاوضات. ويقول مراقبون للشأن الإيراني إن الإجراءات والتدابير العقابية تسير وفق هندسة محسوبة لا تؤدي إلى أي فوضى غير متوقعة في آثار هذه العقوبات على مصير ومسار النظام في السياسي في طهران. وبعث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأربعاء، برسالة إلى الإيرانيين في الداخل عبر موقع تويتر، بالتزامن مع بدء سريان ثانية حزم عقوبات واشنطن التي تستهدف شل قدرة نظام طهران إلى أقصى حد، وتغيير سلوكه العدائي بالمنطقة من حيث دعم الميليشيات العسكرية والطائفية. ونشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا كتبه، روجر بويز، يدعو فيه إلى دعم العقوبات الأميركية على إيران. ويذكر بويز أن إيران أوصلت جوا إلى النظام السوري 21 ألف جندي و5 آلاف طن من العتاد العام الماضي. ويجمع المراقبون على أن خطاب الرئيس دونالد ترامب قد تطور في مسألة التوتر مع إيران من مرحلة المواجهة الخشبية ضد إيران إلى مرحلة الضغط من أجل أن يغير النظام الإيراني من سلوكه ويلبي 12 شرطا أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 12 مايو الماضي أي بعد أيام على إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع مجموعة الـ1+5 في فيينا عام 2015. ونفى وزير الخارجية الأميركي في رسالته إلى الإيرانيين ادعاءات ترددها وسائل إعلام مقربة من نظام ولاية الفقيه، أنه “خلافا لما يقوله النظام الإيراني فإن العقوبات لن تشمل مبيعات الغذاء والحاصلات الزراعية، والدواء، والأدوات الطبية”. وقال بومبيو في تغريدته، التي جاءت باللغة الفارسية على حسابه الرسمي، إن “الولايات المتحدة تتضامن مع الشعب الإيراني وتعلن وقوفها إلى جواره، خاصة بعد أن تلقى الصدمة الأكبر على مدار 40 عاما بسبب سوء الإدارة وتفشي الفساد الاقتصادي”. وتقول مصادر دبلوماسية أميركية إن الإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى تصحيح الاتفاق الذي سعت إليه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع إيران بحيث يمنع أي اتفاق دولي من أن يتيح لإيران المضي قدما في أنشطتها الداعمة للإرهاب في العالم. وتضيف المصادر أن ترامب لا يريد اتفاقا مع إيران بل معاهدة دولية تلتزم إيران بموجبها بأن تحترم المواثيق الدولية وتتصرف بصفتها دولة عادية وليست استثناء في المشهد الدولي العام. ويرى بويز أن واشنطن تتصرف وفق مصلحتها. والعقوبات ليست في الواقع منعا كليا لصادرات النفط الإيراني. فالناقلات الإيرانية شرعت في نقل النفط سرا إلى آسيا. ويضيف “لن يتسبب الأمر في زعزعة الأسواق العالمية ولن يترك أوروبا للبرد في الشتاء. كما أن ترامب يتفهم قلق أصحاب السيارات لغياب الوقود وتأثير ذلك على التنمية العالمية”. وتوقع أن تشهد العلاقات الأميركية الإيرانية المزيد من التوتر وتبادل الخطابات المتشددة. ويعتبر المراقبون أن تصاعد السجال بين واشنطن وطهران سيكون منطقيا في وقت تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة لم تفرضها أي إدارة سابقة على أي بلد في العالم قبل ذلك. ورأى هؤلاء أن السلوك الأميركي سيثير ردود فعل من قبل المدافعين عن الاتفاق النووي والرافضين لهذه العقوبات في أوروبا والصين وروسيا، لما لهذا الخيار من تحوّل في الكيفية التي تدير بها واشنطن الأزمات الدولية بمعزل عن مصالح الدول الكبرى، سواء كانت من الحلفاء أو الخصوم. ويشير بويز إلى أن وظيفة العقوبات الآن هي أن تضع القيادة الإيرانية تحت الضغط لتقبل بالتنازلات. وعلى أوروبا دعم الجهود الأميركية، بدل من التكهن بأن سياسات ترامب ستؤدي إلى الكارثة. سلوك إيراني يثير المخاوف الدوليةسلوك إيراني يثير المخاوف الدولية ويقول متخصصون في الشأن الإيراني إن طهران تملك خبرة طويلة في كيفية التفاوض مع المجموعة الدولية ومقاربة أزماتها معها منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. ويضيف هؤلاء أن طهران ستطلق خلال الأسابيع المقبلة خطابا مكابرا يقلل من تأثير هذه العقوبات على القرار السياسي في طهران. إلا أنهم يؤكدون أن التجارب السابقة أثبتت أن إيران تقرأ جيدا الوقائع وحقيقة الأرقام وأنها -وكما استدارت باتجاه القبول بالتفاوض المضني لإبرام الاتفاق النووي- ستضطر إلى القبول بالذهاب إلى التفاوض حول كافة مسائل الخلاف، خصوصا أن بقية دول العالم، حتى تلك الدول المدافعة عن الاتفاق النووي، تبدو متسقة مع رياح العقوبات وغير قادرة على إنقاذ طهران من ورطتها الحالية. وتتمحور المطالب الأميركية حول ثلاثة ملفات. الأول يتعلق بمستقبل البرنامج النووي وضرورة التأكد من مساره على المدى الطويل الذي لم تلحظه اتفاقية فيينا. الثاني يتعلق ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية. والثالث يتعلق بضبط النفوذ الذي تمارسه إيران في الشرق الأوسط، ولا سيما تدخلها في شؤون دول هذه المنطقة. وما زالت إيران مصرة حتى الآن على عدم العودة للتفاوض حول الاتفاق النووي وتعتبر أنها غير ملزمة بمراجعة اتفاقية لم تلتزم بها الولايات المتحدة. ورغم دفاع الاتحاد الأوروبي عن الاتفاقية النووية، إلا أنها بدأت تدعو إلى العودة إلى التفاوض حول كافة الملفات، خصوصا وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يردد إن “الاتفاق النووي لم يعد كافيا”. وتعبر المجموعة الدولية عن قلقها من الأنشطة الإيرانية المهددة للاستقرار في الشرق الأوسط وتدخل إيران المباشر في شؤون قطاع غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن كما تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الخليج. ويبدو أن لدى الجانب الأميركي من المعطيات ما يجعل الرئيس ترامب متأكدا من أن إيران ستجبر على التفاوض من جديد. ويهدف قرار الإدارة الأميركية منح استثناءات لـ8 دول، وضمن شروط مالية معينة، للاستمرار في استيراد النفط من إيران، إلى منح إيران هامشا يتيح لقادتها تأمل الأمور والتفكير في مقاربة عقلانية تفرضها المصالح الحقيقية لإيران بغض النظر عن الخطاب الخشبي الذي يلجأ إليه قادة الجمهورية الإسلامية، سواء على مستوى المرشد علي خامنئي أو على مستوى رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. ويرى بويز أن منتقدي ترامب الذين يعتقدون أن العقوبات على إيران الهدف منها تفقير الشعب الإيراني مخطئون. فقد وضع الرئيس الأميركي استثناءات لعدد من الدول منها الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان واليونان وتركيا وإيطاليا وحتى الصين لتواصل استيراد النفط الإيراني دون أن تمسهم العقوبات فورا.

مشاركة :