الخرطوم - اتسع قلق الأوساط المالية السودانية من تراجع قيمة الجنيه لمستويات قياسية أمام العملات الأجنبية، وتزايدت التحذيرات من الانعكاسات الخطيرة لهذا الانحدار، الذي يعكس خللا في التوازنات المالية، في ظل ارتفاع مستوى التضخم وشلل معظم محركات النمو. وسجل الجنيه السوداني انخفاضا جديدا أمس في تداولات الأسواق السوداء، تزامنا مع أزمة حادة في توفر السيولة النقدية من العملة المحلية. وأكد تجار ومتعاملون مع الأسواق الموازية في أحاديث متفرقة مع الأناضول أن أزمة السيولة في العملة المحلية، أدت إلى ارتفاع أسعار الدولار عبر الشيكات المؤجلة. وأوضح المتعاملون وجود تباين في أسعار العملات عن طريق الدفع نقدا، من الشيكات المؤجلة، بحيث يبلغ سعر شراء الدولار نقدا 51.5 جنيها. وارتفعت أسعار شراء الدولار من الأسواق الموازية إلى حوالي 57.4 جنيها عبر الشيكات المؤجلة، فيما بلغ سعر البيع 58 جنيها، من 56.5 و57 جنيها سابقا. ويقول محللون في أسواق المال إن الأسعار المسجلة أمس تعد الأعلى على الإطلاق في تاريخ العملة السودانية، التي تأثرت بفعل ارتباك السياسات الاقتصادية للحكومة. ونصح صندوق النقد الدولي مرارا، الخرطوم بتعويم العملة المحلية لأن الفرق بين السعر الرسمي للجنيه وسعره في السوق الموازية أثر على اقتصاد البلاد، لكنها قامت بخطوات ضعيفة لن تحقق أهدافها. ودخل السودان الشهر الماضي، مغامرة استكشاف إمكانية تحرير سعر العملة المحلية للخروج من أزمة شح السيولة النقدية في السوق، في محاولة حل المشاكل الاقتصادية وتسببت في موجة استياء شعبي نتيجة اختفاء السلع وارتفاع أسعارها. وشطبت السلطات المالية نحو نصف قيمة العملة المحلية في إقرار غير مباشر بأسعار الصرف المتداولة في السوق السوداء. صندوق النقد الدولي: على السودان تعويم الجنيه حتى لا يؤثر أكثر على اقتصاد البلاد كما أجازت الحكومة حينها حزمة من الإجراءات الاقتصادية لقطاع الصادرات والواردات، من بينها تحديد لسعر صرف جديد للجنيه، في التحويلات الخارجية وعائدات الصادرات كافة. ومن ضمن إجراءات المركزي، إنشاء آلية جديدة مستقلة من خارج الحكومة، لتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، تتكون من عدد من مدراء المصارف وأصحاب محال الصرافة، وخبراء اقتصاد. وحددت آلية صناع السوق سعر شراء الدولار بنحو 47.5 جنيها في المصارف التجارية ومكاتب الصرافة الرسمية لوقف نزيف تهاوي قيمة العملة المحلية. ويحاول البنك المركزي من خلال هذه الخطوة، القضاء تدريجيا على السوق السوداء للعملة المحلية، وإعادة العمليات النقدية الأجنبية إلى القنوات الرسمية في البنوك ومكاتب الصرافة المرخصة. وبموجب الآلية الجديدة، سيحدد السودان سعر الذهب تمشيا مع الأسعار العالمية، لكن المدفوعات ستكون على أساس سعر الصرف الجديد. ولا يزال السودان يبحث عن بداية جديدة بعد أكثر من عام من تخفيف الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية المفروض عليه منذ عقدين من الزمن، لكن المحللين يقولون إن الخرطوم تحتاج لوقت طويل حتى تتمكن من إعادة ربط اقتصاد الدولة بالاقتصاد العالمي. وتعاني البلاد منذ انفصال الجنوب في 2011 من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية للحكومات المتعاقبة، والتي لم تجد الاستراتيجية الملائمة للخروج من الدائرة المفرغة للأزمات المتلاحقة. وانعكست المتاعب على سوق الصرف وظهرت بوضوح في تسجيل شح كبير في السيولة النقدية، وصلت مداها إلى أزمات في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي. ودفع ارتفاع سعر الخبز وسلع أساسية أخرى التضخم للارتفاع لمستوى قياسي بلغ 66 بالمئة في أغسطس الماضي، وهو ما يعتبر أحد أعلى المستويات في العالم.
مشاركة :