القاهرة تطالب الإعلام بمعادلة مستحيلة: أداء مؤثر مع حرية محدودة

  • 11/12/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا تترك المؤسسات الحكومية في مصر مناسبة دون انتقاد الإعلام والتعبير عن عدم الرضا تجاهه، فيما لا تتطرق إلى هامش الحرية الضيق والرقابة التي تعد عليه أنفاسه وتحول دون تطويره، ومناقشة القضايا الإشكالية. القاهرة- يكرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي انتقاداته إلى الإعلام المحلي واتهامه بعدم قيامه بدوره وغياب تحليلاته العميقة في معالجة المشكلات، بشكل يوحي برغبته في تحقيق معادلة من المستحيل تطبيقها على الأرض، تتمثل في تعزيز دور وسائل الإعلام مع استمرار التضييق على الحريات. ما ذهب إليه السيسي في لقائه بالمراسلين الأجانب، على هامش منتدى شباب العالم، الأسبوع الماضي، فجر حزمة من النقاشات بين المهتمين بالإعلام، لأن انتقاده هذه المرة جاء في وقت تسيطر فيه أجهزة حكومية متعددة على غالبية المنصات الإعلامية، الرسمية والخاصة، ما يعني أن الكلام يشير إلى عدم الرضا عن هذه الجهات التي فشلت في أداء مهامها وأخفقت في الترويج بصورة إيجابية لطموحات الرئيس المصري. ووجهت نشوى الحوفي، الكاتبة بصحيفة “الوطن” الخاصة، فضلا عن دوائر أخرى قريبة من الحكومة، تساؤلات عدة إلى الرئيس في مقالها، الخميس الماضي، قائلة “من نحاسب على سطحية العرض واستضافة غير القادرين على توضيح الأمور بما يليق بالقضية والوطن والمشاهد في إعلام بات يكرس للجهل والحديث بلا معلومة وفرض الرأي على الحقيقة؟”. وأوضح الرئيس المصري أنه “يريد الصوت المؤيد لمصر وتقدمها، وليس الصوت المؤيد له.. ومناقشة المشكلات المجتمعية بشكل مفصل وعبر وجهات نظر مختلفة”، وهو ما يؤكد أن هناك فجوة بين ما يتحدث عنه السيسي وما يريده، وبين التطبيق الذي يرسخ لترويج وتأييد خطواته بشكل مطلق من دون أن يسمح لوجهات النظر المعارضة بأن ترى النور. الحكومة لا تخاطب المنصات الرقمية بلغتها وتصر على التعامل بشكل بدائي مع الشائعات التي تصدر من خلالها ويتعارض هذا الحديث مع الإجراءات الصارمة التي اتخذتها جهات مشرفة على الإعلام، وتعمد تجاهل مناقشة الكثير من القضايا المجتمعية والسياسية المهمة، والتركيز بشكل أكبر على الجوانب الترفيهية، ووقف الكثير من البرامج الحوارية، ويتم تحديد مصادر بعينها للحديث في كل قضية، وتقديم لائحة للجهات الأمنية بأسماء الضيوف قبل ظهورهم على الشاشات المصرية، ما يقلص من أي إبداع ممكن في الإعلام المصري. وقال خبراء لـ”العرب” إن تصريحات السيسي مقدمة لتغيير كبير على مستوى الأسماء التي تدير العمل الإعلامي وتنظمه وعلى رأسها المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، على أن تتبعها تغييرات أخرى على مستوى رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف الحكومية، لكنهم رأوا أنها قد لا تقترب من تطوير المضمون، ولن تغير في الواقع الحالي، لأن التطوير يحتاج قدرا كبيرا من الانفتاح والحرية، وهو ما يتعارض مع التوجهات العامة للحكومة. ويؤمن هؤلاء بأن وعي السلطة الحاكمة في مصر بحرية الإعلام يشكل جوهر الأزمة الحالية، لأن غالبية المؤسسات الحكومية لا تعتقد بأن ترك مساحات كبيرة من حرية الرأي له دور أساسي في تنمية المجتمعات، ما يجعلها تتمادى في توجيهاتها الخاطئة، وبالتالي لن يحقق ذلك التأثير الإيجابي المطلوب، وتبدو وسائل الإعلام في قمة فشلها، ما أدى إلى جذب الجمهور من قبل وسائل منافسة في تركيا وقطر، ووضع الإعلاميين داخل مصر في موقف بالغ الحساسية. وأكد عصام كامل، رئيس تحرير صحيفة فيتو (خاصة)، أن تهميش أصحاب وجهات النظر المعارضة، أثر على قدرة وسائل الإعلام في خلق حالة من الرضا العام الناجم عن عرض آراء مختلفة للقضية الواحدة، ما جعلها تخفق في إقناع المواطنين بأي مشروعات تنموية عملاقة، كما أن غلق المجال العام أفرز عدم وجود مساحة مناسبة للنقاش المجتمعي، فتزايدت أزمة الإعلام. وأضاف لـ”العرب” أن التصريحات الحكومية بشأن تحميل المسؤولية للإعلام وحده تعبر عن وجود خلط بين الحرية والفوضى، وأن حالة السيولة التي مرت بها البلاد بعد ثورة يناير 2011 لا تزال هاجسا أمام متخذي القرار، ويعملون على تقليصها بشتى الطرق، وفي الوقت ذاته يطالبون بالفعالية، وهو تناقض يكشف المدى الذي وصله الإعلام. وأوضح أن مصطلح “إعلام الصوت الواحد”، الذي برز في ستينات القرن الماضي وتبحث الحكومة عن تطبيقه غير قابل للتنفيذ، في ظل التقدم التكنولوجي الكبير. ما ذهب إليه السيسي في لقائه بالمراسلين الأجانب، على هامش منتدى شباب العالم، الأسبوع الماضي، فجر حزمة من النقاشات بين المهتمين بالإعلام، لأن انتقاده هذه المرة جاء في وقت تسيطر فيه أجهزة حكومية متعددة على غالبية المنصات الإعلامية، الرسمية والخاصة ودرج السيسي على الإشارة إلى براعة الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل كرمز للتحليل العميق والمسؤولية خلال فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في إشارة إلى عدم رضاه عن الإعلاميين الحاليين، الأمر الذي جعل الكثير منهم يقولون وأين كفاءة جمال عبدالناصر؟ وتحاول الجهات القائمة على الإعلام أن تنقل سيطرتها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تشكيل مجموعة متخصصة تابعة للرئاسة المصرية لدراسة الإيجابيات والسلبيات الناجمة عن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل، وتقوم بوضع تصور شامل، وآليات تنفيذية لتعظيم الاستفادة منها، ثقافيا ومعرفيا وعلميا. وأشارت فاطمة الزهراء عبدالفتاح، أستاذة الإعلام الرقمي بجامعة الأهرام الكندية في القاهرة، إلى أن ما ينطبق على وسائل الإعلام التقليدية ينطبق على وسائل التواصل في ما يتعلق بالفجوة بين رؤية الرئيس والتطبيق على أرض الواقع، لأن الجهات القائمة على مراقبتها تعمل طوال الوقت على شيطنتها ومحاولة تكثيف الضغوط عليها. ولفتت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن هناك رؤية عامة تدرك خطورة التعامل مع وسيلة إعلامية يتواصل معها 30 مليون مواطن في مصر، مثل فيسبوك، غير أنها لم تضع يدها حتى الآن على طرق الحل السليم، وقد تكون التوصيات التي ستصدر عن اللجنة البحثية مقدمة للتعامل معها بشكل علمي. واستدركت قائلة “الحكومة المصرية لا تخاطب هذه المنصات بلغتها، وتصر على التعامل بشكل بدائي مع الشائعات التي تصدر من خلالها، وتقتصر فقط على بيان مقتضب يفند الواقعة أو ينفيها من دون البرهنة على صحة وجهة نظرها، وغياب القدرة على تقديم محتويات جادة للتفاعل مع المستهلكين لهذه الوسائل”. لذلك يبدو التشاؤم ظاهرا على الكثير من الخبراء حيال إمكانية حدوث تطوير في مضمون الإعلام المصري على المدى المنظور، طالما أصر المسؤولون على وجود إعلام فاعل ومؤثر من دون توسيع نطاق الحريات، وعدم رفع الممانعات التي تقف حائلا أمام تقدمه.

مشاركة :