فنان مصري يعيد رسم علاقة المسرح بالجمهور

  • 11/12/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إن مساعدة المسرح الذي يعاني من كبوة حقيقية منذ فترات طويلة، خاصة في ما يتعلق باجتذابه للجمهور، بيد المشاهدين وإقبالهم على المسرح، فهو الأمل الوحيد في استرداده لعافيته. وإن حققت هذا بعض المسرحيات، فإنه ليس كافيا حيث ارتبط جمهورها فقط بالنجوم الذين يشاركون فيها. “العرب” التقت المسرحي المصري أشرف عبدالباقي في حديث حول هذه الظاهرة وحول عمله الأخير. القاهرة- تأتي مسرحية “جريمة في المعادي”، التي افتتحها منتجها ومخرجها الفنان أشرف عبدالباقي، على مسرح نجيب الريحاني في وسط القاهرة مؤخرا، محاولة مغايرة لإنعاش المسرح المصري. الرهان على حراك جماهيري مسرحي يتبع عرض هذه المسرحية، يدعمه نجاح أشرف منذ عام 2014 مع بدء عروض فرقة “مسرح مصر” في الوصول إلى حل لبعض ألغاز المعادلة الصعبة لاجتذاب شريحة عريضة من الشباب المصري الذي هجر مسرح الدولة والقطاع الخاص. تقتصر متابعة العروض على عدد محدود من المشاهدين الذين بدؤوا في التلاشي والانقراض، حتى صارت ليالي العرض لأي مسرحية محدودة للغاية. وظل التواجد الجماهيري مرتبطا بشعبية الفنان، لذا نجد معظم مسرحيات النجم يحيى الفخراني تحقق نجاحا استثنائيا، ومسرحية محمد رمضان الأخيرة “أهلا رمضان” تجد رواجا كبيرا. وهذا لا يمثل نجاحا حقيقيا في استعادة المسرح لجمهوره، بل هو تجسيد لنجومية البطل، لأن حالة الاستفاقة الحقيقية للمسرح تتطلب اندماج المتفرجين مع فكرة الحياة التي تقدم لهم على خشبة المسرح، كي يصبحوا تدريجيا جزءا منها ومن الإتقان المتوافر في جميع عناصرها. انتقد كثيرون تجربة “مسرح مصر” باعتبارها “شخابيط” مسرحية غير واضحة الملامح ولا تحمل إبداعا مسرحيا، وهو ما يراه أشرف عبدالباقي، صاحب فكرة تكوين الفرقة “أمرا يجافي الواقع الحقيقي”. ويقول لـ”العرب”، “المسرح مثل جميع الفنون لا يخترع حياة، بل يعبر عن الحياة الموجودة، لذا جاءت تجربة مسرح مصر هزلية ارتجالية، فالأمر كان محاولة لجذب الشباب لخشبة المسرح الذي افتقدنا تواجده أمامها بشكل كبير، ولم تبق صورتها في مخيلتهم إلا كذكريات تكونت عبر متابعتهم للأعمال المسرحية القديمة”. كوميديا حركية المسرح مثل كل شيء في الحياة لا بد أن يحمل سمات العصر الذي يواكبه ولغته ويعكس تقنياته ليحقق الانتشارالمسرح مثل كل شيء في الحياة لا بد أن يحمل سمات العصر الذي يواكبه ولغته ويعكس تقنياته ليحقق الانتشار نجح “مسرح مصر” بلغة شبابية رائجة وضحكات صارخة وارتجال صاخب على المسرح، في أن ينسي المشاهدين الفكرة الرئيسية للعمل الذي يقدم، وبعد عرض ما يقرب من 200 مسرحية تمكن عبدالباقي من تحويل التواجد في المسرح إلى طقس معتاد لدى قطاع لا يستهان به من الشباب، وهم القوة الفاعلة والمؤثرة في دفع الأعمال الفنية في جميع المجالات. ويوضح عبدالباقي “مسرح مصر امتلك أدوات مسرحية بسيطة، لكنه نجح في خلق حالة من التفاعل معه، وهذا أهم ما يمكن أن يحققه أي عمل أو فريق مسرحي، ونقد بعض ما قدم فيه أمر منطقي ومقبول، لأن المسرح لا ينتعش إلا إذا رافقته حركة نقدية تركز على العيوب قبل الإيجابيات”. في مسرحية “جريمة في المعادي” يقف المشاهد أمام مسرح لا يعتمد على النص فقط أو الرؤية الإخراجية فحسب، بل تشارك كل عناصره من إضاءة وديكورات وموسيقى وصوت وملابس كعناصر فاعلة فيه، فهو مسرح يضج بالحياة وتتدفق الحيوية بين تفاصيله التي تأتي مثيرة ومدروسة يتم التدرب عليها كثيرا، لتكون منضبطة ومتقنة. تعتمد قصة المسرحية على حبكة بوليسية في إطار كوميدي حول جريمة قتل يسعى الجميع لمعرفة مرتكبها، وهي عن نص إنكليزي تم تمصيره، ويقدم فريقان من الممثلين العرض، يبلغ عددهم 40 ممثلا، وتعرض المسرحية لمدة أربعة أيام أسبوعيا، وحملت في أيامها الأولى لافتة “كامل العدد”، ما يعكس حماسا جماهيريا لفكر مسرحي مختلف. يؤكد أشرف عبدالباقي، مدرب ومخرج ومنتج العرض، لـ”العرب” أن المسرح مثل كل شيء في الحياة لا بد أن يحمل سمات العصر الذي يواكبه ولغته ويعكس تقنياته، وهذه المسرحية عمل يحمل روحا جديدة وصارمة في الجدية. الجدية المقصودة في المسرحية، هي عدم السماح بالخروج عن النص، وهذا كما يقول أشرف: “لا يعد انتقاصا من المسرح الهزلي الارتجالي، لكن لأن التقنيات المستخدمة في العمل لا تتحمل الخطأ أو الخروج عن النص، لأن كل كلمة تلازمها حركة من الفنانين أو الديكورات أو الإضاءة”. تجربة جديدة يبدو الانضباط سيد الموقف في المسرحية التي تضاف لرصيد أشرف عبدالباقي، والذي بدأت علاقته بالمسرح عام 1987 عندما قدم لأول مرة مع الفنانين الراحلين محمود عبدالعزيز وعبدالمنعم مدبولي مسرحية “خشب الورد”، وتلتها مسرحيات عديدة، أهمها “الحادثة”، و”المجنونة”، و”باللو”، و”رد قرضي”، و”شبورة”. ثم كانت تجربة “مسرح مصر” التي شارك فيها كممثل، وهو ما رفضه في عرضه الجديد مكتفيا بالإنتاج والإخراج. في إطار التجربة المسرحية الجديدة قام عبدالباقي بتجديد مسرح الريحاني، وهو واحد من أقدم المسارح المصرية، وكان يعرض عليه الفنان الراحل نجيب الريحاني أعمال فرقته، واعتبر البعض هذه الخطوة محاولة لإضفاء المزيد من البريق الفني على التجربة عن طريق ربطها باسم الريحاني وتاريخه المسرحي. في مسرحية "جريمة في المعادي" يقف المشاهد أمام مسرح لا يعتمد على النص فقط أو الرؤية الإخراجية فحسب، بل تشارك كل عناصره من إضاءة وديكورات وموسيقى وصوت وملابس كعناصر فاعلة فيه وهو أمر لا ينكره عبدالباقي، ويقول لـ”العرب”، “أن تستقطب الجمهور لتجربة مسرحية جديدة ويمكنك إلى جانب ذلك تنشيط ذاكرتهم بأعلام المسرح المصري فهذا هدف من أهدافي، وأن يعود الجمهور إلى شارع عمادالدين، وهو من أهم الشوارع الفنية في القاهرة، ويدخل مسرح الريحاني، فهذه مسألة مهمة، فخلال رحلته لقاعة المسرح يقابل صورا وتماثيل لأهم النجوم، وهذا أمر متعمد لنذكرهم بهم وبفنهم العظيم ونذكر أنفسنا كذلك”. مسرح “العبث”، أو “الردح والتشليق” هو الوصف الذي أطلقه الأديب المصري الراحل يحيى حقي على مسرح نجيب الريحاني، ورآه الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، “ممثل مضحك ومسرحه سينتهي برحيله”. ويحاول عبدالباقي عدم تكرار الأخطاء السابقة في مسرحيته الجديدة، ويقول لـ”العرب”، “جزء من متعة العرض متابعة تفاصيله وليس سرد قصته أو أحداثه، وهو عرض به رسائل هامة ونجوم مبشرة تملك خبرات وقدرات الممثلين المحترفين وحماس وشغف الممثلين الهواة، وأتمنى أن ينالوا ما يستحقون من الجماهيرية”. يعد المسرح انعكاسا للواقع، ومن يريد تحسينه عليه تحسين الواقع، لذا لا يجب النظر لتجربة عبدالباقي، كعمل مسرحي نهضوي، كي لا نثقله بعبء قد لا يستطيع تحمله، فهو حجر تم إلقاؤه في مياه المسرح المصري الراكدة جماهيريا، وعلينا انتظار النتائج على المدى البعيد، فقد يحدث الفرق ويثير حراكا مطلوبا لمسرح لا تزال تتعثر خطواته، ولا يجد دعما من النجوم والمنتجين والمؤسسات الثقافية.

مشاركة :