أجمعَ المثقفون والمختصون على أن "الأدب البوليسي" ظلَ تائهًاً ومُغيباً لدينا، ولم يحظَ بالاهتمام الكبير، كذلك لم يتجه أصحاب الموهبة الكتابية لسرد قصص بوليسية قد تُحول لأفلام سينمائية تُحقق مشاهدات عالية باعتبار أن هذا الفن مطلوب لدى الكثير من عُشاق المتابعات السينمائية، مُناشدين الجهة المختصة فسح المجال وشحذ همم الكتاب لإعداد نصوص بوليسية تندرج ضمن ذلك الأدب في المملكة والسعي لإبرازه والظهور من خلاله. جاء ذلك من خلال ندوة أقامها الصالون الثقافي للجناح السعودي بمعرض الكتاب الدولي بالشارقة، تحت عنوان "أدب الجريمة والأدب البوليسي.. قراءة ومفاهيم"؛ حيث انتقدَ الباحث في علم الجريمة الدكتور أحمد بن حسين عسيري، نظرة الآخرين للأدب البوليسي بأنها نظرة دونية، وأن البعض يراها من أجل التسلية وأنها ليست أدباً، ولا تخضع لمقاييس معينة، وأنها دائمًا هي جريمة، وقاتل، وتحقيق وتثبّت، محددةً في إطار محدد ليست مثل الروايات الأخرى الاجتماعية التي نستطيع أن نقول إن الرواية انعكاس لحياة الشعوب، حيث يعتقدون أن الأدب البوليسي ليس أدباً كاملاً لربما بسبب أن أول ما عرِف العالم العربي النصوص البوليسية كان عن طريق مصر، وتحديدًا عن طريق نبيل فاروق، في سلسلة روايات "رجل المستحيل" وكانت متوجهة للأطفال، فتكون لدى البعض أن هذا الأدب للأطفال، لنظل نحن في نطاق القيم ونظرة الآخرين. وبين: "الأدب لدينا كانت بدايته جادة وقاسية في نقده وقال: "إذا خرجت من السياق نتحدث عن الفضيلة والأعمال الخيرية وهي محببة، ولكنها لربما تؤطر من التخيل والانطلاقة الفكرية"، مؤكدًا أن البعض يرى في الأدب البوليسي أنه يعلّم الناس الشر، والأولاد يتعلمون الجريمة، وهو تبرير لتعطيل الموهبة، وتعطيل منطلقات أخرى لربما تعتبر مؤشراً للعقلية والأداء الأدبي، ولكني الآن أرى الشباب انطلاقاتهم مختلفة. وقال "عسيري": "أدب الجريمة هو من الأجناس السردية ذات المقروئية العالية، وله حضوره، ومعروف بجذوره التاريخية، لكنه بغير ذات المسمى، فقد حضر منذ بدء الخليقة متدرجًا من الحضارات الإغريقية من خلال جزئية منه، عبرت عن الحضور الأدبي والتاريخي إلى أن ظهرت لظروف معينة بعض النصوص بالعصر الوسيط بما عُرف بالأدب البكر "سيكي والقوطي" ولها معطياتها ودلالاتها على أوضاع المجتمع آنذاك". ويضيف الباحث في علم الجريمة قائلاً: "في العصر الحديث ظهر رواد أعادوا إحياء هذا الجانب بالقصة والرواية البوليسية، وظهر مُنتج متنوع تطور بتطور ضروب الحياة ومتغيراتها، وربما عكست جانباً من خبايا بعض المجتمعات من خلال عناصرها وبناءاتها واتجاهاتها الفنية لتأتي بالعديد من الأنواع، وإن اختلفت في المسمى كالإثارة، والتشويق، والجاسوسية، والتاريخية، وأحيانًا بخليط مع أدبيات الخيال العلمي وما يُعرف بالرعب، مبينًا أن النص البوليسي أو الجرائمي يتميز بأن حواره متوتر جدًا، بالإضافة إلى أن الشخصيات الموجودة في العمل "النص البوليسي" محدودة جدًا وجوهرها هو الوقائع الإجرامية". ويؤكد "عسيري" أننا الآن وصلنا إلى مرحلة جميلة ومتطورة، تقنية في المختبرات ولكنها لم تكن موجودة تزامنًا مع الغرب لذا لن نصل إلى الطريقة للإنتاج البوليسي المقنع، فهناك ما يتعارض مع النصوص، بالإضافة لأنه لا يوجد لدينا محدد منهجي، وأنه في الجامعات أو المقار العلمية أو النقاد لا يأخذون بالمأخذ الجاد، وهو ما يحد من ذلك، فالقيم لدينا تحب النهايات السعيدة في بعض المرويات، وكذلك النص يكون في بعض أجزائه ما يُعتقد أنه يمثل تقليد للناشئة، فالوضع الاجتماعي هو ما يحد في ذلك. وقال: "لا أعتقد أنه سيكون هناك إنتاج بذلك القدر، فهناك مسلسلات ليس فيها الجريمة والعقاب هو الأساس، كما يوجد لدينا أسماء سعوديين لمن كتبوا، مثل روايات عبده خال ومنها "ترمي بشرر" وفيها بوليسيات، ولكنها ليست مقصودة بذاتها، وأيضًا عبدالحفيظ الشمري. وختمَ حديثه مُعلقًا على الرواية البوليسية الكاملة، وقال: "بالنسبة للرواية البوليسية الكاملة العناصر لربما كانت موجودة في رواية "اغتيال صحفية" للكاتبة السعودية فاطمة العمر، وهي قبل ثلاث سنوات، وهناك رواية عبدالله الوصالي، وهي تمثل الأدب البوليسي بالتمام؛ لأنه وضعها في سرد مشوق ومن ثم قدمها بعنوان "بمقدار سمك قدم" وأيضًا "المتاهة الرمادية" فهي جميلة جداً، ولكنه وضع أحداثها خارج البلاد؛ بسبب أنه قد يضطر أن يضعها في مجتمع المافيا، وأيضًا لعدم وجود لدينا ما يستوجب الجريمة الكاملة. يُشار إلى أنّ الندوة كان قد أدارها مدير الشؤون الثقافية المشرف على أنشطة الجناح السعودي بمعرض الكتاب في الشارقة الدكتور محمد المسعودي.
مشاركة :