الشارقة: محمدو لحبيب أٌطلق مساء أمس الأول في بيت عبيد الشامسي بمنطقة الفنون في الشارقة، الكتاب الفني العالمي «إبراهيم الصلحي.. دفتر السجن»، والصادر عن مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع متحف الفن الحديث «موما»، في نيويورك، حيث قدم الدكتور صلاح محمد حسن الأستاذ في جامعة جولدوين سميث ومدير معهد الحداثات المقارنة في جامعة كورنيل في نيويورك، الذي حرر الكتاب وأعده، عرضاً كاملاً عن أهم محتوياته، وذلك في إطار فعاليات النسخة الأولى من معرض «نقطة لقاء» الذي تنظمه المؤسسة كمنصة لعرض وتوزيع الكتب الفنية، وقد حضر الإطلاق جمهور كبير متنوع من مختلف الجنسيات الغربية والعربية والآسيوية.يحكي الكتاب من خلال مجموعة من الرسومات ومقابلة أجريت مع الصلحي في أكسفورد 2013م، تجربة السجن ظلماً والتي عاشها الفنان السوداني حين سجن في سجن «كوبر» في الخرطوم، في سبعينات القرن الماضي، بعد اتهامه بالاشتراك في محاولة انقلابية. وقد ضم الكتاب مقدمة للشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيسة المؤسسة، ومقالاً مطولاً بعنوان «إبراهيم الصلحي و( دفتر سجنه): مذكرات بصرية» للدكتور صلاح محمد حسن، كما ضم الكتاب مقتطفات من السيرة الذاتية للصلحي والمعنونة ب «قبضة من تراب»، إضافة لرسوماته، والمقابلة الآنفي الذكر. في تقديمها للكتاب قالت الشيخة حور القاسمي، إنه في سبتمبر من عام 1975م، تم إلقاء القبض على الفنان السوداني الصلحي وتعرض للإهانة واحتجز من دون محاكمة لمدة ستة أشهر في سجن كوبر في الخرطوم، بعد اتهامه زوراً بالتورط في انقلاب ضد الحكومة، وأضافت الشيخة حور قائلة: «خلال أيام وأسابيع الإقامة الجبرية التي أعقبت إطلاق سراحه، أنتج الفنان الحداثي الرائد والمثقف والمعلم دفتر سجنه، والذي برغم تواضعه في الحجم، إلا أنه لا يُضاهى في التأثير».وأبرزت الشيخة حور أن هذا المجلد الذي أنتجه الصلحي عن تجربته القاسية يجد نفسه الآن في مقدمة الحوارات الثقافية وأنه شارك في أكثر من معرض وقالت: «الآن وبعد أكثر من أربعة عقود، يجد المجلد نفسه في مقدمة الحوارات والمناقشات الثقافية، محققاً مكانته الصحيحة كتحفة للحداثة الإفريقية والعربية، لقد تم ضم دفتر السجن هذا في معرض (إبراهيم الصلحي: رؤى الحداثة) في عامي 2012 و2013، والذي نظمه متحف الفن الإفريقي في نيويورك، وذلك بالتعاون مع متحف التيت مودرن، لندن، والذي تم افتتاحه لأول مرة في متحف الشارقة للفنون في مايو 2012م»، وأضافت الشيخة حور مبينة محورية «دفتر السجن» في معارض المؤسسة في السنوات السابقة، وكونه قدم نفسه بامتياز لجمهور الناطقين باللغة الإنجليزية: «كان (دفتر السجن)، في الآونة الأخيرة، محورياً في المعرض الرائد ( مدرسة الخرطوم: حركة الفن الحديث في السودان، 1945- حتى الحاضر)، في مؤسسة الشارقة للفنون في 2016- 2017م، وفي عام 2018 أنتجت مؤسسة الشارقة للفنون ومتحف الفن الحديث في نيويورك نسخة طبق الأصل باللغة الإنجليزية، من ( دفتر السجن) للصلحي، والذي قدم لأول مرة رسومات الفنان وكتاباته عن تجربة اعتقاله والتي لا تنسى إلى جمهور واسع من الناطقين باللغة الإنجليزية».وأشادت الشيخة حور القاسمي بإطلاق النسخة العربية من الدفتر من طرف المؤسسة، وعبرت عن امتنانها لمتحف الفن الحديث على ثقته بالمؤسسة لإعادة طباعة النسخة العربية، وأكدت أن هذه النسخة موجهة لقراء اللغة العربية بشكل عام وللسودانيين بشكل خاص.من جهته قال الدكتور صلاح في مقاله الافتتاحي للكتاب، إن الصلحي أبدع رسومات مدهشة بالقلم والحبر فقط، خلال فترة سجنه وأنها تتماهى وتُذكِر بتجربة الفنان النمساوي إيغون شيلي رغم اختلاف الظروف التي أدت لاحتجازهما وأضاف شارحاً ذلك: «أبدع الصلحي سلسلة من الرسومات المدهشة بالقلم والحبر على كراسة رسم خلال فترة احتجازه قيد الإقامة الجبرية في المنزل عام 1976 م، بعد خروجه من سجن كوبر، وهي تُذكِر في محتواها البصري وفي السياق الذي أٌنْتجت فيه بالرسومات التي أنتجها الرسام النمساوي المعروف إيغون شيلي بالألوان المائية، رغم اختلاف الظروف التي قادت لاحتجازهما، فقد عبر كلاهما عن غضبه ومعاناته الشخصية من خلال تسجيل تجربتهما في السجن، فلجأ شيلي لألوان الماء، ليرسم بها شخوصاً بشرية عجفاء في تناقض صارخ مع جدران السجن، فيما جاءت رسومات الصلحي في خطوط دقيقة بالقلم والحبر باللونين الأسود والأبيض تجمع ما بين التوثيق البصري لحياة السجن اليومية ولوحات سريالية آسرة، وبعض الشعر والنثر، والأدعية، إلى جانب آيات قصيرة من القرآن الكريم».وأبرز الدكتور صلاح، التأثير الذي أحدثته تجربة السجن في أعمال الصلحي في مرحلته التي تلت تلك الفترة وقال: لقد اتسمت الفترة التي أعقبت فترة السجن، والتي يصفها الصلحي بالمرحلة الثالثة في مسيرته الفنية، بأنها مرحلة الثقة بالنفس والرضا، وهي تعكس خبرة حياة كاملة، يقول الصلحي عنها: بدأت أرى معنى الأشياء بوضوح أكبر من ذي قبل، أفكاري باتت منظمة أكثر، وتحسنت مهارات الرسم عندي، وصار اهتمامي مصوباً أكثر نحو البنية الداخلية للعمل، والتي أفضل أن أعبر عنها بالأسود والأبيض.وقد شرح الدكتور صلاح للخليج بعد انتهاء عرضه للكتاب، الرسالة الفنية التي يمكن أن يضيفها لأي فنان في جميع أنحاء العالم فقال: «يحمل هذا الكتاب رسالة أولى تتلخص في القدرة على تجاوز المحيط الجغرافي وحوائط العزلة عبر الخيال الإبداعي، والخروج بعمل يستوعب كل الطاقات الإنسانية ويبرز قدرة الإنسان كروح وجسد وعقل على الإبداع رغم كل الظروف الصعبة التي يمكن أن يوجد فيها، والرسالة الثانية هي أن تجربة السجن كانت نقطة تحول مهمة في المسيرة الإبداعية الفنية للصلحي، فجاءت فترة ما بعد السجن أكثر تطوراً ونضوجاً من ما قبلها، حيث انتقل إلى مرحلة يسميها هو في تجربته مرحلة الرسم المركب العضوي اللامتناهي».وشرح الدكتور صلاح، مغزى اختيار الغلاف الأخضر للكتاب في النسخة العربية حيث قال: «حين أراد الصلحي تجسيد رسوماته، وجد في بيته دفتراً أخضر من ماركة معينة معروفة، وبما أن الدفتر الأصلي اقتناه متحف الفن الحديث في نيويورك، وحافظ عليه لأنه نسخة قديمة، فنحن حاولنا أن نقدم نسخة طبق الأصل كما يقال من الكتاب، واخترنا اللون الأخضر لأنه لون الدفتر الأصلي».وقد ضم الكتاب تعليقات من الفنان الصلحي حول ذكريات سجنه والرسومات التي نفذها هناك، فقال متحدثاً عن قراره بتجسيد وجمع تلك الرسومات في كتاب أو دفتر واحد: «أردت تسجيل تلك التجربة لأنني اعتدت على توثيق وتدوين كل ما يمر بي من تجارب وأحداث، وقد حرصت على تدوينها لأنها كانت تجربة مريرة من ناحية، وغنية من ناحية أخرى، وهكذا شرعت في التدوين بالكتابة والرسم»، وبيّن الصلحي كيف أنه جسّد من خلال تلك الصور المختلفة، والأماكن والأشخاص الذين التقى بهم، وما تعرض له من أحداث خلف جدران السجن الشاهقة، وقال مؤكداً إن هدفه من تدوين كل ذلك هو هدف إنساني عام وليس مجرد تسجيل شخصي لمحنته: «هكذا بدأت في تدوين تلك الصور كيلا أنسى، ليس من أجلي أنا فقط، بل من أجل أي إنسان بريء اُحْتُجِزَ دون وجه حق، فقط لكي نتذكر ما يمكن أن يحدث».وعكست الرسومات الواردة في الكتاب إلى حد كبير، تأثر الصلحي ببيئته الثقافية المحلية، واستدعاءه لتجارب السجن والظلم التي وردت في القرآن الكريم، وهو ما يعكس تأثره كذلك بالبيئة التعليمية الأولى التي تلقاها في طفولته.
مشاركة :