تعدين البتكوين هي العملية التي تنتج بها هذه العملة في العالم الرقمي وهي عملية معقدة تحتاج إلى تشغيل حواسيب ذات قدرات عالية تستهلك كمية هائلة من الكهرباء التي يأتي أغلبها من الوقود الأحفوري الذي يتسبب في معظم التلوث لبيئة الأرض، ما جعل علماء المناخ يدقون ناقوس الخطر. برلين- تحذر الدراسات العلمية من عمليات تعدين العملات الرقمية مثل بتكوين لاستهلاكها كميات من الكهرباء أكثر مما يستهلكه العالم بأجمعه في اليوم بحلول 2020، كما يمكن أن تؤدي عملية التعدين المعقدة هذه إلى زيادة انبعاث الغازات بما يكفي لزيادة درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين بحلول 2033. وقدرت دراسة سابقة، أن استخدام البتكوين قد أطلق 69 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون في العام 2017، في حين كانت لا تمثل أكثر من 0.033 بالمئة فقط من المعاملات غير النقدية في العام ذاته. قد يتساءل البعض عن علاقة البتكوين ـ وهي عملة افتراضيةـ بالمناخ والانبعاث ودرجات الحرارة التي تهدد الأرض وعيش البشر عليها، في الوقت الذي ينطبق فيه التعدين على العملات التقليدية التي يتداولها الناس في معاملاتهم المالية اليومية. في الحقيقة، أصبح اليوم من الممكن تعدين هذه العملة نظرا لأهميتها وقيمتها الكبيرة التي أصبحت تعادل المعادن النفيسة في المجال الاستثماري ويتزايد تداولها وانتشارها. والمقصود بتعدين العملات الرقمية هو إنتاج العديد منها وإدخالها إلى سوق العملات، وذلك عن طريق استخدام طرق وأساليب مختلفة عن سك العملات التقليدية، فتعدينها يعني إنتاجها باستخدام برمجيات خاصة وتشغيل حواسيب ذات قدرات عالية تستنزف الطاقة الكهربائية لتوليد القوة الحسابية الهائلة لإنتاج العملات المشفرة التي تتم عبر حل معادلات رياضية. ويبدو أن المشتغلين بتعدين البتكوين أصروا على النمو الهائل في تبني العملة الجديدة، لكنهم تغاضوا عن فاتورة الاستهلاك المفرط للكهرباء مما يؤدى إلى تقديرات مريبة للإنبعاثات الكربونية المستقبلية. وأظهرت دراسة نشرت مؤخرا في مجلة “نيتشر كلايمت تشينج” (تغير مناح الطبيعة)، أن المعدات وكمية الكهرباء المطلوبة لسك العملة الرقمية يمكن أن تؤدي إلى اشتداد حدة ظاهرة التغير المناخي. وقالت كاتي تالاداي وهي من بين مؤلفي الدراسة التي أجرتها جامعة هاواي “في الوقت الراهن، تعد وسائل النقل والمساكن وإنتاج الطعام السبب الرئيسي في ظاهرة التغير المناخي القائمة، لكن هذه الدراسة توضح أنه يمكن إضافة البتكوين إلى القائمة”. ويعلق راندى رولنز، وهو عضو آخر في فريق البحث قائلا، “يتطلب تعدين البتكوين أجهزة متطورة بحاجة إلى متطلبات كبيرة من الكهرباء”. يقابلها فاتورة كهرباء باهظةيقابلها فاتورة كهرباء باهظة وتستهلك شبكة العملات الرقمية اليوم كهرباء يضاهي ما تستهلكه أيرلندا كلها، والتي تستهلك 3.1 غيغاواط، كما يقدر استهلاك البتكوين للكهرباء وأثره على البيئة بمستوى استهلاك 38 مليون شخص، إن كان استهلاك الكهرباء العالمي موزعا على جميع البشر بصورة متساوية، علما وأن عدد سكان العالم يبلغ نحو 7.6 مليارات نسمة. وهناك طرق لتعدين البتكوين منها التعدين الفردي الذي يقوم به الشخص دون مساعدة، ويحتاج إلى خبرة كبيرة في مجال تطوير الشبكات والبرمجيات، ويستطيع العمل إلى ساعات كثيرة حيث أن التعدين الفردي يستغرق وقتا طويلا من الشخص ويتطلب أجهزة متطورة. وهناك التعدين السحابي، ويعتمد على تمويل الشخص لعملية التعدين والتي تقوم بها شركات متخصصة في تعدين البتكوين، والتمويل يعني هنا شراء عقود التعدين واقتسام الأرباح مع الشركة، حيث توجد شركات عملاقة تقوم على توفير أجهزة خاصة بعملية تعدين البتكوين تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات. إحدى الشركات الكبيرة في إنتاج البتكوين “بتمان تكنولوجيز ليمتد”، والتي تدير مزرعة خوادم (سيرفرات) في منطقة تسمى إردورس في منغوليا الداخلية تحتوي على 25 ألف جهاز كمبيوتر مكرسة لحل الحسابات المشفرة التي تنتج كل وحدة من وحدات عملة البتكوين. وتدار كامل العملية بكهرباء مولدة من الفحم الحجري مثلما هو الحال في عدد من مناجم هذه العملة المشفرة التي انتشرت بسرعة في الصين. وتكشف دراسة حديثة بجامعة كامبريدج البريطانية عن أن الصين التي تحصل على 60 بالمئة من طاقتها الكهربائية من الفحم الحجري، وهي أكبر دولة تجري فيها عمليات تعدين البتكوين وتستهلك ما نسبته ربع استهلاك التعدين العالمي. وتضيف هذه الدراسة أن حوالي 58 بالمئة من مجمّعات إنتاج البتكوين موجودة في الصين، تليها الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 16 بالمئة. وإذا كان من الصعب الإنتاج في أوروبا، إلا أنه سهل في آيسلندا التي تزود الكمبيوترات بكهرباء مولدة بالطاقة النووية، وحتى في الصين هناك مجمعات للإنتاج قامت حول مرافق التوليد الهيدرولوجي (بالطاقة المائية) للكهرباء بمحافظتي سيشوان ويونان. بهذه المعطيات والأرقام، أصبح الخبراء اليوم على يقين من أن تعدين البتكوين والعملات الرقمية بصفة عامة سبب للاحتباس الحراري، في ظل تزايد التقارير التي تشير إلى أنها تستهلك طاقة كهربائية بشكل يفوق استهلاك دول بأكملها. وكلما زاد عدد المعالجات المستخدمة في البحث عن العملات الرقمية، يصبح استهلاك الكهرباء أكبر مع اتساع رقعة الحواسيب والخوادم الضخمة، خاصة أن عمليات فك تشفير سلاسل العملة الافتراضية تزداد صعوبة مع الوقت. وتتطلب عملية تحويل كل عملة بتكوين واحدة اليوم نفس قدر كمية الطاقة المستخدمة لتزويد تسعة منازل في الولايات المتحدة ليوم واحد، كما أن المنقبين عن البتكوين لا يزالون مستمرين بتركيب المزيد من الحواسيب الأكثر سرعة، حيث أن إجمالي الطاقة الحاسوبية المستخدمة في التنقيب عن البتكوين في يومنا هذا أكبر 100 ألف مرة من قدرة أسرع 500 حاسوب خارق في العالم مجتمعة. وهذا يعني أن الطاقة الكهربائية المستهلكة في تعدين البتكوين تتسبب في إبطاء الجهود المبذولة من قبل البشرية في سعيها لمواجهة التغير المناخي من خلال عملية التحول بعيدا عن استخدام الوقود الأحفوري. الكثير من المنظمات الدولية وخبراء المناخ أصبحوا يعتبرون البتكوين من أكبر الأخطار التي تهدد البيئة حاليا. المحلل أليكس دي فريس يقول، “إن استهلاك الطاقة في إنتاج البتكوين جنوني، وإذا بدأنا استخدام ذلك على المستوى العالمي فسيؤدي الأمر إلى موت كوكب الأرض”، فاستهلاك للكهرباء، بسبب التنقيب عن البتكوين، يتسبب بسحب الطاقة من الشبكة الكهربائية في كل أنحاء العالم حيث أن هذه الطاقة بدل أن تذهب للسيارات التي تعمل على الكهرباء أو لإنارة البيوت تتحول إلى مزارع التنقيب عن البتكوين. ومثال على ذلك ما يحدث في فنزويلا حيث تسبب التضخم الهائل والكهرباء المدعومة حكوميا في ازدهار سوق البتكوين، ما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء في كافة أنحاء البلد بصورة متكررة. ويتوقع علماء المناخ أن يؤدى ارتفاع درجة الحرارة فوق 1.5 درجة إلى عواقب كارثية، بما في ذلك موجات الحر الشديدة، والجفاف الشديد، وانقراض الشعاب المرجانية، بالإضافة إلى الارتفاع الحتمي لمستوى سطح البحر. ويبقى الحل الأفضل بحسب الخبراء، هو جعل الطاقة المتجددة هي البديل في عمليات التعدين هذه، لأن المشكل الأكبر، هو أن معظم الطاقة المستخدمة في العالم لتعدين عملة البتكوين يتم توفيرها من الوقود الأحفوري، والتي هي من أشد أعداء البيئة.
مشاركة :