تنوعنا العرقي والديني حولناه إلى نعمة

  • 11/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حوار: جمال سالم أكد الشيخ محمد فطيرس بكرام، مفتي سنغافورة، أن المسلمين في بلاده يتمتعون بحرية دينية يكفلها الدستور الذي استطاع المسلمون من خلاله الوصول إلى منصب الرئاسة، وأشار إلى أن الوعي لدى الشعب السنغافوري جعل التنوع الديني والعرقي والثقافي «نعمة»، وليس «نقمة»، كما يحدث عند ضيّقي الأفق وقليلي الوعي في بعض الدول الأخرى.. وأوضح أن مؤسسة الإفتاء لديهم تحاول التيسير على راغبي الحصول على حكم الشرع في مختلف القضايا الحياتية والعقيدية مع التأهيل الدائم للأئمة والدعاة للإفتاء الميسر بعيداً عن التشدد، وأيّد ما يطلق عليه «فقه الأقليات»، الذي يعد وسيلة شرعية للتيسير على المسلمين الذين يعيشون في بلاد غالبيتها من غير المسلمين، وتستجد لهم قضايا لم يرد فيه نص صريح، مما يتطلب اجتهاداً جديداً ميسراً بلا تفريط. وفيما يلي تفاصيل حوارنا معه: * لأول مرة في تاريخ سنغافورة يصل المسلمون إلى قيادة البلاد بعد فوز حليمة يعقوب بالرئاسة، فما دلالة ذلك من وجهة نظركم؟ - لا شك في أن فوز الرئيسة حليمة يعقوب أثلج صدورنا بنجاح التجربة الديمقراطية في البلاد وتراجع التعصب الديني والعرقي، وهذا ما عبرت عنه الرئيسة حليمة والتي كانت رئيسة للبرلمان سابقاً، حيث قالت بالنص في مكتب إدارة الانتخابات، «أنا رئيسة للجميع»، بعد أن أعلن مسؤولو الانتخابات الرئاسية، أنها المرشح الوحيد المؤهل الذي تنطبق عليه شروط الترشيح، فضلاً عن خبرتها الواسعة كرئيسة للبرلمان، ولمن لا يعلم فإن الرئيسة ستحكم البلاد ست سنوات، وهي مسلمة من أب هندي وأم مالاوية، وتبلغ من العمر 62 سنة ومتزوجة من محمد عبد الله الحبشي، وهو رجل أعمال من اليمن استقر في سنغافورة منذ فترة طويلة، وهذا الفوز عزز الشعور بأننا دولة صغيرة المساحة وقليلة السكان، إلاّ أنها دولة كبرى ديمقراطياً وتؤمن بتعدد الأديان والثقافات. معجزة اقتصادية * رغم أن سنغافورة دولة صغيرة من حيث المساحة إلا أن شعبها حقق معجزة اقتصادية فكيف تم ذلك؟ - لمن لا يعلم فإن عدد سكان سنغافورة ستة ملايين نسمة ومساحتها 710 كيلو مترات مربعة أي أقل من ألف كيلو متر، ومع هذا أصبحت رابع أكبر مركز مالي في العالم، حيث زاد إنتاجها القومي على 500 مليار في العام الماضي، وهي في ازدهار مستمر بسبب موقعها الاستراتيجي المتميز والفكر الواعي الذي تدار به البلاد وبما أن سكانها في تزايد مستمر ومنهم بالطبع المسلمون، فإنها تعد من الدول الأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم، وقد حولت تنوعها العرقي والثقافي والديني من «نقمة» كما حدث في بعض الدول غير المتحضرة إلى «نعمة»، من خلال دستور يساوي بين الجميع ويحمي حقوقهم، ولهذا فإن التمايز في البلاد بالعمل الجاد والانتماء الصادق لكل من يريد الحصول على ثقة السكان الذين هم خليط من عدة عناصر بشرية وأكثرهم من ذوي الجذور الصينية والماليزية والباكستانية والهندية والإندونيسية، وهم يتكلمون العديد من اللغات واللهجات حسب جذور كل أقلية، إلا أن اللغة الإنجليزية هي الرسمية، باعتبارها اللغة العالمية الأولى في دولة منفتحة على العالم من خلال موقعها الملاحي. تنوع ديني * ماذا عن التنوع الديني المرتبط إلى حد ما بالتنوع العرقي؟ - نحن خريطة مصغرة لأديان العالم، فلدينا كل الأديان السماوية وغالبية الأديان الوضعية، حيث يعيش المسلمون الذين يمثلون حوالي 18% في سلام وتعاون مع أصحاب المعتقدات الدينية وأهمها البوذية والكنفوشية والهندوسية والمسيحية واليهودية، ويعتز الجميع بالدستور والمصالح المشتركة التي جعلت الجميع يعيشون في وحدة وطنية يجني الجميع ثمارها بدون تمييز بين أتباع دين أو عرق، وقد أسهم الموقع المتميز في سهولة تواصل أبناء سنغافورة مع كل الدول المحيطة ومنها الدول الإسلامية مما سهل توصيل الدعوة الإسلامية إلى من لا يعرفها في الداخل والخارج. * كيف تتم إدارة شؤون المسلمين في بلد بهذا التنوع الديني والعرقي؟ - يعيش مسلمو سنغافورة في حالة من الاستقرار الديني، بعيداً عن أي صراعات مذهبية أو عرقية، ولهذا فإن المجلس الإسلامي السنغافوري يلعب ما يشبه دور وزارة الشؤون الدينية الإسلامية وله مكانة خاصة في نفوس المسلمين، نظراً لأهميته التاريخية، حيث نشأ عام 1968، أي بعد الاستقلال بثلاث سنوات فقط، بناء على توصية من البرلمان الحكومي، ولهذا فهو يمثل المسلمين أمام الدولة من جانب، كما أنه يقوم بتوسيع وتعميق الوعي بين المسلمين ووضع الاستراتيجية والبرامج التنفيذية لها لتأكيد الهوية الدينية لمسلمي سنغافورة بالتعاون مع مختلف المؤسسات الدينية السنغافورية. * طالما تحدثتم عن الهوية الإسلامية لمسلمي بلادكم ولا يمكن فصل ذلك عن تعليمهم لغة القرآن، فما واقعها لديكم؟. - يسير الاهتمام بلغة القرآن في اتجاهين، أولهما حرص الجالية العربية على تعليم أبنائها العربية بوسائل متعددة، والاتجاه الآخر تقوم به الجمعيات الإسلامية مثل جمعية الدعوة التي تهتم كثيراً بتعليم اللغة العربية حتى يفهم المسلمون غير العرب معاني القرآن الكريم، ومختلف العلوم الشرعية ولذا، تقوم بعقد دورات خاصة لتعليم اللغة العربية بل وتنشئ مكتبات عربية وتيسر الاطلاع فيها لمن يرغبون القراءة بلغة القرآن الكريم. قضايا الإفتاء * باعتباركم المسؤول الأول عن الإفتاء في بلادكم، ما أهم القضايا التي تشغل أذهان المسلمين لديكم؟ - باعتبارنا أقلية تعيش في مجتمع غالبيته من أتباع الأديان الوضعية وفيه قلة من أتباع الأديان السماوية، فإننا نسعى إلى المحافظة على هويتنا من خلال التعرف على شؤون ديننا، وخاصة في قضايا الأحوال الشخصية كالخطبة والزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة، وكيفية المحافظة على الدين في مجتمع غير إسلامي، لهذا فإننا نهتم بالأسئلة المتعلقة بأمور العقيدة وكيفية تعامل المسلمين مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى والتعايش السلمي، انطلاقاً من قول الله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». * هل تستفيدون من الخدمات التي تقدمها بعض مؤسسات الإفتاء في العالم العربي مثل دار الإفتاء المصرية في تدريب الأئمة على الفتوى؟ وهل المسلمون في مناطق الأقليات في حاجة إلى فقه تتوافر فيه سمات معينة؟ - بالفعل هناك تعاون كبير مع مختلف المؤسسات الإفتائية، من خلال عضويتنا في الأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم الإسلامي، كما أننا نستعين بخريجي الأزهر الذين تعلموا فيه وعادوا إلينا دعاة مشهوداً لهم بالكفاءة العلمية والإخلاص في أداء رسالة الدعوة والإفتاء في مختلف المساجد الكبرى والجمعيات الدعوية الإسلامية، وهدفنا جميعاً نشر الوعي الديني لمحاصرة التشدد الذي يظهر في ظل الأمية الدينية، ولذا نؤهل الأئمة والدعاة للإفتاء المعتدل ونيسر معرفة الإسلام الوسطي، وكلنا نعلم أن المذاهب الفقهية التي تم تدوينها حتى وصلت إلينا، وتضمنت اختلافات حسب رؤية كل فقيه للأدلة الشرعية التي استند إليها في فتواه، نشأت على يد علماء ربانيين موسوعيين، وكان هذا في مجتمع أغلبية إسلامية، أما الآن فإن الوضع اختلف، حيث توجد عشرات الأقليات الإسلامية في العالم واستجدت قضايا لم ترد فيها نصوص صريحة في مصادر التشريع، التي يتم الاستناد إليها في الإفتاء، وبالتالي لم يتم تقديم حلول شرعية لمشكلات الواقع الجديد للأقليات، الأمر الذي يتطلب قراءة جديدة لهذا الواقع والاجتهاد لوضع حلول شرعية لما استجد من قضايا في مجتمعات غالبيتها من غير المسلمين، والقاعدة الفقهية، تؤكد أن «المشقة تجلب التيسير»، ومنطلقنا هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. مرونة الإسلام * معنى هذا أنكم من أنصار وجود «فقه الأقليات»؟ - بالتأكيد، لأنه يؤكد مرونة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وشعارنا في هذا الفقه الجديد قول الله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وقوله تعالى: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها». فهذا دليل على وجود التيسير على أبناء الأقليات الذين يعيشون في ظروف معاكسة لا تساعدهم على أداء شعائر دينهم بيسر وسهولة، مثل أبناء الأغلبية المسلمة، الذين يسهل عليهم الالتزام بتعاليم الدين على عكس وضع الأقليات. * لكن المعارضين لهذا الفقه الخاص بالأقليات يؤكدون أنه سيؤدي إلى التفريط في الدين والتنازل عن أساسياته، فما ردكم على هذا التخوف؟ - هؤلاء يقولون ذلك من خلال غيرتهم المحمودة على الدين والخشية عليه من تفريغه من مضمونه بزعم التيسير بلا حدود، ولهذا أقول لهم: «جزاكم الله خيراً على شعوركم»، ولكننا لا نقل عنكم غيرة على ديننا ونحن نيسر بضوابط وليس بإطلاق بمعنى ألا يكون التيسير مخالفاً لنصوص صريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية وإلا تحول الأمر هنا من «تيسير» إلى «تفريط»، وهذا أمر نربأ بأنفسنا عنه وتحكمنا قواعد شرعية ضابطة ونحن نعلم أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سيكونان شاهدين علينا، وبالتالي لن نفرط في ديننا من أجل أمور دنيوية، ولكننا نطبق النصيحة النبوية الخالدة «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا».

مشاركة :