أرجو من الزملاء الأفاضل كُتَّاب الأعمدة في صحفنا الموقرة وهم يُمارسون حقَّهم وحرِّيتهم في تقييم أداء مجلس النواب البحريني.. ثم لا يتورعون في اتهامه بالضعف وعدم النضج وقلة الحيلة.. أرجو أن يراعوا أن عمر التجربة النيابية البحرينية هي عند (16) عاما لا تتجاوزها.. وهي فترة قصيرة إذا قُورنت بأعمار التجارب العربية التي لا يقل أي مجلس مماثل بها عن مائة عام.. وفي دول أوروبية لا تقل التجربة عن (250) عاما متواصلة. إن مجلس النواب البحريني لا يزال في عمر البداية، ولا يزال يبني قاعدة انطلاقه، ويرسي أعرافه وتقاليده التي يبني عليها وينطلق منها حتى هذه اللحظة. صحيحٌ أن مجلس النواب.. وهو يؤدي دوره ويمارس صلاحياته.. لا يزال يخطئ.. وهذا لا يعيبه، ولا ينتقص من شأنه بأي حال من الأحوال. فإذا كان المجلس قد أخطأ عندما بَصَمَ على مشروع قانون الضريبة المضافة -كما يقولون- فهناك مجالس أعرقَ منه وعمرها يناهز الـ(150) عاما بصمت على كثير من التشريعات التي نعتت بمخالفة الدستور في الوقت الذي من المفروض أن تكون هذه المجالس الحامي الأول للدساتير والقوانين، ومنها على سبيل المثال مجلس النواب المصري الذي بصم على قانون ضريبة العاملين بالخارج عندما بصم على هذا القانون مرتين ونقضته المحكمة الدستورية العليا مرتين على أساس أن الأموال المُكتسبة من الخارج لا تخضع للضريبة.. ثم وُوجه بموقف تاريخي من رئيس مصر الأسبق حسني مبارك عندما حاول المجلس أن يضع صياغة جديدة لقانون ثالث لضريبة العاملين في الخارج.. عندما قال الرئيس للمحاولين -ومن بينهم مجلس النواب- عبارته الشهيرة «كفاية فضحتونا»!! ثم بَصَمَ مجلس النواب المصري على قانون «الضريبة العقارية» الذي يواجه الآن المصير نفسه، وهو من إبداعات «...... الذكر» يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق.. يواجه المصير نفسه لأنه القانون الذي يمسخ هوية المواطن المصري ويسلبه مصريته على أرضه.. ويفرض عليه استئجار بيته الذي يمتلكه! إن أسوأ ممارسة في حياة ومسيرات المجالس النيابية عندما تقرُّ تشريعات تتعارض وأحكام وروح الدساتير.. وقد حدث هذا كثيرًا في تاريخ معظم المجالس العربية وغير العربية أيضًا! مجلس النواب البحريني ارتكب أخطاءً عبر مسيرة الفصول الأربعة التشريعية السابقة والـ16 عاما المنقضية.. لكن لا ضَيْرَ في أن يخطئ.. ذلك لأنه لا بُدَّ أن يخطئ لكي يتقدم ويحصن وضعيته ويؤصلها.. ويرسي تقاليده وأعرافه البرلمانية لكي ترتكز عليها انطلاقته. أخطأ المجلس كثيرًا.. وبَصَمَ على قوانين ما كان له أن يبْصُم عليها.. ومارس عادات وظواهر لا يمارسها غير تلاميذ المدارس.. ألا وهي ظاهرة «التزويغ» من الجلسات وتعطيل تمرير القوانين والموضوعات المهمة لانعدام اكتمال نصاب الحضور! لكن في المقابل نجح المجلس في تمرير قوانين مهمة أثرت رصيد البحرين التشريعي وجددته وطورته.. كما نجح في إرساء أعراف برلمانية راسخة في سنوات قلائل لم تنجح برلمانات كثيرة في إرسائها عبر نصف قرن من الزمان.. ونجح السادة النواب في تكوين سمعة عالية طيبة لمسيرة مجلس النواب البحريني.. تتغنى بها عديد من المجالس والدوائر العربية وغير العربية.. كما نجحت الوفود البرلمانية البحرينية في إحباط محاولات تشويه صورة البحرين في الخارج وإبطال الإساءات «المُفبركة» لسمعتها بفعل أعداء الوطن ودُعاة السوء.. وعلا صوت البحرين قويًّا على ألسنة أعضاء هذه الوفود في المؤتمرات والمنتديات العالمية، مؤكدين أن البحرين هي التي على الحق دائمًا، وأن الاستهدافات الموجهة نحو البحرين ظُلمًا وعُدوانًا هي التي دائما على الباطل. *** في التصريحات التي أدلى بها السيد عبدالله بن خلف الدوسري الأمين العام لمجلس النواب والتي نشرتها «أخبار الخليج» أمس قال: لقد وجَّه السادة النواب خلال الأدوار الأربعة للفصل التشريعي الرابع لمجلس النواب (300) سؤال برلماني إلى أصحاب السعادة الوزراء. بصراحةٍ هذا العدد من الأسئلة (300) يعتبر كبيرًا.. ذلك لأنه إذا كان السؤال البرلماني يأتي ضمن الأدوات الرقابية البرلمانية فإنه يعد أضعفها على الإطلاق، كما أن هذا البند يُسهم في هدر وقت الجلسات العامة للمجلس، وهو وقتٌ ثمينٌ جدًّا.. علينا أن نتصور كيف يُهدر هذا البند وقت المجلس إذا قلنا إن أقل سؤال يستغرق الحوار من حوله ساعة كاملة في المتوسط.. كما أنه حوار بين الوزير ونائب واحد.. وليس من حق أي نائب أن يتدخل في الحوار حول السؤال عندما يكون الحوار دائرًا.. لا قبله ولا بعده.. أي أن 39 نائبا تتعطل قواهم ومجهوداتهم وقرائحهم خلال معظم وقت الجلسة، وعلينا أن نتصور ماذا يحدث إذا علمنا عدد الأسئلة التي تكون على جدول أعمال الجلسة العامة الواحدة، وهي في المتوسط 5 أو 6 أسئلة!! ثم إن بندَ الأسئلة -مراعاةً لوقت ومشاغل أصحاب السعادة الوزراء- يكونُ على جدول أعمال الجلسة العامة مُقدمًا على كل البنود في بداية الجلسة.. أي أن هذا البند يستهلك أفضل أوقات الجلسة وأحسن مجهودات السادة النواب فائدةً.. رغم أنه كما قلنا إن السؤال يكون بين الوزير ونائب واحد.. ويخدم أغراضًا وأهدافًا هي في نفس النائب وحده! هذا من ناحية.. أما من الناحية الأخرى والأهم فإن السؤال النيابي رغم كونه أداة رقابية توصف بالضعف.. فإن السؤال في كثير من الأحيان نجد النائب يطلب من خلاله معلومات تهمه ودائرته فقط في أحسن الأحوال.. ويُمكن الحصول على هذه المعلومات أو الإجابة عن السؤال من خلال الاتصال بالوزير أو الوزارة والحصول على هذه الإجابة هاتفيا أو كتابة في وقت أسرع.. وتوفير الوقت الثمين الذي يُهْدَرُ وتوجيهه لمصلحة التشريعات أو القضايا العامة التي تُهِمُّ شعبًا بأكمله. لذا؛ أقترح على المجلس الجديد بإذن الله أن يضع ضمن أولوياته البحث في تعديل اللائحة الداخلية للمجلس من أجل إعادة بَلْورة بند أو آلية الأسئلة النيابية.. والحدِّ منها.. وتحديد عدد الأسئلة التي يحق للنائب توجيهها إلى أي وزير خلال دور الانعقاد الواحد.. إذ إنه ليس من المُستساغ أبدًا أن يخلو فصل تشريعي كامل بأدواره الأربعة من استجواب واحد لوزير واحد، وهو الآلية التي تعد أقوى الأدوات الرقابية البرلمانية على الإطلاق، في الوقت الذي يصعد فيه عدد الأسئلة النيابية إلى 300 سؤال في الفصل التشريعي.. هذا البند الذي يعد من أضعف الآليات أو الأدوات البرلمانية الرقابية.. بصراحةٍ هذا هو من بين ما جعل الكثيرين من الكُتاب يحكمون على مجلس النواب في فصله التشريعي الرابع بأنه كان مجلسًا ضعيفًا!!
مشاركة :